كيف أصبحت هكذا”

كل إنسان له اختيارات في الحياة، ولكل اختيار من هذه الاختيارات حكاية يتداخل فيها الذاتي والموضوعي، ويحضر فيها أشخاص ووقائع وكتب ومواقف… وتغيب تفاصيلها عن الناس حتى يعتقد بعضهم أن الكاتب أو المبدع ولد بكامل الوعي والإبداع الذي عرفه به الناس، أو أن الإسلامي ولد إسلاميا واليساري يساريا…

مع القيادي بحزب العدالة والتنمية عبد العزيز أفتاتي 

إعداد: علي جوات

المسار الذي حدد انتمائي الفكري والسياسي في ما بعد، تدخلت فيه عدة عوامل أهمها انتمائي إلى منطقة عانت من التهميش والتفقير والقمع الشيء الكثير، وخصوصاً في فترة الستينيات والسبعينيات، هذه الفترة التي كانت مهيكلة في تاريخ المغرب الحديث، إقليم خنيفرة وهو مسقط رأسي، عرف انتقاماً بعد المحاولتين الانقلابيتين الفاشلتين بحكم أن بعض من قادوها هم من أبناء المنطقة.
ولم تكن وحدها الانقلابات ما شكلت رجة عادت على المنطقة بل كذلك أحداث 73 ومحاولة الانقلاب على النظام بواسطة الثورة المسلحة من قبل جناح الاختيار الثوري الذي يقوده الفقيه البصري، وهو التيار الذي كان مهيمناً على حزب الإتحاد الاشتراكي بخنيفرة، وقد كنت مدمناً على جريدة “المحرر” بل كنت ألجأ للوالدة لتمدني بالنقود لشرائها، لقد كانت هذه الجريدة مصدراً للمعلومة والتكوين كذلك.
وأتذكر أنه في يوم من الأيام ونحن تلاميذ، وزع منشور صغير بشكل كبير لم نعرف مصدره، هل هم الماركسيون آم الاتحاديون، كان مكتوب فيه “عبابو وصحابو في الجنة يتصابو”، بالطبع في إشارة إلى الجنرال عبابو قائد أحد الانقلابين الفاشلين.
فإذا، لا يمكن وسط كل هذه الظروف، وأنت تلميذً شاب مسيس، إلا أن تنتمي إلى اليسار الراديكالي أو إلى الإسلاميين، كما انه ليست الظروف السياسية وحدها من كانت عاملاً، لكن الظروف الاقتصادية والاجتماعية، حيث كنا نعيش فقراً كبيراً، وتهميشا ملحوظا، انتقاماً من المنطقة.
ولا يمكنني أن أتحدث عن مساري من دون أن أتحدث عن شخص أثر في بشكل كبير هو جدي الذي كان فقيراً للغاية، لكنه كان كريماً بشكل غريب، حيث أنه يقتسم ما يملك مع الجميع، بالرغم من فقره، جدي هذا تأثرت به والدتي، حيث أصبحت مثله وقد تأثرت به في كرمه بشكل كبير.
في الوسط الذي درست فيه، أتذكر أنه كان هناك أساتذة لنا في مرحلة الثانوي خطفوا، منهم من تكرر ذلك معه لمرات، ومنه من خطف مرة واحدة من دون أن يعود، وكلهم من اليساريين سواء الاتحاديين أو الماركسيين، وسيتساءل البعض لماذا اخترت الشبيبة الإسلامية ولم أختر اليسار؟، بالنسبة لي كان هناك عاملين، الأول هو أن النموذج النضالي الذي كانت تقدمه الأحزاب المتواجدة في منطقتي لم يكن نموذجاً اتفق معه نظراً لبعض السلوكات، ثانياً، حجم القمع والضغط السياسي الذي تعيشه المنطقة، كان يدفع إلى عدم الانخراط في الأحزاب بشكل عام، ولهذا اخترت الالتحاق بالشبيبة الإسلامية عندما فاتحنا أحد الإخوان الذي جاء إلى خنيفرة بهدف الاستقطاب، وانسحبت بعد ذلك منها بسبب وفاة عمر بنجلون، ويمكن أن أقول في هذا الموضوع أنني فهمت فيما بعد أن التصفيات الجسدية لدى مختلف التيارات السياسية آنذاك كانت اختيارا حتى في وقت الحركة الوطنية وداخل حزب الاستقلال وجيش التحرير.

التعليقات على أفتاتي: كنت مدمناً على”المحرر” وانسحبت من الشبيبة الإسلامية بعد وفاة بنجلون مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

ملف “إيسكوبار الصحراء”.. النيابة العامة تردّ على طلبات الدفاع بخصوص استدعاء أحمد أحمد ومسؤولين في البرلمان

في أول ردّ لها على طلبات دفاع المتهمين في ملف مابات يعرف بأسكوبار الصحراء، المعتقل على خلف…