بعدما اكتشفنا ضمن الجزء الأول من حوارنا مع الخبير في القانون الاقتصادي والاجتماعي، جواد بنعيسي، أن كل مولودة أنثى بمنطقة الغرب، سيدي بوسلهام والعرائش، هي مشروع عاملة فراولة؛ يعود بنعيسي في هذا الحيز ليقربنا أكثر من ظروف اشتغال العاملات بضيعات جني الفواكه الحمراء بالمناطق المذكورة، مؤكدا أن غياب مبادرة تشريعية تضمن لهذه الفئة العريضة من المجتمع المغربي كرامتها، مرده افتقاد الأحزاب السياسية لكفاءات وأطر تساعدها في التقدم بمقترحات قوانين تكون مقبولة شكلا ومضمونا. 

 

* نتائج التحقيق الذي فتحته السلطات المختصة لتحديد أسباب تفجر  بؤرة “لالة ميمونة”، مازالت لم تر النور بعد. لكن الدراسة التي أنجزتها قد تسعفنا في الإحاطة ببعض تفاصيل الوضع بالمنطقة، ما هي ظروف اشتغال عاملات الفراولة؟

  • ظروف عملهن مزرية جدا، حيث يشتغلن في وسط تغيب عنه وسائل الحماية، مع العلم أنهن في احتكاك يومي مع المبيدات الكيماوية والمواد السامة التي تستعمل عادة في النشاط الفلاحي، إلى جانب طول ساعات العمل وظروف تنقلهن غير الإنسانية، إذ يتم تكديسهن في شاحنات لنقل البضائع بشكل غير قانوني، وفي كثير من الأحيان يتعرضن لحوادث سير خطيرة، دون الحديث عن غياب مرافق صحية تحفظ كرامتهن وقت قضائهن حاجاتهن البيولوجية، بل حتى هذا الحق الطبيعي لا يُمنح للعاملة إلا إذا أنهت مهمتها، في صورة بشعة من صور التعذيب. أما الحديث عن احترام ساعات العمل فهو ترف، ناهيك عن التحرش والابتزاز الجنسي الممارس عليهن، وهو الواقع المأساوي الذي يمكن أن يرقى إلى مستوى جريمة الاتجار في البشر.

هنا لا يفوتني الإشارة إلى “الوقَّافْ”، الذي يعتبر فاعلا أساسيا في هذه المنظومة، لكونه هو من يختار العاملات ومن يتكلف بأداء أجورهن، ولديه سلطة مطلقة في هذا الباب. وقد يحدث أن يتحرش بإحداهن، وحينما تقاومه وتصده، يقوم بتسريحها مباشرة ولا يختارها في اليوم الموالي.

وكما سبق وذكرت فإنه لا وجود لعقود عمل تربطهن بمشغليهن، زد على ذلك أن أغلبهن لا يتوفرن على الحد الأدنى من الأجور، كما لا يتم التصريح بهن لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. ويعود سبب هذا الواقع المؤسف، وفق الشهادات التي استقيتها، إلى مشكل الهشاشة القانونية؛ فالكثير من العاملات لا تتوفرن على وثائق هوية لأن آباؤهن وأمهاتهن تزوجوا بـ”الفاتحة”. وبالتالي لا توجد في هذه الحالة عناصر الهوية القانونية كشرط أساسي من أجل الولوج للحقوق الاجتماعية والاقتصادية.

أشير إلى أنه عندما أطلقت الدولة برنامجا لتوثيق الزواج في العديد من قرى ومداشر المملكة، استغلت الجمعيات هذه الخطوة في اتجاه حل إشكالية الهشاشة القانونية، لصالح فئة العاملات بضيعات الفواكه الحمراء، وذلك في إطار شراكة بين المجتمع المدني والسلطات المحلية والقضاء. وعليه فقد سويت الوضعية الاجتماعية للعديد من العاملات بمنطقة الغرب وسيدي بوسلهام والعرائش، بل الأكثر من ذلك بعدما صرن مواطنات بهوية، أصبحن يشتغلن في الحقول الإسبانية ويفضلنها أكثر.

* هل تلعب النقابات دورا في الدفاع عن حقوق هذه الفئة؟

  • لم يسبق لأي نقابة أن قامت بمبادرة لـتأطير هؤلاء النسوة أو التفاوض مع مشغليهن، مع العلم أن المنتجين في حاجة إلى مخاطبة الشركاء الاجتماعيين لتجويد العمل الموسمي.

مقابل ذلك، أسجل الدور الهام الذي يقوم به النسيج الجمعوي، لكنه طبعا لا يعوض عمل الفعاليات النقابية التي تُعنى بمشاكل العمال والدفاع عن الشغيلة.

* لا يوجد في المغرب قانون يؤطر نشاط العمال الموسميين.. ما هو السبب في نظرك؟

  • المعني بالإجابة على سؤالك هو وزير الشغل والإدماج المهني. لكن يمكنني القول إن المُشرِّع لم يهتم بالعمل الموسمي ولم يقدم تعريفا له، كما لم يحدد شروطه وخاصيات الاستفادة من طابعه. وحتى مدونة الشغل، تتحدث عنه بشكل عرَضي فقط في شقها المتعلق بإمكانية اللجوء إلى العقد محدد المدة.

هناك فراغ قانوني كبير في تأطير العمل الموسمي في المغرب، لذا أرى أن ملأه يستوجب أن يُشكل ورشا عاجلا للحكومة، لأنه يدخل في صميم حقوق الإنسان. فالحاجة إلى وجود تأطير قانوني كبيرة جدا، بالنظر إلى كون أعداد العمال الموسميين سواء في القطاع الفلاحي أو السياحي، تشكل فئة عريضة من المجتمع وعددها يقدر بالملايين.

* تحدثنا عن مسؤولية وزارة الشغل في غياب تشريع يؤطر العمال الموسميين، لكن من صلاحيات الفرق برلمانية التقدم بمقترحات قوانين. لماذا في نظرك لم تقم الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، إلى حدود اليوم، بمبادرة تشريعية لصالح هذه الفئة التي تعاني في صمت؟

  • ما يفسر غياب المبادرة التشريعية لدى الفرق البرلمانية أنها لا تتوفر على الكفاءات والأطر والخبراء اللازمين ليتسنى لها تقديم مقترحات قوانين ذات طابع اجتماعي واقتصادي، بخلاف الحكومة التي لديها إمكانيات وكفاءات كبيرة جدا، لذلك نلاحظ دائما احتكار هذه الأخيرة للمبادرة التشريعية مقارنة مع البرلمان. وعموما فحتى حينما يتقدم فريق معين بمقترح قانون لحل إشكالية ما، لا يكون مستجيبا للشروط العلمية المفروض توافرها فيه، كما لا تُراعى فيه الجوانب الدستورية، رغم أن المؤسسة التشريعية لديها ميزانية مخصصة للدراسات والخبرة توزعها على كل فريق نيابي بشكل نسبي، لكن بدل أن تُصرف لهذه الغاية تذهب في مهب الريح، وتصبح ريعا.
التعليقات على جواد بنعيسي: التحرش والابتزاز الجنسي الممارس على عاملات “الفريز” يمكن أن يرقى إلى الاتجار في البشر (الجزء الثاني من الحوار) مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

بعد إقالة العامل.. فيدرالية اليسار: تمارة تحولت إلى بؤرة للفساد والنهب والاغتناء غير المشروع لبعض رجال السلطة والنافذين

قالت فيدرالية اليسار الديمقراطي، إن تمارة تعرف وضعا اجتماعيا وصفته بـ “المقلق”…