رفعت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، مذكرتها إلى اللجنة الخاصة بإعداد تصور للنموذج التنموي الجديد، تضمنت تشخيصا مفصلا لواقع المؤسسات السجنية بالمملكة والإكراهات المطروحة أمام تحقيق إصلاح نظام السجون على المستوى الجنائي والمالي والتنظيمي والاجتماعي، علاوة على تصورها لسجون الغد وسبل إدراجها في النموذج التنموي الجديد.
أبرز التحديات التي أثارها المندوب العام لإدارة السجونن محمد صالح التامك، ضمن مذكرته إلى صلاح بنموسى، الاكتظاظ، وهي الظاهرة الناتجة أساسا، بحسب التامك، عن الزيادة المستمرة في عدد نزلاء السجون، إذ ارتفع هذا الأخير من 74.039 إلى 86.384 سجينا بين سنتي 2015 و 2019، أي بمعدل زيادة 16.67٪/ مبرزا أن المغرب سجل سنة 2019 معدل اعتقال بنسبة 0.23٪ ، وهي نسبة لا تزال من بين أعلى المعدلات في العالم.
وتقول مذكرة التامك إن الاكتظاظ في السجون يعيق تنفيذ البرامج المتعلقة بأنسنة ظروف الاعتقال والتنفيذ الأمثل لبرامج إعادة تأهيل السجناء، موردة أن هذه المعضلة مرتبطة أساسا بـاللجوء المفرط للاعتقال الاحتياطي، الذي هو استثناء يكاد أن يكون قاعدة عامة، موضحة أن جنحا بسيطة يمكن أن تكون أيضا وراء الاحتفاظ بالمتهم في إطار الاعتقال الاحتياطي، وهو ما يتأكد من خلال العدد الكبير للأحكام القاضية بالبراءة والعقوبات بالغرامات أو مع وقف التنفيذ، إضافة إلى كثرة الأحكام بالمدد القصيرة، وهو توجه، تعلق عليه المندوبية بكونه ينعكس سلبا على عملية إعادة تأهيل السجناء لإعادة إدماجهم الاجتماعي.

وعرجت المذكرة عينها على غياب عقوبات بديلة للسجن، مشيرة إلى أن مشروع القانون 73.15 المعدل والمكمل للقانون الجنائي أحكاماً جديدة تروم إصدار عقوبات بديلة للعقوبات السالبة للحرية بالنسبة للجرائم التي يعاقب عليها بالسجن لمدة تقل عن سنتين، غير أن هذا المشروع لم يدخل بعدُ حيز التنفيذ. كما يزيد من حدة هذه التداعيات، وفق المصدر ذاته، استقرار الاعتمادات المالية السنوية المرصودة لقطاع السجون.

ويشتكي التامك من  الصفة شبه الحكومية التي تميز المندوبية العامة بعد استقلالها عن وزارة العدل، مبرزا أن هذا الإطار المؤسساتي الجديد لا يمنحها قدرا كافيا من الصلاحيات لجعل القطاعات المعنية بالشأن السجني تلتزم ببرامجها الإصلاحية تجاه الساكنة السجنية، والتي تظل مسؤولية مشتركة بين الجميع.

ويتجلى ذلك بوضوح، يشرح التامك ضمن مذكرته، في ضعف تفاعل القطاعات التي تتشكل منها اللجنة المشتركة بين الوزارات، مؤكدا أن استقلالية المندوبية العامة يبقى أمرا نسبيا، لكونها تتحمل مسؤولية تنفيذ مقررات الاعتقال التي تصدرها السلطات القضائية بصرف النظر عن واقع المؤسسات السجنية.

وبخصوص الموارد البشرية، ذكرت المندوبية العامة للسجون في مذكرتها أنها تتوفر على موظفين بمهام ثقيلة، محيلة إلى أن تأطير الساكنة السجنية التي تعرف ازديادا مضطردا، لم يتجاوز على المستوى الوطني سنة 2019 نسبة حارس واحد لكل 14 سجينا، مع العلم أن هذا المتوسط يخفي مفارقات حسب المؤسسات السجنية وكذا أوقات العمل.

في نفس السياق، ترى المندوبية أن موظفو السجون في حاجة إلى التحفيز، بالنظر إلى عدم التلاؤم بين التعويضات الممنوحة لهم وطبيعة المهام الموكلة إليهم وكذا حجم المخاطر التي يتعرضون لها.

وشددت المندوبية على أن السجل العدلي يعتبر قطيعة بين خطاب إعادة الإدماج والواقع القانوني، لافتة إلى أنه يؤدي في بعض الحالات إلى عرقلة مسار هذه العملية، وذلك بسبب مساهمته في التقليص من فرص تشغيل السجناء المفرج عنهم.
تصور المندوبية العامة لسجون الغد، ينصب بالدرجة الأولى على مكافحة الجريمة لوقف الارتفاع المستمر في عدد السجناء، وذلك من خلال بلورة سياسة تعليمية أكثر نجاعة تروم تكوين جيل متعلم واع بحقوقه وواجباته، يتصف بالمواطنة واحترام القانون.
كما يهم ضرورة توفير موارد مالية إضافية على مستوى التمويل لقطاع السجون، عبر إيجاد موارد مالية إضافية من أجل تعزيز ميزانية التسيير والاستثمار الخاصة بقطاع السجون، يكون مدخلها وضع شراكة بين القطاعين العام والخاص لتخفيف العبء عن خزينة الدولة والحصول على خدمات عالية الجودة، مع ضمان التمويل اللازم وتنفيذ المشاريع المبرمجة من طرف شركاء القطاع الخاص.
في هذا الصدد، تقترح مندوبية السجون جعل السجن مؤسسة منتجة بفضل تشغيل السجناء، معتبرة أن خلق نموذج مغربي ستكون له أهمية بالغة في تمكين القطاع السجني من التمويل الذاتي، وفي الإعداد الأمثل للسجناء لإعادة الإدماج الاجتماعي والمهني من خلال التشغيل في احترام تام لكرامتهم وحقوقهم الاجتماعية كما تنص على ذلك المقتضيات الجاري بها العمل.

وعلى صعيد آخر طالبت يإقرار العلوم السجنية وإدراجها في المسارات الجامعية كمسلك قائم بذاته، علاوة على إنشاء مركز للبحوث في هذا المجال، قصد استثمار خلاصات البحوث الأكاديمية بما يعود بالنفع على صناع القرار والممارسين والإداريين، كما ستساهم في تنوير وسائل الإعلام والجمهور العريض على حد سواء.

التعليقات على في مذكرة إلى بنموسى.. التامك يشكو ارتفاع معدل الاعتقال والاكتظاظ بسجون المملكة ويقترح تشغيل السجناء لتحقيق التمويل الذاتي مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

بعد إقالة العامل.. فيدرالية اليسار: تمارة تحولت إلى بؤرة للفساد والنهب والاغتناء غير المشروع لبعض رجال السلطة والنافذين

قالت فيدرالية اليسار الديمقراطي، إن تمارة تعرف وضعا اجتماعيا وصفته بـ “المقلق”…