يبدو أن محاولة وزارة العدل إخماد نار الغضب التي أشعلتها المبالغ الخيالية التي صرفت في اقتناء بعض التجهيزات والأثاث، لم تؤتِ أكلها؛ فقد عادت الجمعية المغربية لحماية المال العام لتطالب رئيس النيابة العامة، محمد عبد النباوي، في شكاية رسمية، بفتح تحقيق في الصفقات التي أبرمتها الوزارة المذكورة بملايير الدراهم، كاشفة أن “الاختلالات” التي شابت هذه العملية ترقى من حيث طبيعتها ووصفها الجنائيين إلى جرائم ماسة بالمال العام، وتقع تحت طائلة القانون الجنائي.
وكانت وزارة محمد بنعبد القادر قد خلصت في بلاغ أصدرته بحر الأسبوع الفارط، بررت فيه فضيحة اقتناء تجهيزات خاصة بالمعهد العالي للقضاء بملايير الدراهم، وبأسعار تتجاوز بكثير ما هو موجود في الأسواق، إلى أن “القوائم المالية للمشروع تعطي صورة صادقة ونزيهة عن المبالغ المالية التي تم صرفها في كل جوانبها الهامة والجوهرية”، لكن حماة المال بالمقابل أثبتوا زيف ذلك من خلال جرد للصفقات التي أبرمتها الوزارة في إطار هذا المشروع، كما استندوا إلى الصفقات المنجزة من طرف مديرية التجهيز وتدبير الممتلكات بالوزارة ذاتها ما بين سنتي 2016 و2017 بمبلغ إجمالي وصل إلى 64.992.302.79، لتخضع عقب ذلك لمراقبة قسم التدقيق ومراقبة التدبير الداخلي وأنجز بخصوصها تقرير.
اتهامات بالمحاباة والتزوير وشبهة رشاوى واقتناء أثاث بملايين الدراهم وتوزيعه على جهات غير مستحقة له
وتهم الصفقات التي أبرمتها مديرية التجهيز وتدبير الممتلكات إبان عهد وزير العدل والحريات، المصطفى الرميد، شراء لوازم الترتيب والحفظ لفائدة مراكز الحفظ، اقتناء وتركيب وتشغيل عتاد أمني لفائدة بعض محاكم المملكة، إضافة إلى اقتناء أثات المكتب في حصة فريدة لفائدة مقر المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ولرئاسة النيابة العامة في مناسبتين، وأيضا لفائدة محكمة النقض وبعض محاكم المملكة.
الفريق المكلف بالتدقيق في هذه الصفقات، أكد أنه لم يتمكن من الاطلاع على وثائق بعضها، مسجلا عدة ملاحظات، أبرزها؛ توزيع جزء من التوريدات على مرافق الإدارة المركزية والمصالح الخارجية رغم أنها جهات غير مستفيدة والاحتفاظ بالبعض منها بمستودع المخزون إلى حدود أواخر شهر دجنبر من سنة 2019، وهو ما يخالف مقتضيات المادة 5 من مرسوم الصفقات العمومية، فضلا عن وجود فوارق بين سجلات الجرد وشواهد الحيازة التطبيقية، علاوة على عدم تحديد وزارة العدل المواصفات التقنية بشكل دقيق بخصوص بعض الصفقات.
وتوقف معدو التقرير عند وجود إخلال بمبدأ المنافسة، على اعتبار أن الإعمال السليم لهذا المبدأ يقتضي توفير جميع المعطيات الضرورية لكافة المتنافسين لأجل تقديم عروضهم، لافتين إلى ملاحظة خطيرة تتعلق باستحالة التأكد من مدى تطابق الأثات المتعاقد بشأنه مع ذلك المسلم فعليا، مما يعني أن نائل الصفقة يمكنه أن يُسلم ما يشاء وبأي ثمن أراد، ما يرجح أن يكون هذا الغموض المقصود مرده إلى وجود قرينة على سوء نية المكلفين بإعداد وثائق الصفقات.
كما تبين للمدققين أن نفس التسمية تستعمل لأثاث يحمل نفس المواصفات التقنية، مما نتج عنه فوارق ملحوظة في أثمنة الأثاث المقتنى وتضمين معطيات مغلوطة عن الوضعية الحقيقية لتلك المقتنيات، راصدين ارتفاعا في تقدير بعض الأثمنة بالمقارنة مع أثمنة اقتناء نفس الأثاث خلال نفس الفترة، وكذلك تفضيل بعض الشركات ومحاباتها خلال إنجاز الصفقات العادية أو التفاوضية والتغاضي عن نواقص وعيوب ملفها الإداري والتقني وتزويرها لبعض المراجع والوثائق، وهو ما لا يمكن مطلقا أن يحصل دون وجود أي مقابل أو فائدة، مما يرجح وجود شبهة الرشوة، إضافة إلى اختلالات خطيرة أخرى شابت باقي الصفقات.
أثمنة خيالية ضمن توريدات تجهيز المعهد العالي للقضاء
وبخصوص التقرير المؤقت رقم 6408، المتعلق بتدقيق حسابات مشروع بناء المقر الجديد للمعهد العالي للقضاء بسلا الجديدة الذي خصصت له بقعة أرضية تبلغ مساحتها 50.000 متر مربع ويتضمن مرافق إدارية وبيداغوجية وعددا من القاعات والأجنحة، فقد سجلت اللجنة صاحبة التقرير عددا من الاختلالات، في مقدمتها؛ تفاوت بين الحاجيات الفعلية والتجهيزات المقتناة في إطار بعض الصفقات. وهكذا فقد اقتنت وزارة العدل، في إطار صفقة، تجهيزات لثأثيت 21 مكتبا مخصصا لرؤساء أقسام إضافة إلى 44 مكتبا لرؤساء المصالح التابعة للمقر الجديد للمعهد وهو ما لا يتناسب مع الهيكلة التنظيمية الحالية للمعهد، والذي لا يحتوي في واقع الأمر سوى على 6 أقسام و15 مصلحة.
كما تم اقتناء مجموعة من التجهيزات تنتمي كلها إلى علامة تسمى “ANOUT” ضمنها 470 صفيحة كهربائية، 20 صفيحة كهربائية، 470 ثلاجة صغيرة، بينما سجلت اللجنة بخصوصها عدم وجود العلامة المذكورة وطلبت من مصالح وزارة العدل معلومات عنها لكنها لم تتلق منها أي جواب.
باقي المخالفات التي رصدها معدو التقرير، تشير إلى أن أسعار بعض المواد و المعدات تفتقر إلى معايير واضحة لتقدير الكلفة المالية، ذلك أن طاولة للاجتماعات بطول 12,6 متر وعرض متغير ما بين 1,40 متر و 1,80 متر تم إقتناؤها بمبلغ 758.280,00 درهم، كما كلفت سلة مهملات سعة 114 لتر مبلغ 6.012,00 درهم للوحدة، علاوة على أن اقتناء سلة مهملات سعة 47,5 لتر ناهز 3.576,00 درهم للوحدة، ثم ثلاجة من نوع LG سعة 334 لتر GR-C402SLCN بما مبلغه 15000 درهم، وتلفاز من نوع SAMSUNG HD.55 بمبلغ 22000.00 درهم.
شبهة الاختلاس قائمة والعدالة واجبة
تبعا لذلك، شدد حماة المال العام على أن المعطيات المتوفرة تفيد بعدم وجود بعض الوثائق المهمة ذات الصلة بالصفقات، فضلا عن تزوير بعض الوثائق مع إصدار أوامر بالخدمة بإيقاف الأشغال واستئنافها بمبررات غير معقولة يشتبه أن يكون ذلك غطاء قانونيا لإفلات نائلي الصفقات من غرامات التأخير والجزاءات التعاقدية، مع تسجيل تلك الأوامر في السجل المعد لذلك بشكل متأخر، بل إنه في أحيان أخرى لا يتم تسجيلها بالمطلق، كما أن بعض التوريدات استفادت منها جهات لا يحق لها ذلك وغير معنية.
وذكرت مراسلة الجمعية أن هذه الوقائع وغيرها قد تشكل شبهة اختلاس وتبديد أموال عمومية والرشوة والتزوير وغيرها، مبرزة في شكايتها إلى عبد النباوي أنها تستوجب الاستماع لوزراء العدل المعنيين، وإلى وزير التجهيز والنقل باعتبار وزارته هي صاحبة المشروع المنتدب لبناء مشروع المعهد العالي للقضاء، إضافة إلى كل من مسؤولي مديرية التجهيز وتدبير الممتلكات بوزارة العدل، والمسؤولين المكلفين بالصفقات العمومية بوزارة العدل، ولممثلي المقاولات سواء تلك التي نالت الصفقات أو التي لم تنلها.
كما طالبوا بالاستماع لإفادات منجزي التقريرين، إلى جانب القيام بكل المعاينات والخبرات الضرورية وحجز كافة الوثائق ذات الصلة بموضوع القضية لفائدة البحث، مع الاستماع لكل شخص قد يفيد في البحث، واتخاد كافة التدابير لفرض سيادة القانون وتحقيق العدالة.
بعد إقالة العامل.. فيدرالية اليسار: تمارة تحولت إلى بؤرة للفساد والنهب والاغتناء غير المشروع لبعض رجال السلطة والنافذين
قالت فيدرالية اليسار الديمقراطي، إن تمارة تعرف وضعا اجتماعيا وصفته بـ “المقلق”…