استدعى ناصر بوريطة وزير الخارجية، يوم الجمعة الماضي سفيرة هولندا في الرباط، على خلفية تقرير كان قد قدمه وزير خارجية هولندا أمام برلمان بلاده، ستيف بلوك حول ملف “حراك الريف” وأوضاع المعتقلين، والذي تحدث من خلاله عن تطورات حراك الريف والأحكام القضائية المتعلقة بالاحتجاجات التي عرفتها منطقة الريف، وظروف الاعتقال في السجون.
وجاء في تقرير ستيف بلوك أنه تم توقيف أكثر من 800 شخص على خلفية الاحتجاجات التي عرفتها المنطقة، أدين منهم أكثر من 400، وحكمت محكمة الدار البيضاء في يونيو الماضي على 53 من النشطاء بالسجن لمدد تتراوح بين سنة واحدة و20 سنة.
وجاء أول رد فعل من الرباط التي اعتبرت التقرير يحتوي على “مضامين مغلوطة، ومبنية على تقديرات مغايرة للحقائق”، بحيث استدعى ناصر بوريطة سفيرة هولندا بالمغرب، معبرا عن رفض المغرب “القاطع والصارم للتقرير الذي أصدرته وزارة الخارجية الهولندية حول تداعيات حراك الريف بالمغرب”.
كما اعتبر المغرب أن هذا “التصرف هو تدخل مباشر في الشؤون الداخلية للمغرب، نابع من انعدام واضح لعدم احترام العدالة المغربية، وفي تناقض صارخ مع القواعد الأساسية لاحترام القرارات القضائية التي تصدرها دولة أجنبية”، كما قرر تعليق اللقاء الثنائي الذي كان سيجمع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ما الذي حصل بالضبط حتى وصلت العلاقات المغربية إلى هذا الحد من التشنج؟
تعود بوادر الأزمة من شهر أبريل الماضي عندما قام وزير الخارجية الهولندي ستيف بلوك بزيارة المغرب، في لقاء ثنائي مع بوريطة حيث انتقد طريقة تعامل السلطات المغربية مع الاحتجاجات في الريف، الشيء الذي لم تقبله الرباط على لسان ناصر بوريطة في ندوة صحفية عقب لقائه بوزير خارجية هولندا، والذي قال أن المغرب يرفض سماع “دروس” في خلاف داخلي، “علاقاتنا لها عناصر اتفاق وعناصر اختلاف، وحول الريف لم نتفق”.
لكن زيارة الوزير الهولندي لم تستطع تلافي الأزمة الصامتة التي شهدتها العلاقات بين البلدين منذ اندلاع الاحتجاجات في منطقة الريف شمال المغرب، وخصوصا ملف سعيد شعو، اللاجئ في هولندا، والذي يشكل موضوع مذكرة توقيف دولية للاتجار بالمخدرات، وقد طالب المغرب بترحيله، غير أن سلطات هولندا لم تقم بذلك، وظلت الأمور شبه جامدة إلى حين تقديم وزير الخارجية الهولندي تقريرا في برلمان بلده، يتحدث عن تجاوزات وانتهاكات لحقوق الإنسان، الشيء الذي أغضب الديبلوماسية المغربية.
وعقب استدعاء ناصر بوريطة للسفيرة الهولندية بالمغرب وتعبيره عن رفضه لتصريحات وزير خارجية بلدها، خرجت وسائل إعلام هولندية تتحدث عن أن السفيرة التي استدعاها وزير الخارجية بالرباط، حظيت بـ”مباحثات جيدة” مع بوريطة، شرحت من خلالها الموقف الهولندي من القضية.
هولندا هي الدولة الوحيدة التي أنجزت تقريرا عن ملف الحراك والاحتجاجات التي شهدتها مدن شمال المغرب!
حسب متتبعين للشأن الأوربي، فهولندا تولي اهتماما متواصلا لما يعيشه الريف الشمالي للمغرب منذ سنوات، نظرا لخوض الجالية المغربية من أصول ريفية وقفات احتجاجية مستمرة، تطالب بإطلاق سراح المعتقلين، خصوصا أمام محكمة لاهاي الدولية بهولندا.
كما أن تقرير الديبلوماسية الهولندية، الذي قدمه وزير الخارجية ستيف بلوك أمام البرلمان، تحدث عن أن السفارة الهولندية في الرباط واكبت محاكمة نشطاء حراك الريف بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، وكانت على اتصال بهيئة دفاع مجموعة ناصر الزفزافي، لكن ذات التقرير أشار إلى أن سفارات دول الاتحاد الأوروبي بالرباط واكبت المحاكمات “بطريقة خجولة”.
الجالية المغربية من أصول ريفية منقسمة بين “الجمهوريين” وداعمي مطالب “حراك الريف” فمن هم الأكثر تأثيرا على الدولة الهولندية؟
منذ البداية كانت مواقف الجالية الريفية في هولندا وبلجيكا وألمانيا وإسبانيا وفرنسا موثرة إبان الاحتجاجات في الريف، خصوصا أنها كانت منقسمة بين داعمي مطالب الحراك الاجتماعية والثقافية، والذين كانوا يُنعتون بـ”الخبزيين” من قبل الجمهوريين، أو كما أسمتهم النيابة العامة بـ”انفصاليي الخارج”، والذين قررت مطاردتهم على خلفية ملف حراك، وذلك من خلال إصدارها مذكرة اعتقال دولية في حق عدد من المقيمين في كل من هولندا وبلجيكا وإسبانيا، على أساس تقديمهم كمتهمين في الملف، ومن بين هذه الأسماء عماد العتابي، عبد الصادق بوجيبار، بلال عزوز، فريد ولاد لحسن، رضوان اسويق، خالد شرموقي، وكريم المساوي.
وكذلك النشطاء المحسوبين على الصف اليساري، وكذلك نشطاء الحركة الأمازيغية، غير أن وحسب عدد من المتتبعين، يظل تأثير هذين الأخيرين في القرارات التي تتخذ على مستوى لجان الدعم في كل من تنسيقية روتردام وتنسيقية دوسلدورف وكذلك خيرونا جد ضعيف.
على مستوى هولندا هنالك تنسيقيتان كبيرتان تنشطان في ملف الحراك وهي تنسيقية روتردام وتنسيقية أمستردام، غير أن الخلافات بين الإثنتين بدأت تتضح حول سقف مطالب الحراك، وخصوصا بعد صدور الأحكام، وانطلاق موجة من التخوين بين صفوف النشطاء بعد إصدار العفو الملكي على 184 معتقلا على خلفية الحراك، من بينهم 11 من من اعتبروا قياديين في الحراك.
كما ظهرت خلافات عديدة بين تنسيقية “دوسلدورف” بألمانيا، وبعض التسيقيات من بينها “خيرونا” بإسبانيا وذلك بسبب تخوين نشطاء لبعضهم على خلفية تصريحات أو تدوينات في مواقع التواصل الاجتماعي.
الخلافات بين نشطاء التسيقيات الداعمة للحراك في أوروبا لم تتوقف من بداية الحراك، فكيف استطاعوا الضغط على هولندا والدفع بها لإنجاز تقرير حقوقي حول الحراك خلق أزمة بين البلدين؟، وهل التنسيقيات وحدها من لعب دور “لوبي” للضغط، عبر الوقفات التي تقوم بها والمسيرات والأشكال الاحتجاجية الأخرى؟
الخارجية الهولندية أكدت في لقائها بنظيرتها المغربية شهر أبريل الماضي أنها متخوفة، وطلبت من السلطات المغربية على لسان وزير خارجيتها “الحق في حرية التعبير وحرية الصحافة ومحاكمة قانونية منصفة للناشطين الذين تم اعتقالهم”، مشيرا إلى ضرورة “سلامة المواطنين الهولنديين المسافرين إلى المغرب هذا الصيف”، من دون أن يحدد من المقصود بهذا التصريح، هل هم مواطنون هولنديون سياح أم المواطنون الهولنديون من أصول مغربية الذين تعودوا العودة إلى بلادهم الأصلية لقضاء عطلتهم في المغرب، وأغلبهم من منطقة الريف، خصوصا بعد صدور مذكرات بحث في حق عدد من الهولنديين ذوي الأصول المغربية على خلفية الاحتجاجات في الريف.
عمدة مدينة الرباط تتفاعل مع فضيحة “تلقي الرشوة” في امتحانات الكفاءة المهنية
وجهت فتيحة المودني، رئيسة المجلس الجماعي للعاصمة، مراسلة إلى فاروق مهداوي، المستشار الجماع…