قبل أيام خرج اللآلاف في مدينة جرادة احتجاجا على الوضع الاجتماعي والاقتصادي المأزوم الذي تعرفه المدينة، بعد وفاة شابين غرقا في بئر غير قانونية لاستخراج الفحم الحجري.

الوضع الإجتماعي والإقتصادي للمدينة

خرجت ساكنة جرادة المستاءة من الوضع والساخطة على المسؤولين الذين لم يعطوا أهمية للوضع المتفاقم منذ سنوات جراء الإغلاق النهائي لمنجم الفحم لشركة “مفاحم المغرب”، سنة 2001 بموجب اتفاقية اجتماعية موقعة بين النقابات الممثلة للعمال (الإتحاد العام للشغالين بالمغرب والكونفدرالية الديمقراطية للشغل، والإتحاد المغربي للشغل) والحكومة بتاريخ 17/2/1998، وظلت المدينة التي شكلت منذ بداية استغلال الفحم الحجري بها سنة 1927 قطبا جذب العديد من الأسر المغربية القادمة من مدن شرق المغرب وغربه، (ظلت) بعيدة عن مخططات التنمية وكأنها غير معنية بذلك في مغرب اليوم.
لا تكاد تمر سنة بدون أن تخطف “مناجم الموت” عددا من أبناء المدينة اختناقا في أنفاقها المهجورة أو تحت صخور الآبار المحفورة أو بمرض السيليكوز، وتظل أصابع الاتهام موجهة إلى كل الاتجاهات دون تحديد المسؤولية القانونية عن الإخلال بالقانون المنظم لاستغلال المقالع، الذي سطر في ديباجته أنه جاء من أجل إرساء وتطبيق مبادئ جديدة في مجال الحكامة والتدبير من بينها أنه جاء لتوزيع منصف لخيرات البلاد، وربط المسؤولية بالمحاسبة، والتنمية المستدامة، وذلك انسجاما مع الدستور الجديد، وكذلك “القضاء على الممارسات العشوائية بالقطاع وإضفاء الطابع الاحترافي عليه”، وكذلك هيكلة القطاع وتدبيره تدبيرا شفافا، من خلال إجراءات وتدابير تشمل مجموع مراحل استغلال المقالع، بدءً من مرحلة تحديد المواقع، وانتهاء بوضع حد لنشاط الاستغلال، مرورا بانطلاق وممارسة الاستغلال والتتبع.
وفي حين أن الإنتظارات المرتبطة بالساهرين على القطاع، ومجمل الوزارات والمتدخلين المعنيين بالقانون المنظم في ما يتعلق باحترام القوانين المنظمة على الأقل في شقها المرتبط بسلامة الساكنة والعاملين وصحتهم، ظلت هذه الانتظارات رهينة سياسات مرتجلة وغير خاضعة لأي استراتيجية واضحة، بعيدة عن مبدأ الحكامة الوارد في ديباجة القانون التنظيمي وبعيدا عن ربط المسؤولية بالمحاسبة الذي ورد في الفصل الأول من دستور 2011.

القانون التنظيمي وواقع المدينة
يحدد القانون التنظيمي رقم 27.13 المتعلق بالمقالع والذي ألغى ظهير 5 ماي 1914 المنظم للمقالع، جوانب مهمة من حيث الإجراءات القانونية المرافقة لاستغلال آبار الفحم، فالمادة 24 من القانون تقول “إذا تبين أن استغلال أحد المقالع يشكل بالنسبة إلى العمال وسكينة الجوار والصحة والأمن والسلامة العامة والفلاحة والصيد البحري والموارد والحيوانات والنباتات البرية والمائية والغابة والوحيش ومختلف الأحياء والنباتات والمنابع المائية والبيئة والمواقع والآثار التاريخية، مخاطرا أو مضارا لم تكن معروفة عند الحصول على وصل التصريح، فإن الإدارة تأمر المستغل باتخاذ تدابير تكميلية أو إدخال التغييرات اللازمة لتفادي المخاطر أو المضار المذكورة”، وتظهر هذه الفقرة أن المستغل للمنجم أو المقلع يتوجب عليه مراعات هذه الجوانب كلها، ويجب على الإدارة في حالة عدم احترام المستغل لما جاء في هذه المادة، إصدار أمر بوقف أشغال الإستغلال واتخاذ كافة التدابير الفورية لتفادي الخطر حسب المادة 25 من نفس القانون المذكور أعلاه.
أما إذا عاينت الإدارة استمرار المخاطر أو المضار المشار إليها في المادتين 24 و25 أعلاه بالرغم من قيام المُسْتَغِل بالتدابير والتغييرات المطلوبة، أو إذا استحال عليه اقتراح تدابير بديلة تمكن من تجاوز هذه المخاطر أو المضار، فإنها تتخذ قرارا بإغلاق المقلع، حسب نص المادة 26 من قانون 27.13.

من المسؤول عن وفاة “شهداء الفحم”؟
كل الفصول المذكورة وغيرها تطرح عدة أسئلة حول تحديد المسؤوليات، فمسؤولية تطبيق القانون ومتابعة تنفيذ مساطره ومقتضياته هي تقع على كاهل الحكومة والوزارات والإدارات المعنية، وهنا يمكن أن نتساءل حول من سيراقب عمل الحكومة ومتابعتها قضائيا عندما تخل بمسؤولياتها؟، إذا كان البرلمانيون المتعاقبون منذ سنة 2001 تاريخ تنفيذ اتفاق الإغلاق لم يستطيعوا أن يقومو بمهمة مراقبة ومحاسبة الحكومة ووزاراتها المعنية وكذلك لم يستطيعوا أن يضمنوا لمواطني مدينة جرادة وغيرها من المدن المهمشة حقهم في الحياة وفي العيش الكريم.
لم تقم الحكومة والمسؤولين المحليين بإقليم جرادة، بطمر المناجم واستيفاء الإجراءات القانونية والأمنية، بعد عشرين سنة تقريبا من الاتفاقية الرامية لإغلاق المنجم، ولم تقم كذلك بالبحث عن حلول جذرية للساكنة وبدائل لآبار الفحم “الساندريات”، وكذلك بدائل لأربع مركبات لانتاج الكهرباء المسؤولة عن الوضع البيئي الكارثي للمدينة، وكذلك انتهجت السلطات المحلية والمنتخبون سياسة غض الطرف منذ سنين عن الاستغلال العشوائي.

التعليقات على بعد قضية “شهداء الفحم”.. هل سيتابع سكان جرادة الدولة قضائيا لرد الاعتبار؟ مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

نادية العلوي: الحكومة تواصل تنزيل نفس الأولويات والتشكيك في منهجية الحوار الاجتماعي هو هدر للزمن السياسي

أكدت نادية فتاح العلوي وزيرة الاقتصاد والمالية، على أن الحكومة تواصل تنزيل نفس الأولويات م…