قبل 23 سنة، وبالضبط في شهر يونيو من عام 1999، التمست منظمة العفو الدولية من حكومة الوزير الأول الأسبق آنذاك، عبد الرحمان اليوسفي، الإذن لها بعقد مجلسها الدولي الذي كان سيعرف مشاركة 500 مندوب من 160 دولة، على الأراضي المغربية.
كان اليوسفي آنذاك متمسكا بعقد المجلس الدولي لـ”أمنستي” بالمغرب، غير أن توصله بمعلومات من الملك الحسن الثاني تفيد بأن الأمين العام للمنظمة بيير ساني، أدلى بتصريحات أثناء زيارته للمغرب في ربيع تلك السنة قد تكون مست بشخص الملك، جعل طموحه صعب التحقق، بل مستحيلا. يرجح المحامي والجامعي عبد العزيز النويضي الذي يروي كواليس هذه الواقعة في مؤلفه الصادر حديثا “مذكرات مستشار للوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي دروس من تجربة التناوب وما بعدها”، أن يكون لوزير الداخلية في تلك الحقبة ادريس البصري يد في ذلك عبر دس محسوبين عليه في اجتماع لتسجيل تصريحات الحاضرين فيه.
انتقام مدير “أمنستي” الذي جعل البصري يصرخ: “أنا أكبر رجل يدافع عن حقوق الإنسان في هذا البلد”
يحكي النويضي في مذكراته أنه قبل اجتماعه باليوسفي في يونيو سنة 1999، التقى وفد المنظمة برئاسة أمينها العام بيير ساني وثلاثة من أقرب مساعديه ومدير المنظمة في المغرب بعدد من الوزراء، من بينهم ادريس البصري. كان للأخير موعدا مع الوفد عند الساعة السادسة مساء، لكن عندما وصلوا أخبرهم مساعدو الوزير أنه يعتذر عن لقائهم لتزامن الاجتماع مع تواجده في البرلمان، لكنه أوصى مرؤوسيه بأن يجتمعوا بالوفد ريثما ينهي أشغاله.
اتفق مسؤولو “أمنستي” على الامتناع عن الدخول في أي نقاش مع مساعدي الوزير، على أن يتكلف أحدهم ببسط أهداف المنظمة الحقوقية لأطول مدة ممكنة حتى يأتي الوزير، وهو ما كلفهم انتظار قرابة الساعتين من الزمن. لما حل البصري اعتذر مرة أخرى بدعوى أنه سيودع شخصا في المطار ثم سيعود بسرعة. وعندما عاد لم يقف أحد للترحيب به فاضطر للانحناء للسلام عليهم وهم جلوس. الأمر الذي قد لا يكون سرّه، لكن رده لم يتأخر كثيرا، فقد طلب من مساعديه حمل الحلوى والشاي للضيوف، ثم أخرج سيجارة بدأ يدخنها ويرمي رمادها فوق الحلوى، فما كان من بيير ساني إلا أن طلب بدوره من إحدى مساعداته سيجارة، ثم مد يده إلى منفضة السجائر حيث نفض سيجارته وقدّمها بعد ذلك إلى البصري مشيرا إليه أنه المكان الذي يرمى فيه رماد السجائر. ابتلع البصري ريقه ثم استمع إلى حالات الانتهاكات التي طرحها الوفد وكانت دقيقة موثقة يصعب الجواب عنها بنفس الدقة. تكلم الوزير أخيرا مقترحا على الأمين العام أن يبرم مع المنظمة “اتفاق جنتلمان” للتعاون مستقبلا.
لم ينبس بيير ساني بكلمة. كان اللقاء قد أوشك على نهايته عندما تناول الكلمة محمد السكتاوي، مدير فرع المنظمة بالمغرب، طالبا من البصري توقيع كتاب يتضمن تجديد العهد بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومد إليه القلم، مشيرا إلى أنه نفس القلم الذي استعمله مانديلا، فأجابه البصري بنرفزة: “إنني أوقع بقلمي”.وعندما انحنى للتوقيع، اقترب منه بيير ساني وهمس في أذنه بما يفيد أن “هذا هو اتفاق جنتلمان وهو الالتزام بحقوق الإنسان وباحترامها”.
يؤكد النويضي ضمن سرده لتفاصيل هذه الواقعة المثيرة أن رد فعل البصري كان غريبا حيث خرج من الغرفة وسمع صوته في الممر وهو يصرخ: “أنا أكبر رجل يدافع عن حقوق الإنسان في هذا البلد. أنا لا أحتاج لمن يلقنني الدروس”.
الشريط المسرب الذي أغضب الحسن الثاني وقال بشأن مضمونه لليوسفي: “هل بعد هذا نرخص لهم بعقد المؤتمر؟”
في لقاء جمعه مع شخصيات حقوقية عديدة بالمدرسة الفندقية بسلا، سأل أحدهم بيير ساني الذي كان وقتها يستعد للقاء الملك الحسن الثاني: “ماذا تنتظر من لقائك مع الملك؟” يقول النويضي، مضيفا: “كان بيير ساني قد اجتمع صبيحة ذلك اليوم بالجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وتأثر كثيرا لسؤال طفلة بريئة عندما علمت أنه سيلتقي الملك: “هل ستأتي بأبي؟”، كان والدها ربما من ضحايا الاختفاء. فكان جواب بيير ساني عن سؤال ذلك الشخص ما مفاده أنه ينتظر أن يخرج وفي يده مكاسب، كالجواب عن سؤال تلك الطفلة، وأنه لم يأت ليأخذ صورا مع الملك”. وهي العبارة التي حسمت أمر رفض انعقاد المؤتمر الدولي في المغرب، يشير النويضي، مستطردا: “لقد أخبرني اليوسفي بعد اللقاء مع وفد المنظمة بتفاصيل أخرى. فقد كان الحسن الثاني احتراما منه لليوسفي، يريد أن يقنعه بسبب رفضه انعقاد مؤتمر منظمة العفو، فالتقى به وسأله: هل تتوفر سيارتك على مكان للكاسيط؟ أجاب اليوسفي بنعم. صعد الرجلان للسيارة وأطلقا الكاسيط. فكانت الفقرة التي أغضبت الحسن الثاني، وهي أن بيير ساني لم يأت لالتقاط الصور مع الملك، وربما عبارات أخرى تفيد بأن عقد المؤتمر الدولي لن يغير شيئا من مواقفها تجاه رصد وضعية حقوق الإنسان بالمغرب”.
سأل الملك الراحل اليوسفي وهو في حالة غضب: هل بعد هذا نرخص لهم بعقد المؤتمر؟”.
اليازغي والخياري والخطيب: صاحب القرار هو الملك
لجأت منظمة العفو الدولية، بعد ذلك إلى الأحزاب السياسية طمعا في التدخل لدعم مطالبها. وبينما كان حزب الاستقلال الوحيد الذي ساند موقفها بدون تحفظ لأنه ربما لم ينس إهانة البصري للحزب في انتخابات 1997 التي حصل فيها على 32 مقعدا كحزب عريق وهو نفس عدد مقاعد حزب عرشان الجديد، يذكر النويضي، حصلت على جواب واحد تردد على لسان ثلاثة قادة سياسيين.
يحكي مستشار اليوسفي في مذكراته، أن الاتحادي محمد اليازغي كان صريحا في تحديد صاحب القرار الوحيد، إذ استمع إلى ممثلي المنظمة المحليين رفقة الحبابي ولكنه لم ينطق بكلمة بل اكتفى بأن أشار بأصبع يده إلى الأعلى، دليلا على الجهة التي تملك الحل.
التقدمي التهامي الخياري، كان له هو الآخر نفس جواب اليازغي، فيما قال الدكتور الخطيب لممثلي “أمنستي”: لا يوجد أحد لاتخاذ القرار. لا الوزير الأول ولا وزير الداخلية، صاحب القرار هو الملك، والملك مريض جدا ولا يمكن لأحد أن يتكلم معه”. كان هذا الكلام، وفق النويضي، في مساء يوم أحد من شهر يوليوز 1999، بعدها بأسبوعين أو ثلاثة فارق الملك الحسن الثاني الحياة.
بعد إقالة العامل.. فيدرالية اليسار: تمارة تحولت إلى بؤرة للفساد والنهب والاغتناء غير المشروع لبعض رجال السلطة والنافذين
قالت فيدرالية اليسار الديمقراطي، إن تمارة تعرف وضعا اجتماعيا وصفته بـ “المقلق”…