في وقت كان المغرب يشهد فترة ازدهار ديموغرافي حيث بلغ معدل النمو السكاني السنوي 2.6%، فإن الصورة اليوم تبدو مختلفة تمامًا.
فوفقًا للإحصاء العام للسكان والسكنى لعام 2024، فقد تراجع هذا المعدل بشكل لافت، ليصل إلى 0.85% فقط بين عامي 2014 و2024، وهو تراجع يعكس تحولًا ديموغرافيًا عميقًا.
هذا التحول البطيء، الذي ارتفع فيه عدد سكان المغرب من 34 مليونًا إلى أقل من 37 مليونًا في عشر سنوات، يطرح العديد من الأسئلة حول أسباب هذا التراجع في النمو السكاني، هل يعود ذلك إلى التحولات الاقتصادية والاجتماعية، مثل التمدن المتسارع والاختفاء التدريجي للعالم القروي؟ أم أن هناك عوامل أعمق وأوسع تتعلق بتغيرات في القيم والعادات الثقافية للمغاربة؟
في حوار، مع محسن إيدالي، أستاذ الجغرافيا السياسية، نسلط الضوء على هذه التحولات الديموغرافية، ونتناول تأثيراتها على المستقبل الاجتماعي والاقتصادي للمغرب.
أولا، كيف تفسر الزيادة البطيئة في عدد سكان المغرب التي ارتفعت من 34 مليون إلى أقل من 37 مليون نسمة في عشر سنوات فقط؟
من خلال نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى الأخير الذي أجرته المندوبية السامية للتخطيط، نجد أن عدد سكان المغرب زاد بنحو 3 ملايين نسمة فقط خلال عشر سنوات، وهو معدل نمو بطيء للغاية.
هذا التباطؤ يعكس تحولًا في نموذج الخصوبة في المغرب، وهو نموذج يشبه النموذج الغربي الذي يتسم بانخفاض معدلات الخصوبة، ما يشير إلى أننا دخلنا مرحلة ديموغرافية خطيرة، بحيث سنشهد في المستقبل القريب تزايدًا في أعداد كبار السن، في حين يتقلص عدد الفئات الشابة القادرة على دعم الديناميكية الاقتصادية.
ما هي العوامل الرئيسية التي أدت إلى هذا التحول الديموغرافي في المغرب؟ هل التمدن والاختفاء التدريجي للعالم القروي من بين أبرز العوامل؟
الأمر يتعلق بمجموعة معقدة من الآليات المتشابكة التي ساهمت في هذا الواقع الديموغرافي، إذ أن هذه التحولات لم تحدث فقط في السنوات العشر الأخيرة، بل بدأت منذ إحصاء 2004 على الأقل، وازدادت حدتها بمرور الوقت.
ويمكن تصنيف هذه الآليات إلى نوعين: داخلية وخارجية.
- الآليات الداخلية: ترتبط مباشرة بالوضع الاقتصادي، وخاصة فرص العمل المتاحة للشباب، فضلاً عن التحولات المجتمعية الكبرى، مثل الاتجاه المتسارع نحو التمدن على حساب العالم القروي.
- ويرافق هذا التحول تغيّر كبير في نمط الحياة، من العائلات الممتدة ذات الثقافات والتقاليد التقليدية إلى العائلات النووية ذات الحجم الأصغر، كما أن هناك ظاهرة الفردانية في المجتمعات المغربية، حيث أصبح التركيز على الذات والمظاهر المادية أكثر من العناية بالأساسيات.
- الآليات الخارجية: ترتبط بالتأثيرات العالمية والعولمة، التي جلبت معها ثقافات جديدة وأسلوب حياة متسارع قائم على الرفاهية والمظاهر، وهو ما أثر بدوره على السيكولوجية المجتمعية وأدى إلى تباطؤ النمو السكاني.
البعض يعتقد أن تأخر سن الزواج، انتشار الطلاق، والعزوف عن الإنجاب هم الأسباب الرئيسية لهذا الوضع السكاني. هل تتفق مع هذه الرؤية، أم أن هناك تحولات أكبر في المجتمع؟
هذه العوامل فعلا لها أثر لا يمكن نكرانه، ولكنها جزء بسيط من مجموعة من العوامل، بحيث نجد تزامنًا مع هذه الظواهر، تحولات ثقافية ومجتمعية عميقة.
على سبيل المثال، العائلات المغربية، حتى وإن كانت تتمتع بقدرات اقتصادية جيدة، أصبحت تميل إلى تبني قيم ثقافية جديدة مستوردة من الغرب، والتي تدفعهم إلى تقليص حجم الأسرة إلى طفل أو طفلين كحد أقصى.
وهو ما سيجعلنا مستقبلا كالبلدان التي أصابها هذا الواقع خصوصا الدول الغربية والأروبية، التي تبحت عن توازنها الديموغرافي من خلال استقطاب اليد العاملة والعقول من جميع أنحاء العالم.
إذا استمرت هذه التحولات بنفس الوتيرة، أين ترى المغرب بعد عشرة أو عشرين عامًا من الآن، هل نصبح مثل اسبانيا أو البرتغال على مستوى النمو الديموغرافي؟
نعم، إذا استمر هذا الاتجاه، فإن المؤشرات الحالية تشير إلى أننا قد نصل إلى وضع مشابه لما تشهده بعض الدول الأوروبية مثل إسبانيا والبرتغال، حيث تواجه هذه الدول تحديات ديموغرافية كبيرة بسبب تزايد أعداد كبار السن مقابل قلة الفئات الشابة، وهو ما يهدد العديد من القطاعات الاقتصادية، وخاصة تلك التي تعتمد على اليد العاملة الشابة.
لذا، فإن الأمر يتطلب تفكيرًا عميقًا من جميع مكونات المجتمع المغربي لإيجاد حلول مبتكرة للحفاظ على التوازن الديموغرافي، فالمغرب بحاجة إلى اتخاذ خطوات استباقية للحفاظ على استقرار هرمنا السكاني، والبحث في سياسات تشجعية على النمو السكاني، وكذلك استغلال الفرص المتاحة خلال العقود القادمة، خاصة مع الاستثمارات الكبيرة التي بدأتها الدولة في إطار النموذج التنموي الجديد.
الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان
دعا رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، وزارة الفلاحة والصيد البحري وال…