دقّ دفاع معتقلي حراك الريف بالدار البيضاء، فيما يشبه المرافعة الأخيرة، “ناقوس الخطر” محذرا من “نتائج الانحراف المسطري والمسّ بالمشروعية وسيادة القانون والاحتماء وراء المقاربة الأمنية في معالجة الملف”.

وحمّل محامو الزفزافي ورفاقه المسؤولين بالسلطة القضائية قضاءا جالسا وواقفا “عواقب الجري نحو الإدانة دون إثبات ولو بأرخص حجة وأبخسها وانتهاك أسس المحاكمة العادلة انطلاقا من الأبحاث التمهيدية ومن التحجير على وسائل الإثبات للمعتقلين إلى إعلان الأحكام النهائية مرورا بكل ما عرفته من من ضعف التدبير والخلل في التوازن بين المتهمين والنيابة العامة، ولحجم خطورة العقوبات التي أتت بها الأحكام وتداعياتها عليهم”.

كما حملت هيئة دفاع معتقلي الحراك، في بلاغ توصل “الأول” بنسخة منه، يسرد أطوار المحاكمة التي استمرت لمدة سنتين، السلطات “مسؤولية ما ترتب وما يمكن أن يترتب مستقبلا بعد محاكمة الحراك وإدانة المعتقلين من الأضرار بالوطن وبسمعته وبمصداقية قضائه وبالريف وبأهله وبكل معتقلي الحراك في السجون المتفرقة”، مطالبة السلطات “برفع الضغط على المحكومين وعلى كل مبادرة تروم البحث عن حلول صادقة للإفراج عنهم، ونقول لها بأن العدالة ثمينة ومكلفة وتحتاج لمن يعرف قدرها ووقعها ليوزعها بالعدل و الإنصاف و الحياد”.

وطالب أعضاء هيئة دفاع الزفزافي ورفاقه، الذين وقعوا على البيان وهم كل من النقيب عبد الرحيم الجامعي، ومحمد أغناج، أسماء الوديع، أبو القاسم الوزاني، عبد الكريم الموساوي، عبد العزيز النويضي، أحمد أيت بناصر، سعيدة الرويسي، عبد الإله الفشتالي أمين، أنيسة كريش، بشرى الرويصي، صباح العلمي، خديجة الروكاني، فاطمة المرضي، زهيرة مرابط، سعاد براهمة، نعيمة الكلاف، عبد المنعم الحريري، (طالب) بالتحقيق في ما اسموه بـ”الانحرافات المسطرية والقانونية التي عرفتها مراحل البحث والتحقيق والمحاكمتين، وبمحاسبة من حرف مساراتها وتسبب وأجهز على حقوق المتهمين خلالها، ونطالب بكل الإلحاح باتخاذ الخطوة المستعجلة والأساسية لفك الأزمة من جدزورها وهي إطلاق سراحهم وسراح الصحفي حميد المهداوي وسراح كل المعتقلين السياسيين”.

وحسب بلاغ هيئة الدفاع، فقد انتهت “المحاكمة الكبرى” لنشطاء حراك الريف التي عقدت “استثنائيا أمام محكمة الإستئناف بالدار البيضاء بقرار من محكمة النقض والتي استوحت الكثير من فصولها بكل الأسف من قواعد محاكمات عهد الرصاص نسبة للظروف التي شهدتها خلال العشرات من الجلسات، وخلفت في نهايتها عقوبات عشوائية انفعالية وجد قاسية بعشرات السنين ضد معتقلين في أجواء مسطرية فاسدة لم تتردد المحكمة خلال جلساتها من طردهم من القاعة كلما تشبثوا بحقهم في الدفاع أو رفضوا حرمانهم من أن يستفيدوا في الواقع من حقهم في الرد على النيابة العامة وقاضي التحقيق على ما دبجوه ضدهم من اتهامات تصل عقوبة بعضها إلى الإعدام، كما طبعت جلساتها انتكاسات تاريخية لحقوق الدفاع ابتدائيا واستئنافيا، وما سبق ذلك خلال الاعتقالات الجماعية والتحقيقات الشكلية التي مورس فيها التعذيب والمساس بالسلامة البدنية للعديد منهم، كل ذلك خلف اندلاع لهيب من الاحتجاجات ومن التنديدات بأصوات الأسر والعائلات والمظاهرات السليمة، وببيانات المنظمات المدنية والحقوقية الوطنية والدولية والتعليق بأقلام حملة الفكر والضمير والإحساس الإنساني والتاريخي ومن الصحافة والإعلام”.
وأضاف البلاغ “لقد شهد المغرب بحق، في محاكمة حراك نشطاء الريف بمرحلتيها بالدار البيضاء مأساة انهيار أسس المحاكمة العادلة بشكل لا مثيل له في العهد الجديد ـ ولا نحتاج للتذكير بها كلها لأنه سبق بيانها في مناسبة قبل اليوم – وشهدت سياقاتها وسوء تدبير جلساتها في مرحلتيها معا، و بشكل ملفت، على ضعف النجاعة القضائية الجنائية خلط الإجراءات بسبب غضب وانفعال رئيس الهيئة أدت به إلى جر المحاكمة لمتاهات برفض إخراج المعتقلين من قفص وضعوا به داخل المحكمة وحرم عليهم حق الولوج المباشر والحقيقي وبحرية للقضاء، و سمح بوضع كاميرات لتصويرهم لفائدة جهة لا يعلمون من هي ولا لأية أغراض ستستعمل أشرطة الصور، و من خلال منعهم المتكرر من تقديم الأجوبة التي يعتبرونها مفيدة له دفاعا عن انفسهمم، أو من خلال إجبارهم أمام التمادي في إهانتهم الالتزام الصمت، وهو الوضع الذي استغلته بشكل غير مسبوق النيابة العامة و المحكمة فاعتمدت محاضر البحث البوليسي وتقرير قاضي التحقيق ليخلو لها المجال ولتجد نفسها مع خصم المعتقلين ومع الطوق الأمني داخل القاعة، ولتنتهي بإصدار أحكام بنفسن سياسي بحضور الدولة وإدارة الأمن والوكالة القضائية ودون حضور المتهمين بعد غيابهم عن الجلسة قسرا واحتجاجا وضدا على إرادتهم، ومن هنا فتحت أكبر محاكمة اسنثنائية في العقد الثاني من القرن أبواب المغرب على كل الاحتمالات”.
واسترسل دفاع معتقلي الحراك “رغم صبر ومعاناة المعتقلين ورغم مناشداتهم ونداءاتهم لمن يعنيهم الأمر من أجل رفع الاعتقال عنهم واحترام كرامتهم والاعتذار لهم بعد اتهامهم بالعمالة و بالخيانة والانفصال، والحاحهم الانكباب على معالجة الأسباب العميقة والحقيقية وراء حراك الريف على المستويات السياسية والسوسيو- اقتصادية والعمل على فتح آفاق تجاوز الأزمات التي تسببت في الحراك أصلا أو التي لحقت به، والتي لمس الواعون من القوم مضاعفاتها من بعيد، لم تستوعب السلطة عمق النداء ولم تفتح باب المصالحة، ولما بلغ سيل الخروقات المسطرية أبعد حجمها بالمحاكمتين الابتدائية والاستئنافية، ولما ضربتا صفحا عن التحقيق في تصريحات التعذيب والمعاملة القاسية والمهينة التي تأكدت بتقارير طبية من خبراء المجلس الوطنى لحقوق الإنسان، ولما تعددت قرارات طرد فردية أو جماعية ولما كشف رئيس جلسة المحكمة الجنائية الاستئنافية عن رأي سياسي قبل التداول للمعتقلين من قاعة الجلسة، وتسرع وأعلن بأن المحاكمة لست سياسية قبل الأوان منتهكا سر المداولة مما اضطر معه المعتقلون ودفاعهم الالتجاء لمسطرة التشكك المشروع من أجل إحالة الملف والمحاكمة على محكمة أخرى عسى ان تحترم في حقهم قرينة البراءة وتصون لهم عمليا وواقعيا حقوق الدفاع كما يضمنها الدستور، فرفض طلبهم بالطبع من قبل محكمة النقض، رغم كل ذلك استمر التحدي المسطري عوض الحكمة القضائية واستهانت الدولة بمؤسساتها الحكومية بمصير المحاكمة وما له علاقة بالعدل والقضاء والسجون واستخدم الإعلام الرسمي والصحافة الصفراء للنيل من المعتقلين والتحرش بهم، واسترخصت حياتهم وصحتهم ومعاناتهم التي أعقبت الإضرابات الإنذارية و المتوالية والطويلة عن الطعام بسجن عكاشة، ونتج عن ذلك كله مع الأسف ما هو أخطر وهو المساس بالمشروعية وبمبادئ الدستور وبسيادة القانون والقانون الدولي لحقوق الإنسان وكأن المغرب وقضاء المغرب يعيشان القرون الوسطى، وفي الأخير انتهت الفرجة وضربت العقوبات الصادرة في حق المعتقلين كل توقعات الملاحظين داخل الوطن وخارجه، ورجال القانون، والحقوقيين، والأمهات والأبناء والاسر عندما أدينوا بسنوات وبعقود من السجن”.

ليضيف “لقد صدر العفو الملكي عن عدد من المعتقلين وهو عفو له موقعه ودلالاته البعيدة، لكننا اليوم ورغم ذلك نحن بصدد وقوع ما كنا نتخوف منه وننادي بالانتباه إليه، فها نحن بصدد نزيف من التداعيات لمحاكمة جماعية سياسية عنيدة، ولمسار طويل من الصبر ومن الألم والتحمل قدم المعتقلون السياسيون خلاله كل التضحيات بحرياتهم وبصحتهم ليظهروا بشاعة ما عاشوه، فكان الرد هو العقاب الجماعي القاسي الغير مفهوم لكن له خلفياته، ومن هنا فنحن أمام سقوط القناع عن شعارات دولة الحق والقانون وصعود ظلال المستقبل المجهول، فعندما تفقد السياسة والعدالة الأخلاق والصواب ينهار معنى الوعي وتموت قدرة الإنسان عن الفهم”.

“وها نحن ايضا اليوم في أدق لحظة يأس وأقوى تعبير عن المرارة استدرجوا إليها و فرضتها عليهم عقليات لا تؤمن إلا بقانون القوة وسيف العنف وعدالة القهر، عقليات يظهر أنها بكل اسف لا ترغب في استقرار البلد ولا تشفق عليه ولا على مستقبله ومستقبل مواطنيه، تتنفس وعيا بئيسا له حساسية مع احترام المواطن وتطلعاته”.

مضيفا “وها هي حالة حقوق الإنسان تهتز أعمدتها بعف ما جرى في محاكمة الدار البيضاء بانتهاك القانون والمساطر وضعف الرقابة وإهمال المحاسبة، بعد أن استعملت ضدهم الحكومة خطاب التخوين واختارت بعض مؤسساتها الابتعاد عن الحياد وتثمين المقاربة الأمنية، فكان صدور أحكام الادانة بمثابة غسل الخروقات الخطيرة التي عرفتها الأبحاث التمهيدية و إجراءات التحقيق في القضية”.

وربطت هيئة الدفاع تخلي ناصرالزفزافي ونبيل أحمجيق ومحمد حاكي وزكرياء أضهشور وسمير أغيد ووسيم البوستاتي، عن جنسيتهم المغربية بـ “الحصار  الذي سد عليهم بأغلاله العاتية منافذ الأمل”،  كريم أمغار يخوض إضرابا مفتوحا عن الطعام منذ ما يزيد عن عشرين يوما احتجاجا على “الظلم الذي لحق به وبرفاقه”، بالإضافة إلى أن ربيع الأبلق “من جديد يقرر الاستشهاد و خوض الإضراب الأخير عن الطعام معتذرا لوالدته، وها هي أم الماسي التي تسبب فيها ضعف الوعي من قبل السلطات السياسية والاضطراب من قبل القضاء تأتي إلينا وتدخل المغرب وتفرض مساحات من الصمت القاتل على المسؤولين وكأن الموضوع يهم أشباحا في كوكب آخر”.

 

التعليقات على “المرافعة الأخيرة”.. دفاع معتقلي “حراك الريف” يُحمل السلطة القضائية مسؤولية “الجري نحو إدانة الزفزافي ورفاقه ولو بأرخص حجة وأبخسها” مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

عمدة مدينة الرباط تتفاعل مع فضيحة “تلقي الرشوة” في امتحانات الكفاءة المهنية

وجهت فتيحة المودني، رئيسة المجلس الجماعي للعاصمة، مراسلة إلى فاروق مهداوي، المستشار الجماع…