عبد القادر الحجاجي (و م ع)
من كل فج عميق يتوافدون على دوحة العرب … مسلحون بحب الوطن وبدافع تعضيد اللحمة الوطنية ومساندة أسود الأطلس في كأس العالم فيفا قطر 2022 ، غير آبهين بوعثاء السفر ولا بغلاء التذاكر وندرتها أو كلفة السكن . الكل في سبيل نصرة المنتخب يهون.
منذ اللقاء الأول اختار هذا الجمهور العالمي ، سليل جمهور مدرجات ” المكانة أو فريميجة ” والمتعود على الفرجة التي تصنعها ” الإلترات ” عبر امتداد الوطن ، طريقة تشجيع خاصة به ساهمت في الدفع بالعناصر الوطنية نحو تحقيق هذا الحلم الذي آمن به المدرب الوطني وليد الركراكي وكتيبته حتى قبل بدء المونديال .. لقد كان معهم الحق كيف لا وهم الآن في نصف نهاية تاريخية.
وصفته الفيفا بأنه اللاعب رقم واحد وليس رقم ال 12 ، وزادت بأنه من بين أفضل الجماهير على المستوى العالمي ، فيما كتبت وسائل إعلام دولية أنه بمثابة بركان جماهيري ينفجر في ملاعب قطر عقب كل انتصار ليمتد صداه في أرجاء المعمورة بمجرد إطلاق صافرة نهاية المقابلة.
جماهير من داخل الوطن تتسابق للظفر بتذكرة سفر للدوحة عبر الخطوط الملكية المغربية التي وفرت رحلات استثنائية خلال المقابلات السابقة وحوالي 30 رحلة استثنائية لعشاق الأسود لمتابعة نصف النهاية اليوم ضد فرنسا ، وأخرى من باقي دول العالم اختارت الإستفادة من عطلتها في هذه الأوقات السعيدة وشد الرحال نحو الإمارة ، ومقيمون في قطر يبحثون بشق الأنفس عن تذكرة المباراة … رغبة جامحة تدفع بالكل إلى البحث عن طريق للوصول إلى حيث يصنع الأسود مجد الوطن بل مجد أمة عربية من المحيط إلى الخليج وقارة إفريقية تواقة للانتصار وفخورة بما يقدمه الأسود.
جماهير بالآلاف ، نساء ورجال وأطفال ومن ذوي الاحتياجات الخاصة ، مرتدين قميص المنتخب ومتشحين بالأعلام الوطنية ، يواكبون زئير الأسود طيلة أطوار المقابلة ، بزئير من نوع آخر لكنه مرعب ، من دون كلل أو ملل لمدة 90 دقيقة كاملة وحتى أكثر ، إذا لزم الأمر كما حدث مع منتخب ” لاروخا ” في ثمن النهائي في مباراة لم تحسمها إلا ضربات الجزاء التي لم تجد طريقها إلى شباك ياسين بونو الذي دون إسمه في لائحة أساطير اللعبة . ليس مجرد رغية في متابعة أشواط مباراة عابرة أو الاحتفاء بنتيجة ، بل إن الأمر تجاوز ذلك … حب الوطن والاعتزاز بإنجازات أبنائه هو الذي دفع الآلاف إلى هذه الهجرة الجماعية نحو الملاعب القطرية . يقول مشجع يفوق الستين سنة ” لا شيء يقف أمام تحقيق رغبة الانضمام إلى هذه الفرحة الجماعية التي وحدت الجميع ” ، في حين أن فتاة في مقتبل العمر ترتدي القميض الأبيض للمنتخب رفضت الجلوس طيلة مقابلة المغرب والبرتغال قائلة ” لم أحضر إلى هنا لآخذ مكاني وأتابع بهدوء مجريات المقابلة بل لأقف وأصرخ وأشجع ” ، فيما مشجع آخر ” انخرط في نوبة بكاء ” عقب تسجيل يوسف النصيري لهدف ضد البرتغال من قفزة عجيبة ستدون بلا شك في سجلات الفيفا، مصرا على معانقة كل من كان بجانبه ” لتقاسم هذه الفرحة الفريدة “.
بتشجيعاتها الحضارية وبزئيرها غير المنقطع وهتافاتها ، حولت الجماهير المغربية ومعها العربية والإفريقية ملاعب قطر إلى جحيم للفرق المنافسة … لا صوت يعلو على صوتها ، الكل منخرط في التشجيع وبالكاد يسمع الإنسان صافرة الحكم.
تكسو المدرجات باللونين الأحمر والأخضر ، وتصر على اصطحاب آلات التشجيع الضرورية لدفع الأولاد إلى تحقيق النصر … تردد بحرارة النشيد الوطني ، وتصفق أثناء عزف نشيد الخصوم ، تتبادل العناق في ما بينها ومع الجماهير العربية والإفريقية أثناء تسجيل الهدف ، وتدرف الدموع فرحا بكل انتصار يحققه الأسود.
تلج الملعب بطريقة متحضرة وتخرج منه بسلاسة لتحول ساحاته الخارجية إلى فضاء للفرح والرقص وتقاسم نشوة الفوز لتفيض بعد ذلك نحو الأحياء والأماكن المعتادة بالدوحة. أينما حلت ت ضفي جمالية على الموقع وتثير انتباه المرتادين بطريقة احتفالاتها الراقية والإحترافية حتى .
تنقضي أشواط المقابلة وبعض الجماهير تأبى مغادرة الملعب حيث تبقى تتجول بين مدرجاته لتنظيفها من المخلفات في خطوة تطوعية نالت الاستحسان وتكررت طوال مباريات الأسود في المونديال.
الموعد الموالي ضد المنتخب الفرنسي في نصف النهاية بملعب البيت بمدينة الخور ، الأكيد أن الجماهير التي باشرت تشجعياتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي ستزأر بدورها لكن بشكل يرعب وستكتب رفقة العناصر فصلا جديدا من هذه الملحمة الكبرى في ليلة يريد جميع المغاربة أن تكون فيها الديكة لقمة سائغة لأسود الأطلس.