العباس الوردي

كثيرا ما نسمع عن الدول التي حققت معدلات جد متقدمة من الرفاه لشعوبها، ولكن غالبا ما لا نطرح سؤال الكيف الذي أدى إلى الكم، ذلك أن صناعة الخريطة التنموية يرتبط دائما بمعادلة حسابية قوامها ثلاثة عناصر أساسية وهي الصحة، التعليم، والتشغيل.
تسعى مختلف دول العالم إلى إيلاء عناية قصوى لتحقيق تنمية متزنة، غير أن التعاطي معها يختلف بين منظومتي دول الشمال والجنوب، ما يجد حجيته وبكل بساطة في مجموعة من النقاط الأساسية:
أولا: ما يرتبط بالإرادة السياسية، ذلك أن أغلب الدول المتقدمة قد نهجت منذ سنوات خلت مقاربة تنظيمية كنهها مرتبط بمنظومة التنظيمات السياسية اللصيقة بانشغالات رعايا الدولة ومن ثمة تنزيلها في شكل برامج سياسية تعاقدية كفيلة بمنح المواطن فرصة الاختيار وبالتالي انخراطه المباشر في صناعة خريطة السياسات العمومية الكفيلة بتحسين وتجويد خدماته إلى المستوى المرغوب.
ثانيا: ويتعلق بحس المواطنة الحقة، ذلك أن الدول المسماة متقدمة، لتنمي عبر مؤسساتها التعليمية، التربوية، الأسرية والسياسية حس الشعور بالانتماء للوطن، ما مكنها من تربية نشئ ينخرط دائما في بناء، تنزيل وتقييم السياسات العمومية ولما لا ممارسة النقد الذاتي البناء الهادف إلى تصحيح مسارها إلى الأفضل وخاصة فيما يتعلق بأساس التنمية التعليمية، الصحية وتلك المرتبطة بالشغل.
تالثا: ما يخص الشق المؤسساتي، إذ أن قيمة التنمية وجودتها مرتبطة ارتباطا وثيقا بضرورة التوفر على هيكل مؤسساتي متوازن يكمل بعضه بعضا، وهو الهدف الذي نجحت فيه وبالخصوص جل الدول الاسكندنافية والتي تحتل مراتب جد متقدمة نستشفها من نتائج بارومتر مؤشر التنمية العالمية، أمر حققته هذه الأخيرة من خلال مأسسة الصحة، التعليم والتشغيل بطرق جد متقدمة وحديثة ما مكنها من بلوغ أهداف الألفية التنموية.
و بالرجوع إلى التجربة المغربية في مجال التنمية، نجد أننا لازلنا نتذيل المراتب الأخيرة حسب معظم المقاييس العالمية، ما يفتح الباب على مصراعيه لطرح مجموعة من الإشكاليات وتتمثل في ماهية الأسباب الكامنة وراء هذا التقهقر الصحي، التعليمي وكذا المرتبط بالشغل، أليست لدينا كفاءات ومؤسسات حزبية قادرة على تجاوز هذه المعضلات، ماهية البرامج المعمول بها، أتم إعدادها من أجل إعدادها لا غير أم أن المجالات الثلاث تعاني من سوء فهم للواقع والأفاق؟.
ونحن نسرد هذه المعيقات، لابد وأن نذكر بما أكدت عليه الخطب الملكية غيرما مرة من ضرورة النهوض بقضايا التنمية، بل تعدى الأمر ذلك إلى طرحها لخطة إستراتيجية للإصلاح، غير أن واقع الحال يسائل بالدرجة الأولى ما وقع الأحزاب السياسية والمواطن على التنمية المغربية، ذلك أن واقع الممارسة السياسية لازال يشهد استمرار نهج الاتكالية واللامبالاة مازال يؤدي إلى إنتاج سياسات تنموية مهزوزة و لحظية من قبل منظومتنا الحزبية ناهيك عن عدم اكتراث المواطن كذلك وخاصة فيما يرتبط بضرورة اضطلاعه بواجباته تجاه وطنه وذلك من خلال الوسائل الجد متقدمة التي يتضمنها له خاصة دستور سنة 2011.
إن التطرق لهذه المعيقات ليس من قبيل المغالاة وإنما للدعوة إلى ضرورة استنهاض الهمم والعمل كل من موقعه إلى مواكبة الإصلاحات الجريئة التي انخرطت فيها بلادنا، أمر لا يمكن مناله من دون الجرأة على نقد الذات الحزبية والمواطنة ومن ثمة فتح نقاش عمومي مغربي يهدف إلى إشراك الجميع في وضع تصور حقيقي مستعجل لتالوث التنمية الحقة.

التعليقات على ثالوث التنمية بين الواقع والرهانات مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

بعد الحكم بإعدام “ولد لفشوش”.. أخت الشاب بدر: الدرس لي ممكن يتخاد أن أرواح الناس ماشي لعبة