رصد حقوقيو مراكش، رزمة من “الانتهاكات” التي مست حقوق الإنسان بعاصمة النخيل في عام الجائحة، مسجلين أن غياب العدالة الاجتماعية، والهشاشة والفقر، والخصاص البين في الخدمات الاجتماعية، والفساد المالي، وتغول السلطة، شكل العناوين البارزة للوضعية الحقوقية بالمدينة.
الطوارئ الصحية.. صلاحيات مطلقة للسلطة
في حديثه عن الحقوق المدنية والسياسية التي تأثرت بالتدابير التي سنتها المملكة لتطويق تفشي “كوفيد 19″، توقف التقرير السنوي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان بمراكش، عند تعامل السلطات مع هذه الظرفية الاستثنائية، مبرزا أنه كان موسوما بـ”الزجر”، إذ “تم تعطيل الحق في الاحتجاج، ومصادرة حرية التعبير”، إضافة إلى “لجوء السلطات إلى أساليب بعيدة عن مهامها في إنفاذ القانون، بإطلاق يد موظفيها في ممارسة الشطط والتعسف في تطبيق القانون”.
كما أثار التقرير لجوء السلطات المحلية إلى إعمال المقاربة الأمنية، مع بداية الحجر الصحي، من خلال تعنيف المواطنين بالشارع العام، وخلق نوع من الفزع عوض طمأنة الساكنة واحترام كرامتها وسلامتها، علاوة على التلاعبات الفاضحة التي شابت ورقة السماح بالخروج والتنقل خارج المدينة، ثم اعتقالات في صفوف بعض مصوري انتهاكات السلطة في كل من سيدي يوسف بن علي، حيث تم اعتقال شاب لمجرد تصويره لوقفة احتجاجية تطالب بالدعم، ومتابعته في حالة سراح، وتوقيف شاب صور اعتداءات رجال السلطة على قاصر بواحة سيدي إبراهيم، واعتقال ومتابعة شاب صور معاناة ساكني الفنادق ومأساتهم، وحاجتهم للدعم.
وأشارت الوثيقة ذاتها إلى “قمع ومنع مسيرة الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد”، واعتقال أم لأربعة أطفال ومتابعتها في حالة اعتقال لمجرد احتجاجها على انقطاع الماء الصالح للشرب في أحد الدواوير بالمحاميد، وصعوبة تنقل العاملات والعمال لخارج مراكش للالتحاق بعملهم فور فتح المصانع والمعامل أبوابها مع بداية شهر ماي، وطرد بعضهم والتضييق على النقابيين منهم.
الجائحة.. الامتحان الذي أثبت إخفاق السياسات العمومية 
كشفت الجائحة مبلغ الخصاص الهيكلي في ما يرتبط بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تقول الجمعية، موضحة أن الفيروس فضح إخفاق السياسات العمومية والمحلية وقصورها الجلي في مجالات التنمية وتوفير الشروط الدنيا للعيش الكريم. ويظهر ذلك جليا، حسب التقرير، في كل القطاعات الاجتماعية بدون استثناء، ينضاف إليها غياب الرعاية الاجتماعية والحماية من الفقر ومسبباته، وارتفاع منسوب البطالة وهشاشة الشغل وتدهور جودة العمل، وعدم احترام أبسط الضوابط القانونية، والانتشار الواسع للقطاع غير المهيكل.
وشددت الجمعية في هذا السياق على قصور الدولة عن الوفاء بالتزاماتها لحماية فئات عريضة من الفقر، كما أن المجلس الجهوي والمجلس الجماعي، وبعض مؤسسات الدولة لجؤوا إلى ما يسمى بالقفة، رغم محدودية تأثيرها وحضور الهاجس السياسوي بدل الهاجس الاجتماعي، علاوة على عدم تقديم أي دعم للحرفيين والتجار المعوزين المرتبطين بالقطاع السياحي، خاصة المشتغلين في قطاع الصناعة التقليدية، والتي تعد المدينة العتيقة أحد أهم مراكز احتضان ورشاتها.
انهيار المنظومة الصحية
رغم أن مراكش تحتضن مستشفى جامعي ومركزا للأنكولوجا وكلية للطب تابعة لجامعة القاضي عياض، وكلية خاصة للطب، ومدارس عمومية لتكوين الممرضات والممرضين وأخرى خصوصية، ورغم احتضانها لبنية فندقية أهلتها لاحتضان العديد من التظاهرات والملتقيات الدولية، فإنها بدت أول مدينة انهارت بنيتها الصحية في ظل جائحة “كوفيد 19″، يؤكد تقرير الجمعية الحقوقية، لافتا إلى أن العجز ظهر بعد رفع الحجر الصحي في ظل عدم قدرة المستشفيات على التكفل بالمرضى خاصة مع عودة مستشفى “الرازي” بالمركز الإستشفائي الجامعي لأعماله الاعتيادية وأيضا مباشرة مستشفى “ابن طفيل” لأشغاله الخاصة بباقي المرضى.
هذا الانهيار فضح، يضيف التقرير، هشاشة البنيات المخصصة للتكفل بالمصابين بالفيروس، ومحدودية وانعدام التجهيزات بما فيها تلك المتعلقة بالإنعاش والأكسجين ومعدات تحليلات الكشف “PCR”، كما كشف عن اهتراء البنايات وأعطاب بعض التجهيزات. كما ظهر خلال شهري غشت وما بعده أن السياسة الصحية لمواجهة الجائحة تفتقد للجدية والنجاعة، وأن التوقعات غير العلمية والبعيدة عن المؤشرات الميدانية وعدم الاهتمام بتوجيهات منظمة الصحة العالمية، وتعطيل خبراء الصحة بالبلاد وتغييبهم قسرا مثلما غيبت اللجن العلمية، والتقاعس في تأهيل المنظومة الصحية خلال فترة الحجر الصحي وأثناء انخفاض معدلات الإصابة، كلها عوامل سرعت بالانهيار حتى أصبحت مراكش غير قادرة على تأمين أبسط شروط التكفل بالمصابين، وانفجرت فضيحة “المامونية” وما يسمى بالعلاج المنزلي الذي تحول إلى أحد أسباب انتشار الوباء.
أما تعامل وزارة الصحة مع نواقيس الخطر التي دقت، فقد كان متأخرا واعتمد أسلوب الترقيع وإثقال كاهل الأطر الصحية بما فيهم الأطباء المقيمين والداخليين وأطر التمريض، يورد حقوقيو المدينة الحمراء، مسجلين ما وصفوه بـ “الارتجالية الواضحة في تعامل مندوبية وزارة الصحة وإدارة المستشفى الجامعي في تدبير الأزمة وعدم التنسيق بينهما”، مع الفشل في خلق توازن بين مواجهة الجائحة وخلق مسارات للعلاج بالنسبة للأمراض الاعتيادية، بناء على ما هو معمول به في معظم الدول.
وخلص التقرير إلى أن القطاع العمومي هو الرافعة الأساسية للمنظومة الصحية بالمغرب، ودور الدولة لا يمكن الاستغناء عنه، فيما ظهر القطاع الخاص غير معني، بل تحين الفرصة لتقوية وصوله لجيوب المواطنين.
“كورونا” وتفاقم العنف ضد المرأة 
فاقمت “كورونا” من العنف القائم على النوع الاجتماعي في المجتمع المغربي، فقد أرخت الأوضاع الصعبة التي فرضتها الجائحة، بظلالها على الأسر. في المحصلة، تزايدت حالات العنف المنزلي، والعنف الجنسي والاقتصادي.
وفي ما يخص حقوق الطفل، فقد ظلت هذه الفئة خارج اهتمامات المسؤولين، إذ غابت البرامج الموجهة إلى الطفولة، واستمرت نفس الانتهاكات التي تطال حقوق الطفل، كعمالة الأطفال، الاغتصاب والاستغلال الجنسي، التشرد والبقاء بدون مأوى.
كما عانى الأطفال في وضعية صعبة وبدون مأوى، بمن فيهم أبناء المهاجرين جنوب الصحراء، نظرا لانعدام الاهتمام بهم.
السياحة.. موسم للنسيان
الجمود والكساد طبعا القبلة السياحية الأولى في المملكة خلال عام الجائحة، حيث هجرها سياحها وزوارها، كما لم يفعلوا من قبل، وهو ما كبد الوحدات السياحية والحرف والمهن المرتبطة بهذا القطاع خسائر كبيرة جدا،
وفي هذا السياق، قال تقرير الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إنه رغم الاتفاق الخاص بدعم القطاع السياحي، عبر تخصيص تعويض 2000 درهم للعمال المصرح بهم، فإن ذلك لم يكن له أي أثر على معالجة الأزمة، مشيرا إلى أن “الزيارات المكوكية لوزيرة السياحة والاجتماعات الماراطونية المطبوعة بخطابات غير واقعية، كلها كانت لتهدئة الأوضاع وزرع الاوهام، وإطلاق شعارات وخطط، سرعان ما تأكد عدم قابليتها للتطبيق، لأنها تفتقد للنجاعة وغياب المعطيات وتجاهل المحيط الدولي”.
كما سجل أن سياسة الدولة تجاه القطاع، كانت تروم فقط دعم المؤسسات الفندقية والمنتجعات الكبرى، في حين أغفلت باقي الروافد الأخرى كالصناعة التقليدية والنقل والارشاد السياحي والفنادق الصغرى والشعبية التي تلعب دورا محوريا في استقطاب السياح، وهو ما أفضى إلى تنامي الاحتجاجات من طرف الفئات المتضررة المرتبطة بالقطاع.
وللخروج من هذه الأزمة، دعت الجمعية إلى تنويع مصادر خلق الثروة ومناصب الشغل، بالاستثمار في القطاعات المنتجة. وسن سياسة اقتصادية تقطع مع أحادية المجال وتستحضر الثروات الطبيعية والمعدنية، وإمكانية النهوض بالصناعات الغذائية والنسيج واستقطاب الصناعات الأخرى بعيدا عن أسلوب الترقيع لإنعاش الاقتصاد وتجاوز الكساد الذي تعيشه المدينة.
دخول مدرسي مرتبك
رصدت الجمعية في هذا المجال عددا من النواقص موزعة حسب نمط التعليم المعتمد، من أبرزها؛ ارتباك كبير صاحب الدخول المدرسي يتمثل في اختيار نمط التعليم المتبع في ظل انتشار الوباء، فشل مقاربة “التعليم عن بعد” بسبب غياب المعدات المعلوماتية وهشاشة الأسر وغياب مقاربة الدولة في تدارك الزمن المدرسي الضائع منذ 20 مارس 2020، عدم تزويد المؤسسات التعليمية بوسائل التعقيم، تولي جمعيات الآباء وبعض المبادرات الخاصة من توفير كميات من هذه المواد، انعدام الماء الصالح للشرب في مجموعة من المؤسسات، التخلص من عمال النظافة بشكل لا يراعي الحقوق الشغلية وحرمانهم من مستحقاتهم، إثقال كاهل الأستاذات والأساتذة بمهام إضافية خارج مهامهم الأصلية.
كما أثارت إشكال التباطؤ الكبير في معالجة ملفات انتقال التلاميذ من مؤسسات التعليم الخصوصي إلى التعليم العمومي ورفض المؤسسات الخصوصية تسليم شواهد المغادرة،
إلى جانب التدبير العشوائي لمراحل إعادة انتشار الموارد البشرية من خلال مذكرة تحديد الفائض وسد الخصاص التي خضعت للأهواء والترضيات، عوض اعتماد خريطة مدرسية متوازنة تراعي المصلحة الفضلى للمتعلم.
التعليقات على “الجمعية” ترصد تدهور وضعية حقوق الإنسان بمراكش في عام الجائحة.. شطط السلطات وانهيار المنظومة الصحية وتفاقم العنف ضد المرأة  مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

بعد إقالة العامل.. فيدرالية اليسار: تمارة تحولت إلى بؤرة للفساد والنهب والاغتناء غير المشروع لبعض رجال السلطة والنافذين

قالت فيدرالية اليسار الديمقراطي، إن تمارة تعرف وضعا اجتماعيا وصفته بـ “المقلق”…