كلما أثيرت قضية لها ارتباط مباشر بالدين الإسلامي ورموزه ومقدساته لا يكاد يُسمع ركزا لحزب العدالة والتنمية الذي يتحصن بالصمت ويُمسك عن إصدار أي موقف. ولعل هذا ما يضع تحت المجهر صدقية تبني “البيجيدي” للمرجعية الإسلامية التي كرّسها عبر أوراقه المذهبية وجعل منها إحدى الثوابت والتوجهات المسطَّرة في قوانينه وكذا خطابه وحضور قيادييه وأعضائه في المشهد السياسي، جاعلا، في المحصلة، كل هذه الاعتبارات محط تشكيك.
زيغ “الإسلاميين” عن مرجعيتهم مقابل بقائهم في مربع السلطة والحفاظ على مصالحهم، سبق لعبد الإله بنكيران، أن نبّه إليه في خضم الجدل الذي رافق مناقشة مشروع القانون الإطار المتعلق بالتربية والتعليم، كما شكل أيضا في الآونة الأخيرة، على الخصوص، عنوانا خدش صورة الحزب “المتدينة” بفعل تصرفات بعض قيادييه من الجنسين.
ومع تفجر موضوع الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول محمد “ص”، وتصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التي توعد عبرها باستمرار بلاده في نشر هذه الرسوم، ما استفز مشاعر ملايين من المسلمين ودفعهم إلى إشهار سلاح مقاطعة المنتوجات الفرنسية كرد فعل غاضب؛ لاذ “البيجيدي” بالصمت ولم يصدر عن أمانته العامة أي موقف يذكر، بل انتظر إلى حين خروج وزارة الشؤون الخارجية والتعاون والمغاربة المقيمين بالخارج بموقف رسمي مساء أول أمس الأحد، ليتبناه مشيدا به.
بالمقابل، استبق حزب الاستقلال بلورة الدولة لموقفها من القضية، بالرد على الحملة المسيئة للرسول في بلاغ شديد اللهجة أصدرته لجنته التنفيذية ظهر الأحد.
المحلل السياسي، عبد الرحيم العلام، يفسر صيام “البيجيدي” عن الرد على تصريحات ماكرون، لعلمه أن الانتخابات التشريعية على الأبواب، وبالتالي فإن أي موقف عنيف ضد فرنسا سيكون له مفعول عكسي على نتائج الحزب في الاستحقاقات المرتقبة، على اعتبار، يوضح العلام في تصريح لموقع “الأول”، أن ضغط باريس حاضر بقوة في المغرب، ولديها من الوسائل ما يكفي للتأثير على تجربة الحزب الإسلامي.
وأفاد أستاذ القانون الدستوري والفكر السياسي بجامعة القاضي عياض بمراكش، في حديثه لـ”الأول”، بأن الحزب القائد للحكومة “كان من جهة براغماتيا في تعامله مع هذا الموضوع، لأنه لا يود لعلاقته مع فرنسا أن تكون سيئة، فانتظر القشة التي تُنقذه”، في حين بنى موقفه من جهة أخرى على كونه “يعي، بالنظر إلى قيادته الحكومة، أن ما قد سيصدر عنه ليس موقف حزب عادي أو جمعية عادية، وبالتالي فإذا تحدث قد يُعتبر الأمر، كما لو أنه يصرف الموقف الرسمي للدولة”.
ولفت العلام ضمن تصريحه إلى أن “العدالة والتنمية في علاقته مع القصر، غالبا ما لا يرغب في استباق الخطوات، بل يتريث مترقبا ما ستقوم به المؤسسة الملكية والمؤسسات الاستشارية” مشددا على أن إخوان العثماني “يعلمون أن إمارة المؤمنين هي الوصية على الشأن الديني وأن الملك هو الحريص على الذوذ عن الدّين، عندما تكون الرموز في خطر”.
ويضيف المتحدث: “لن يُسمح لـ”البيجيدي” بالحلول محل الملك، والحزب واعِِ بهذا الأمر، لذلك أظن أنه فهم الرسالة بعد سنوات من الممارسة والتعامل مع القصر. فلو كان الجدل المثار ذو طبيعة سياسية، مثل التطبيع، لخرج بموقف صريح”، مشيرا إلى أن سعد الدين العثماني كان واضحا لمّا أجاب ردا على دعوات إلغاء عيد الأضحى، بأن هذا شأن من اختصاص ملك البلاد.
في هذا السياق، يرى العلام أن العثماني “تلميذ نجيب، تعلَّم من أخطاء سلفه” مستطردا: “فمن بين الأمور التي تسببت في سوء التفاهم بين بنكيران والقصر هو هذا الموضوع، والعثماني ما كان ليكون اليوم رئيسا للحكومة لولا أنه تلميذ يفهم الكلام”.
وفي تعليقه على خطوة “الميزان”، قال المحلل السياسي عينه، إن موقع هذا الأخير المريح في المعارضة، يجعله متحررا، وزاد: “حزب الاستقلال لو كان يقود الحكومة، لما كانت لديه الجرأة ليقوم بذلك”.
هذا، ويرى عبد الرحيم العلام، تفاعلا مع الانتقادات التي توجه لـ”البيجيدي” بكونه خلع جلباب “التدين”، أن المواقف التي ينافح عنها الحزب لديها بُعدُُ ديني، محيلا على موقفه من حقوق المثليين، تجريم الإفطار العلني خلال رمضان والعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج.
ويشرح أستاذ الفكر السياسي أن تمسك الحزب بمرجعيته تسبب في تأجيل البث في مشروع القانون الجنائي، مقابل دفاع حزب الاتحاد الاشتراكي عن الحداثة، ليخلص إلى أن العدالة والتنمية لم يخرج من جبته الدينية. “فما تبقى من مرجعية دينية في برنامجه”، يورد العلام، “هو هاته الأمور ذات الطبيعة التي تخلق رأيا عاما، أما في الأمور الأساسية مثل المساواة مع المواطنين وغيرها، فهو لا يستحضر الدين، كأن الدين مجرد عقوبات للمواطنين وسلب لحرياتهم وليس المساواة فيما بينهم والتخفيف من معاناتهم”.
بعد إقالة العامل.. فيدرالية اليسار: تمارة تحولت إلى بؤرة للفساد والنهب والاغتناء غير المشروع لبعض رجال السلطة والنافذين
قالت فيدرالية اليسار الديمقراطي، إن تمارة تعرف وضعا اجتماعيا وصفته بـ “المقلق”…