مرت سنة على تعيين حكومة عزيز أخنوش، التي تم تشكيلها من ثلاث أحزاب (التجمع الوطني للأحرار، الأصالة والمعاصرة، حزب الاستقلال)، باختلاف مرجعياتهم السياسية والحقوقية.
وبعد مرور ما يقارب 12 سنة على دستور 2011، وسنة بعد انقضاء فترة ولاية حكومة العدالة والتنمية “المحافظة” التي استمرت 10 سنوات، فماذا حققت حكومة عزيز أخنوش التي أكملت سنتها الأولى على المستوى الحقوقي؟
“الأول” نقل هذا السؤال إلى عدد من الحقوقيين، في عدة إطارات، لمعرفة تقييمهم لآداء الحكومة في هذا الشق، وهل تمكنت هذه الأخيرة من تشكيل رؤية حقوقية تلامس القطاعات الوزارية.
وانقسمت الرؤية الحقوقية بين من يرى أن الحكومة ركزت على الجوانب المرتبطة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ولم تعر أهمية إلى الحقوق المدنية والسياسية، وبين من يرى بأنه لم يتم إحراز أي تقدم على جميع المستويات وبأن هناك تراجعات.
وقال ياسين بزاز، المنسق العام لمعهد “بروموثيوس للشباب والديمقراطية”: الحكومة لم تتطرق لحقوق الإنسان ولم تعتبرها من المحاور الأساسية في برنامجها، صحيح أنها تحدثت عن بعض الحقوق الاجتماعية من خلال برنامجها الحكومي، لكن حقوق الإنسان كمحور أساسي اشتغلت عليه كل الحكومات المتعاقبة، فلم يكن مطروحا في البرنامج الحكومي الحالي.
بالإضافة إلى أجندة الفاعلين الحكوميين اليوم، لا تحضر فيها حقوق الإنسان، لا في الخطاب ولا من حيث البرامج، ومن خلال النقاش العمومي، الذي لم تعد حقوق الإنسان تشكل أولوية فيه.
الحكومة لديها الآن بعض البرامج المرتبطة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، كالحماية الاجتماعية، ولكن حقوق الإنسان بمفهومها الشامل وبثقافتها وبمقارباتها المعتمدة، حيث تغيب المقاربات التي تلامس كل مجالات عمل الحكومة.
هل هذا يرجع لطبيعة بروفايلات المسؤولين الحكوميين، أم قناعة عند الحكومة؟ لا أدري. وهذا سؤال كبير يطرح نفسه، لكن لحدود الساعة ليس هناك نقاش عمومي، وهناك مجموعة من أوراش مرتبطة بحقوق الإنسان التي لا تزال مفتوحة ولم يتم استكمالها، على غرار الخطة الوطنية للديمقراطية وحقوق الإنسان، الإشكالات المرتبطة بإصلاح القانون الجنائي وبعض نصوصه التي إما تضيق على الحريات الفردية أو أخرى تضيق على الحريات في مواقع التواصل الرقمي أو حرية التعبير.
من جهته عبد الرزاق بوغنبور، الرئيس السابق لـ”العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان”، منذ تعيين حكومة عزيز أخنوش، يلاحظ بشكل عام استمرار التراجع في المجال الحقوقي، نجد أن هناك انتهاك مطلق لحرية التعبير، تزايد عدد المعتقلين، والمتابعين سواء كانوا صحافيين أو نشطاء حقوقيين أو حتى محامين.
في الأصل لم تكن للحكومة أجنده حقوقية يجب أن تنجزها، لكن مع ذلك نجد الجانب الاقتصادي والاجتماعي، القدرة الشرائية للمواطنين مُست، ليس فقط بفعل الحرب الأوكرانية أو أزمة البترول، ولكن بفعل غياب آليات المراقبة على الذين يتاجرون باعتبار أن كل المواد عرفت زيادة كبيرة في الأسعار مما مس بالقدرة الشرائية للمواطنين، تراجع كبير في مجال الحقوق الشغلية خاصة فيما يتعلق بالمؤسسات سواء العمومية أو الخاصة.
عدم وضوح الخطاب الرسمي للدولة المغربية في المجال الحقوقي، حيث أن تصريحاتها شيء لكن الواقع شيء آخر.
فيما يتعلق بالتزامات المغرب الدولية، فهو لم يكن واضحا على مستوى الحكومة، حيث نجد أن في العديد من القضايا لم تكن الدولة واضحة ولم تشر إلى المعطيات بدقة.
على المستوى الداخلي، غياب الحق في الوصول إلى المعلومة، باعتبار أن الدولة المغربية تقوم بالإجهاز على الحقوق أو تمنح امتيازات لمجموعة من الأطراف دون التصريح بالكيفية التي تتم بها الأمور ومن استفاد من ذلك.
وأخطر شيء هو استمرار اقتصاد الريع، فجزء من المغاربة يولدون وفي فمهم ملعقة من ذهب. في حين أن الآخرين عليهم أن يناضلوا وأن يبحثوا عن لقمة عيش دون الاستفادة من أي امتياز داخل الدولة.
هذا يؤشر أن الردة الحقوقية مستمرة لكن هذه المرة بطابع استبدادي وبطابع التحدي، التحدي أولا ضد الحركة الحقوقية والتحدي من جهة ثانية في عدم التزام الدولة حتى بالقوانين التي سنتها في الدستور والقوانين الوطنية، ناهيك أن الخطاب الدولي الحقوقي يساعد المغرب في هذا الاتجاه.
من جهتها، قالت سارة سوجار، فاعلة حقوقية: أولا لم تضع الحكومة الإشكالات والملفات الحقوقية الحساسة على أجندتها، والأكثر من هذا، فالبرنامج الحكومي لم يأت بالشيء الكثير على مستوى الحقوقي، والحكومة تتصرف وكأنها غير معنية بملفات الحركة الحقوقية والحركة الديمقراطية، والدليل عند طرح أحد الملفات الحقوقية نحسّ وكأن المسؤولين بعيدين عنه، والسؤال الأول بالنسبة لي: من المسؤول عن الملفات الحقوقية ومن سيسهر على معالجتها وكيف؟
ثانيا، التشاور العمومي والنقاش العمومي في الملفات الحقوقية، غائب، فلم يبادر الفاعل الحكومي أو الفاعل السياسي المشارك في الحكومة، بفتح نقاش عمومي، كلهم في وضعية انتظار، ماذا ينتظرون لا أعلم، على الرغم من أن هناك ملفات ذات أولوية.
إذا كان هناك أي انفراج سيقع في المغرب، فهو سيكون بناءا على حل هذه الملفات الحقوقية، كملفات حرية التعبير أو التي لها علاقة بحرية التجمع واعتقال النشطاء والصحافيين والمدونين، هذه القضايا مطروحة على مستوى شبكات التواصل الاجتماعي وعلى مستوى الحركات الحقوقية، ولكن للأسف غائبة على مستوى الفاعل الحكومي والفاعل الحزبي، وهذا يثير العديد من التساؤلات، هل تخلى المسؤول الحكومي على صلاحياته الدستورية؟، أم يعتبرون أن هذه الملفات من صلاحيات جهة أخرى، أم أنهم استقالوا من مهامهم ويعتبرون أن حقوق الإنسان تحققت في المغرب ولا داعي للحديث عنها؟
وحتى الملفات المرتبطة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، رأينا كيف تفاعلت الحكومة مع ملف المحروقات وغلاء الأسعار ولم توضح الحكومة للمغاربة ماذا يقع؟، بل الأكثر من ذلك هناك مسؤولين ضحكوا على “هاشتاغ” غلاء الأسعار والزيادة في المحروقات، رغم أن هذا مطلب حقوقي للمغاربة يمس بالوضعية الاجتماعية.
وبخصوص ورش الحماية الاجتماعية، لم نلمس بأنه يجيب على عدد من المطالب، لا نحس بأنه هناك إدماج عدد من الساكنة في وضعية صعبة، مثلا ملف الأجانب والحماية الاجتماعية، يعني هناك عدد من الأسئلة والنقاشات بخصوص النصوص القانونية التي أخرجتها الحكومة، ولكن ليس هناك تواصل عمومي كي نفهم عددا من الأشياء، بالإضافة إلى أن هناك شح في المعلومات.
وبشكل عام ففتح ورش الحماية الاجتماعية شيء إيجابي، لكن يجب أن نجيب على جوهر مطالب المواطنات والمواطنين.
الوضعية الحقوقية العامة في المغرب اليوم تحتاج انخراط الجميع و تحمل المؤسسات مسؤوليتها في حل الملفات ذات الأولية، من اعتقالات ووضعية اجتماعية و اقتصادية، وكذلك فتح أرضية حقيقية للتشاور العمومي و التواصل البناء الذي يخرجنا من النفق الذي دخلنا إليه.
فالحكومة فاعل أساسي في الانفراج الحقوقي المنتظر إلى جانب أطراف أخرى، و الوضعية الحقوقية يجب أن تصبح في أولوية الأجندة الحكومية، لأنه لا تقدم ولا ديمقراطية ولا نمو اقتصادي بدون احترام للحقوق و للحريات.
عمدة مدينة الرباط تتفاعل مع فضيحة “تلقي الرشوة” في امتحانات الكفاءة المهنية
وجهت فتيحة المودني، رئيسة المجلس الجماعي للعاصمة، مراسلة إلى فاروق مهداوي، المستشار الجماع…