مراد بورجى

لا أحد من هؤلاء يكترث للخطابات الملكية المتتالية حول محاربة الفساد أو لما تعيشه البلاد والعباد من حراك واستنكار، هذا نموذج آخر مازال يتفنن في الخطف والتزوير والفساد للإثراء غير المشروع.

فقد كشف النائب البرلماني عبد الحق شفيق عن دائرة عين الشق أن نظارة الأحباس حررت لفيف في الأيام القليلة الماضية من أجل استرجاع عشرات الهكتارات المملوكة لها والتي تم الاستيلاء عليها عن طريق التزوير والتدليس من طرف مجموعة من الأشخاص المعروفين بالدار البيضاء بثرائهم الفاحش والمشبوه.

وقال النائب البرلماني المذكور، والذي كان وراء اكتشاف هذه الفضائح أن هذه الأراضي المنهوبة يقدر ثمنها بأكثر من 360 مليار سنتيم حيث فصلها كالتالي:

• بلاد أولاد حدو أرض الوالي الصالح سيدي أحمد بالحسن مساحتها 4 هكتارات.

• أرض مقبرة أولاد حدو مساحتها 10,5 هكتارات. من أصل 14 هكتار و79 آر.

• أرض حويطات لالة الشعيبية مساحتها 2,5 هكتارات تم استبدالها بعد نهبها بأرض بشارع مكة قرب مسجد الحمد لبناء ڤيلات فاخرة عليها.

• أرض لهجاجمة المسمات الهجام مساحتها 6 هكتارات ذهبت السلطة إلى حد الترخيص لإقامة مشروع سكني عليها.

• بلاد الهجّامية مساحتها 3,5 هكتارات بالنواصر.

وأن هذه الأراضي المذكورة كلها تم تحرير لفيف بشأنها من طرف ناظر الأوقاف الحالي من أجل استرجاعها اعتمادا على شهادة الشهود ووثائقها الأصلية التي تم تزويرها وبحث ميداني أمر به وزير الأوقاف وبإشعار السلطة المحلية في شخص عامل المنطقة.

وأكد عبد الحق شفيق أن البرلمان وافق على إيفاد لجنة استطلاعية للتقصي حول هذه الفضائح وفضائح أخرى يقول إنها طالت الأملاك المخزنية والأراضي المسترجعة وأراضي الأحباس وأراضي بيت المال التابعة لوزارة المالية وأراضي أخرى وعقارات ومشاريع بالبيضاء من بينها مشروع للاخديجة لإيواء سكان دوار صفيحي بعين الشق وعدد سكانه 5000 والذي سبق أن شكلت لها لجنة تتكون من العاملة السابقة لعين الشق السيدة إمنصار ووالي الدار البيضاء السابق السيد محمد القباج والعمدة السابق محمد ساجد بناء على قرار وزيري الداخلية والفلاحة.

نفهم مما فضحه هذا البرلماني أن هذه الأراضي المنهوبة لا تتعدى في مجملها 47 هكتارا وقيمتها تتعدى 360 مليار فما بالك وديناصورات النهب الذين نهبوا ولازالوا ملايير الدراهم وأكثرها مهربة من دون حسيب ولا رقيب.

هناك أراضي كثيرة جدا أخرى طالها التزوير والاستيلاء والسطو عليها في مختلف ربوع المملكة الشريفة من طرف مافيات متخصصة في التزوير والسطو على الأراضي. وقد ابتدأت معالم فضحها تظهر بفضل فطنة المواطنين الذي يتحدون اليوم الخوف ممن كانوا إلى الأمس القريب نافذين، وبسبب رقمنة المحافظة العقارية التي كشفت الكم الهائل من الهكتارات والعقارات التي يملكها أشخاص تحوم حولهم الشبهات إما بالتزوير أو بأموال تم اختلاسها أو باستغلال للسلطة أو النفوذ أو مناصب مكنتهم من الثراء الفاحش الذي تحدث عنه الملك محمد السادس في احدى خطاباته وتساءل مع المغاربة عن الثروة المنهوبة فقال: “أتساءل باستغراب مع المغاربة: أين هي هذه الثروة؟ وهل استفاد منها جميع المغاربة، أم أنها همت بعض الفئات فقط؟

أمام هذا كله يطرح السؤال حول قانون تجريم الإثراء غير المشروع الذي يتداول اليوم بالبرلمان: إلى أي حد سيكون هذا القانون فعّالا في التصدي لهذه الجريمة المنظمة، التي عاثت في البلاد فسادا مند فجر الاستقلال، وبالضبط منذ مغربة المؤسسات والأراضي واسترجاعها من المستعمر، مرورا بالسلطة التي تمكن من الحصول على معلومات من الداخل قبل أن تكون عمومية وتؤدي إلى مكاسب والمعروفة بالتداول من الداخل ” Délit d’initié” لأنها هي التي أفقرت العديد من المغاربة، إذ سلبت أراضيهم بأثمان بخسة لعدم معرفتهم أن أراضيهم سيكون لها شأن كبير، ثم اقتصاد الريع في شتى مجالاته انطلاقا من التنقيب إلى المقالع، وعدم تكافؤ الفرص في المناصب، وصولا إلى نهب المال العام، ناهيك عن رخص الاستثناء وما أدراك رخص الاستثناء التي أغنت العديد ممن كانوا إلى الأمس القريب في عداد الفقراء.

فبلمح البصر تتضح بالعين المجردة معالم الفساد الذي أشار له الملك محمد السادس في خطب عديدة، أن هناك حفنة تزداد غنى فاحشا في حين أن باقي المغاربة يزدادون فقرا مدقعا، وعدد الملك مظاهر الفساد في تسيير المدن من طرف بعض المجالس المنتخبة، وإفساد العملية الانتخابية، وعدم تقته في الأحزاب السياسية ثم عرج على محاربة الفساد والرشوة، وفساد الإدارة وفساد بعض المسؤولين السامين إلى غير ذلك، وسلم وزارة العدل للاشتراكيين والإسلاميين على حد سواء، إلى أن واجهه رئيس الحكومة بنكيران بفتواه الشهيرة: “عفا الله عما سلف” او بصريح العبارة “عفا الله عمن سرق”.

فأخذ الملك محمد السادس بزمام الأمر وألقى خطاب العرش الذي أكد فيه أنه سيقوم شخصيا بالتطبيق الصارم لمقتضيات الفقرة الثانية، من الفصل الأول من الدستور التي تنص على ربط المسؤولية بالمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب، لأن المسؤولين تخلفوا عن القيام بواجبهم، وتركوا قضايا الوطن والمواطنين عرضة للضياع.

واليوم وبعد ما شهدته عدة دول ومؤسساتها الدستورية من انهيار وتدمير لبنياتها التحتية جراء انتفاضات شعوبها بسبب ما كانت ومازالت تعانيه من فقر وهشاشة، وتحول الاحتجاجات إلى ثورات أشعلت حروبا أهلية لم تنته منذ ما سمي بالربيع العربي بداية سنة 2011 وحتى اليوم، قُتِل وسُجِن وهُجِّر فيها الشعب والحاكم على حد سواء، وخرجت أوروبا والغرب الرابح الأكبر من هذه الثورات التي ذرت عليها الملايير جراء بيع الأسلحة ونهب الثروات وحجز الأموال المودعة في بنوكها وسرقة النفط ونهاية بصفقات إعادة الإعمار.

وبعيدا عن كل تهويل فيما ما يخص المغرب الذي بادر فيه الملك منذ جلوسه على العرش إلى نهج أسلوب توقيع بروتوكولات خلال التدشينات التي يقوم بها في كل أنحاء المملكة والتي تلزم وزراء الحكومات المتعاقبة كتعهد منهم ومن وزاراتهم على توفير ما يلزم لبناء مختلف المشاريع الاقتصادية والاجتماعية والرياضية وغيرها على المديين القريب والبعيد، فيكون الملك بذلك قد أخلى مسؤوليته وحملها للحكومة وكان من نتائج ذلك الإعفاءات الأخيرة التي طالت الوزراء وكبار المسؤولين وطردهم شر طردة وما خفي أعظم.

في ما يخص محاربة الفساد تم وضع ترسانة قانونية ستحد نوعا ما منه.

نبتدء بمحاربة الإثراء غير المشروع وهذا بيت القصيد، فقد قطعت الدولة كل الأشواط تقريبا وهي كالتالي:

• أصدر المغرب سلسلة جديدة من الأوراق النقدية، من فئة 200 و100 و50 و20 درهما لإحصاء السيولة من خلال إخراج الأوراق النقدية القديمة من الخزائن لاستبدالها بالجديدة.

• ستعتمد الدولة أرشيف وثائق الحسابات البنكية الشخصية ونماذج بيانات نهاية الحسابات السنوية للشركات المودعة لدى الأبناك منذ أكثر من 40 سنة، حيث كان البنك يطالب الشركات كل سنة بنسخة من بيانات حسابات الشركات الضريبية، وطبعاً تتضمن أغلبها إن لم نقل كلها أرباحاً هائلة لتمكن الشركات من تسهيلات بنكية، وفِي نفس الوقت قد تودع نسخة مختلفة تكون في غالب الأحيان مزورة لدى إدارة الضرائب للتلاعب بها.

• ولوضع حد لهذه الممارسات ألزمت الدولة الشركات منذ سنوات بوضع نسخة مماثلة لبيان حساب الشركات السنوي بالمحكمة التجارية تحت طائلة العقوبات.

• ألزمت الدولة الأبناك بإخراج دفاتر شيكات الشركات غير قابلة لا للتظهير ولا للسحب النقدي وتدوين اسم الساحب بالبيانات الشهرية للحسابات البنكية.

• قيدت الدولة جميع المشتريات الخاضعة للمحاسبة الضريبية.

• أصدرت الدولة بلاغا بالإعفاء من العقوبات على كل من يتوفر على حساب مالي بنكي في الخارج مقابل إغلاقه وإدخال هذه الأموال للمغرب والاحتفاظ بنسبة منها بالعملة الأجنبية، وأكدت مقابل ذلك أنها ستكشف كل من ظل يخفي أي حساب مالي في أية دولة.

وقد لجأ مكتب الصرف إلى مؤسسات أجنبية مماثلة ببعض الدول تربطه بها علاقات شراكة وتبادل المعلومات، لمحاربة الإفلات الضريبي وتحديدا الملاذات الضريبية، وأنها تعتمد في ذلك على شركات خاصة ومتخصصة في البحث والتقصي حول الحسابات البنكية المخفية أوالسرية لكشفها وجعلت لها عقوبات زجرية.

• رقمنة الإدارات العمومية وأولها رقمنة المحافظة العقارية الذي كشف الكم الهائل من العقارات والأراضي المملوكة لنكرات بملايير الدراهم مسجلة بأسمائهم وبأسماء زوجاتهم وأولادهم وأصهارهم حتى درجات الدرك الأسفل اقتنوها بالأموال المنهوبة أو بواسطة الإثراء غير المشروع أو التداول من الداخل أي “Délit d.initié” أو تضارب المصالح “le conflit d’intérêt” وغيرها من أساليب التزوير والتدليس.

فاليوم هناك قصور وڤيلات فخمة تقابل نوادي الغولف تقدر بالملايير يمتلك أصحابها سيارات فارهة تقدر بملايين الدراهم لا يستطيع هؤلاء أن يثبتوا شرعية أموالهم رغم أنهم أصحاب شركات ورثوها عن آبائهم وأجدادهم وكان جلهم إن لم نقل كلهم -سوى من رحم ربي- يصرحون للضرائب كل سنة أن شركاتهم في خانة الخسارة أو ربحت القليل وبيانات حساباتهم الضريبية شاهدة على ذلك، وتتوفر الأبناك على نسخ أخرى ربحية مند إنشاء هذه الشركات لغاية اليوم.

• إعلان المديرية العامة للأمن الوطني عن إصدار الجيل الجديد من البطاقة الوطنية للتعريف الإلكترونية ابتداء من 2019، في نسخة متطورة ومؤمنة لسندات الهوية، تتوفر فيها تطبيقات جديدة من شأنها توفير خدمات من خلال مواكبتها للنظام الرقمي المعتمد من طرف مختلف الفاعلين العموميين والخواص، فضلا عن تمكين المواطن والقطاعات العامة والخاصة من الاعتماد على البيانات التشخيصية والمعطيات البيومترية المتضمنة لإجراء عمليات التعريف والتصديق وغيرها.

وكخلاصة لما ذكر سيفاجأ الكثيرين ممن توهموا أنهم أفلتوا من العقاب بداية ممن يُشهر ثراءه أو من يخفيه بإبداء معالم الفقر عليه أو تغيير ملامح خبثه بصباغة الشعر، أو الاعتماد على تصريحات أو تراخيص أو استثناءات جعلته يمتلك أو يستغل ملكا عموميا أو يربح من خلال ذلك الملايير وأصبح ثريا بدون وجه حق في حين يعاني 12 مليون مغربي العوز حسب خطاب الملك. وملايين أخرى تعاني المديونية بسبب السلف الاقتصادي الذي ربح منه الكثيرون بدون وجه حق أيضا، فكل مغربي كان سيستفيد من أرض إلا واشتراها منه مقاول أو مستثمر بأبخس الأثمان ليمكنه نفوذه بعد ذلك أو فساد مسؤول من امتياز يزداد من خلاله ثراء فاحشا.

أمام كل ما ذكر، لا ينقص المغرب اليوم ليغلق الباب أمام أي متربص به من الخارج أو إنهاء أي حراك من الداخل أو الإجابة عن تساؤلات والاستجابة لانتظارات أي مناضل ذهب الملك محمد السادس إلى حد الكشف عن معاناته من سياسات عهد والده الراحل الحسن الثاني خلال سنوات الرصاص أمام المغاربة والعالم من خلال هيئة الإنصاف والمصالحة.

قلنا لا ينقص سوى أن يدشن الملك محمد السادس بصفته رئيس الدولة وأمير المؤمنين والذي قال عنه أحد صنّاع دستور 2011: “الملك مسؤول أمام الله والتاريخ”، مرحلة جديدة ستشكل مفترق الطرق عبر تنفيذ ما وعد به من أخد زمام الأمور بيده بعد أن تقاعس المسؤولون عن ذلك لمحاسبة كل من سولت له نفسه العبث بأموال الشعب، واستغلال كل أشكال الفساد الإداري والرشوة للثراء غير المشروع وغيرهم ممن اغتنوا وأفقّٓروا باقي الشعب.

ليس فقط بتدشين الملك محمد السادس لبداية محاسبتهم وإدخالهم السجون، بل الأهم من ذلك أن يقوم الملك بـ”تتريكهم” أي استرجاع آخر سنتيم من الثروات التي نهبوها دون وجه حق لإرجاعها إلى صاحبها الأصلي وهو الشعب.

“ابغيناك أتَّرَّكْهُم أسيدنا وترجّع لينا فلوسنا”..

التعليقات على “ابغيناك تَّرَّكهم أسيدنا وترجَّع لينا فلوسنا”.. هل حان الوقت ليسترجع الملك أموال الإثراء غير المشروع؟ مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

موتسيبي: “فخور للغاية” بدور المغرب في تطور كرة القدم بإفريقيا

قال رئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (كاف)، باتريس موتسيبي، أمس الجمعة بسلا، إنه “فخ…