أكد النعم ميارة، رئيس مجلس المستشارين، على ضرورة الانتباه إلى ما يحدق بالشراكة المغربية الأوروبية، من تحديات نابعة أساسا من التغيرات الكبرى المحيطة، والمرتبطة على الخصوص بآفتين آخذتين في التفاقم على المستوى الدولي وتتعلقان بالتغيرات المناخية والهجرة، وهما آفتان تتبادلان التأثير والتأثر والتبعية في ترتيب نتائجهما.
وقال ميارة في كلمة له خلال أشغال ندوة حول موضوع “الهجرة والتغيرات المناخية، المنظمة بشراكة بين البرلمان المغربي والجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا بالرباط، اليوم الثلاثاء 30 أبريل 2024، “لا شك أن هذا الواقع بات يفرض بطبيعة الحال وضع سياسات عمومية وطنية ملائمة في هذا الصدد، ولكن يتطلب أيضا إحكام التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف أفقيا وعموديا، وهنا أهمية اختيار هذين التحديين الكبيرين ليكونا محور ندوتنا اليوم، ذلكم أنها ستشكل لا محالة مناسبة للوقوف على الأوجه المختلفة لمسؤولياتنا المشتركة تجاهها”.
وأشار المتحدث إلى أن الهجرة الشرعية وغير الشرعية “ظاهرة عرفها الإنسان مند القدم لكنها أضحت تكتسي أبعادا خطيرة بل ومأساوية مع تفاقم ظاهرة التغيرات المناخية، كما أن هذه الأخيرة تتأثر بطبيعة الحال بالتدفقات البشرية غير المتحكم فيها”.
وحسب ما أفاد به، فإن المؤشرات والأرقام التي تكشف عنها المنظمات الدولية المتخصصة تبعث فعلا على القلق والانشغال لما تقدمه من صورة قاتمة تستدعي من العالم أجمع تضافر جهوده المخلصة من أجل التصدي لها وإيجاد الحلول المناسبة والمستعجلة قبل أن تخرج الأمور عن نطاق السيطرة والتحكم.
وتابع قائلا “فعلى سبيل المثال أكدت منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة أن أعداد مهاجري المناخ ستتجاوز حاجز المليار بحلول عام 2050، إذ ستضطر عائلات بكاملها إلى النزوح داخل بلدانها، ولاسيما في أفريقيا والشرق الأوسط كما تفيد مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، أن 90 في المئة من اللاجئين في العالم يأتون من مناطق معرضة بقوة لتأثيرات التغير المناخي. وتعتبر الظواهر الطبيعة خاصة المتعلقة بالاحتباس الحراري والتصحر وارتفاع مستوى سطح البحر من الدوافع الأساسية لهذا النوع من الهجرة المناخية”.
وشدد رئيس مجلس المستشارين، على أن المملكة المغربية “تدرك جيدا ما تنطوي عليه هذه الظواهر من مخاطر جمة، محدقة بجهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية وبالاستقرار والسلم والأمن الإقليمي والدولي، ولذلك، يضيف المتحدث، فإنها ما فتئت تبذل جهودا مقدرة في سياق مواجهتها الاستباقية للكوارث الطبيعية والتغيرات المناخية وتدبير تدفقات الهجرة، وهي جهود لا تحصر فقط في توفير الأطر القانونية والتشريعية الملائمة بل تتعداها إلى وضع سياسات عمومية ناجعة ومتناسقة وكذا تسريع وتيرة تعاونها الدولي والإقليمي مع الأطراف المعنية والوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية، وهي جهود عرفت انخراطا فاعلا للمؤسسة البرلمانية في إقرارها وتتبع تنفيذها وتقييم نتائجها.
وأبرز النعم ميارة أن استضافة بلادنا لفعاليات كوب 22، كانت فرصة ملائمة مكنت من إبراز الأوجه المختلفة لهذه الجهود، ومن بينها على سبيل المثال ما يتعلق بتطوير قطاع زراعي متماسك من خلال تدعيم قدرته على الملاءمة والتكيف مع التغيرات المناخية.
وأضاف ميارة “إن التجربة المغربية في المجال الذي نتحدث فيه تبين أن السياسات القُطرية، على أهميتها المركزية، ليست كافية لوحدها في مواجهة التحديات المرتبطة بالهجرة والتغيرات المناخية وما بينهما من تفاعلات خطيرة، بل إن الأمر يستدعي إيجاد صيغ فعالة وناجعة للتعاون الإقليمي والدولي، وهنا نشير على الخصوص إلى ضرورة الانخراط الجدي والمسؤول في الجهود المبذولة من طرف كافة الدول خاصة الدول التي بينها حدود مشتركة وداخل المجالات الإقليمية الهشة، كما هو الشأن في منطقة الساحل والصحراء التي باتت مجالا خصبا لعدم الاستقرار السياسي وانتشار الجريمة المنظمة وشبكات الاتجار بالبشر والمخدرات والأسلحة وتنامي النزعات الانفصالية”.
وأردف قائلا “وفي هذا الإطار، لا بد من الإشارة إلى أن المغرب، وإدراكا منه لخطورة ما تنطوي عليه هذه المنطقة من مخاطر جيواستراتيجية تتجاوز بلادنا إلى شمال البحر الأبيض المتوسط، بادر إلى إطلاق جملة من مشاريع التعاون الإقليمي الكفيلة بالتخفيف من وطأة هذا الواقع الصعب وعلى رأسها مبادرة صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله الرامية إلى تعزيز ولوج بلدان الساحل إلى المحيط الأطلسي ووضع بنياته التحتية رهن إشارتها مساهمة منه في إنشاء منطقة للرخاء الاقتصادي والاجتماعي التي من شأنها تعزيز أسس الاستقرار والحد من تدفقات الهجرة”.
وتوجه رئيس الغرفة الثانية إلى شركاء المغرب الدوليين، والأوروبيين بصفة خاصة، من أجل بذل مزيد من الجهود لمساعدة الدول والتكتلات الإقليمية في العمق الإفريقي على تقوية مقارباتها الاستباقية في التعامل مع الإشكاليات المتعددة الناتجة عن ظاهرتي الهجرة والتغير المناخي من خلال توفير جميع أشكال الدعم اللازم وإطلاق المبادرات الكفيلة بخلق الظروف والشروط الضرورية لتعزيز الاستقرار وتحقيق التنمية المستدامة بدلا من التركيز فقط على المقاربات الأمنية على أهميتها.
وحسب ميارة، فإن أبرز الإشكاليات المرتبطة بآفة الهجرة والتي تشكل عبئا ثقيلا على دول الجنوب، ،ومن بينها المملكة المغربية، تلك المرتبطة بهجرة الأدمغة والكفاءات الوطنية التي تصرف على تكوينها وتأهيلها العلمي ميزانيات ضخمة ضمن استراتيجيات وطنية لسد الخصاص التأطيري في قطاعات حيوية، وتحقيق شروط الإقلاع الاقتصادي والتنمية البشرية المستدامة.
وفي هذا الصدد، توقع ميارة من الدول المستقبلة والمستقطبة لهذه الكفاءات أن تبذل “الجهود المطلوبة والضرورية للحد من تفشي هذه الظاهرة التي أخذت أبعادا مقلقة خلال السنوات الأخيرة، في الوقت الذي تواصل فيها بلادنا بناء نموذجها التنموي الجديد، وهو كما تعلمون أمر يتطلب الانخراط الكلي لكافة القوى الحية والمنتجة وخاصة فئتي الشباب والنساء”.
واعتبر رئيس مجلس المستشارين، في ختام كلمته أنه لمن المفارقات الكبيرة أن نتحدث عن التعاون والدعم والاعتماد المتبادل بين دول الشمال والجنوب، وفي الوقت ذاته نجد أنفسنا نركز جهودنا على وقف استنزاف طاقاتنا من الموارد البشرية التي نحتاجها في تطوير اقتصاداتنا ومجتمعاتنا.