أثارت التعيينات الأخيرة التي همت الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء، انتقادات واسعة، وانصب النقاش في مجمله حول الطريقة التي تم بها تعيين 6 أعضاء، مقترحين من قبل رئيسي مجلسي النواب والمستشارين، غير أن هذا الجهد كان يجب أن ينصب جزء منه حول عدد من النقط الجوهرية المرتبطة بعمل هذه الهيئة وأدوارها، وكذلك القيمة المضافة التي ستقدمها، بالإضافة إلى مشروع قانون رقم 40.19 المتعلق بتغيير وتتميم القانون المتعلق بالطاقات المتجددة، الذي لا يزال حبيس البرلمان، وهل سيضمن الشفافية وتكافؤ الفرص في القطاع بين المستغلين المحتملين لشبكة الكهرباء على اختلافهم؟.

في هذا الصدد، انطلق “الأول” من سؤال حول أهمية مشروع القانون المذكور أعلاه الذي لا يزال حبيس ردهات البرلمان منذ أزيد من سنتين، على الرغم من أهميته، بالإضافة إلى سؤال حول وظائف هذه الهيئة وما ستقدمه للقطاع ودورها في حماية المستهلك المغربي؟ خصوصا على ضوء القانون 48.15، المتعلق بضبط قطاع الكهرباء، والمنشور في الجريدة الرسمية منذ يونيو 2016.

ما هي أهمية القانون المنظم للهيئة؟

تم إحداث هذه الهيئة بموجب القانون رقم 48.15 المتعلق بضبط قطاع الكهرباء وإحداث الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء، حيث تسهر، باعتبارها “شخص اعتباري” من أشخاص القانون العام متمتعة بالاستقلال المالي، بالخصوص على ضمان حسن سير السوق الحرة للكهرباء وضبط ولوج المنتجين الذاتيين إلى الشبكة الكهربائية الوطنية للنقل.

كما تتمثل المهام الرئيسية للهيئة بخصوص الولوج إلى الشبكات، في المصادقة على البرنامج متعدد السنوات لاستثمارات مسير الشبكة الكهربائية الوطنية للنقل وتتبع إنجازه؛ وعلى مدونة الشبكة الكهربائية الوطنية للنقل، التي يقوم بإعدادها مسير الشبكة الكهربائية الوطنية للنقل؛ وعلى مؤشرات الجودة التي يجب أن تستجيب لها الشبكة الكهربائية الوطنية للنقل فيما يخص السلامة والموثوقية والنجاعة؛ وعلى مدونة حسن السلوك المتعلقة بتدبير الشبكة الكهربائية الوطنية للنقل؛ وعلى مدونة حسن السلوك المتعلقة بتدبير الشبكات الكهربائية للتوزيع ذات الجهد المتوسط؛ وكذلك يُمكنها القانون من إبداء رأيها في شأن طلبات الترخيص المؤقت لإنجاز منشآت إنتاج الطاقة الكهربائية انطلاقا من مصادر الطاقات المتجددة وكذا طلبات الترخيص بإنجاز خطوط مباشرة للنقل.

ماهو سبب خلق هيئة وطنية لضبط الكهرباء؟ وهل ستستطيع الحفاظ على استقلاليتها؟

أوضح الأستاذ الجامعي ودكتور الفيزياء أمين بنونة، أنه بعدما تم تأميم قطاع الكهرباء منذ عام 1963، وذلك بتأسيس المكتب الوطني للكهرباء، غير أنه لم يكتمل إلا في عام 1970، لكن دخول مُنتِج من الخواص بشروط ميسرة سنة 1997 (Centrale Thermique Jorf Lasfar)، دفع بعملية معاكسة للتأميم.

وأضاف أمين بنونة في حديثه لـ”الأول”، أنه بين سنتي 1970 و1997، كانت الاستثناءات الوحيدة لاحتكار الدولة للمكتب الوطني للكهرباء هي استثناءات لبعض الشركات العمومية للانتاج “tiers nationaux”، بالإضافة إلى 12 إدارة محلية جماعية (منذ 1971)، ومن أجل التوزيع، فقد تمت خوصصة 4 من هذه الإدارات المحلية، منذ قانون اللاتمركز الإداري سنة 1996، الذي سمح للجماعات بتفويض خدمات توزيع الكهرباء.

ومهد القانون 13/2009الطريق، حسب ذات المتحدث، لإنتاج مستقل للكهرباء (Programme indépendant du plan solaire Marocain) من مصادر متجددة، والتي يمكن التفاوض على بيعها بحرية من خلال عقود شراء وتوريد الكهرباء (Power Purchase Agreement)، ونقلها عبر شبكة كهرباء الجهد العالي للمكتب الوطني للكهرباء، وهكذا، سمح القانون منذ 2013، بإنشاء مشاريع واسعة النطاق أنتجت في عام 2019 ما يقارب 20 ضعفا من طاقة الرياح التي أنتجت في عام 2000، من خلال التجارب الجنينية السابقة (مثل تجارب لافارج في تطوان وCIMAR في العيون).

وأكد بنونة أنه وبعد أن استطاع مستهلكو الكهرباء الكبار الاستفادة من الكهرباء الجيدة بتسعيرات منخفضة، مهد التعديل رقم 58/2015 الطريق أمام المستهلكين المتوسطين (متوسطي الجهد) وصغار المستهلكين (الجهد المنخفض) ليستطيعوا كذلك الاستفادة من نفس الخدمات.
لكن هذا يعني استقرار تنوع من الأدوار (المنتجون ، الناقلون ، الموزعون ، المستهلكون – المنتجون)، مما يزيد بشكل كبير عدد المشغلين وبالتالي يشكل تضاربا متباينا للمصالح، وهنا يتعين الالتزام بتحكيم منتظم وهو ما لن يتحقق إلا من قبل هيئة تنظيمية مستقلة.
إذن، وعلى غرار الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات (ANRT) ، فإن الدور الأساسي للهيئة الوطنية لضبط الكهرباء (ANRE)، هو ضمان وضعية المشتري الوحيد لدى (ONEE)، وقبل كل شيء، وضعية الاحتكارات المحلية للموزعين، وحتى لا تتم التضحية بمصالح المنتجين الذاتيين.

وفي رده على سؤال حول الكيفية التي ستضمن بها الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء، الشفافية وتكافؤ الفرص في الولوج لشبكة الكهرباء بالنسبة للمستغِلين، وكيفية حفاظها على استقلاليتها في القرار، قال الأستاذ بنونة “هناك بلا شك الكثير من الحلول لتحقيق هذا الهدف، ولكن ما هو مؤكد هو أننا لا نستطيع ضمان استقلالية صنع قرار الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء دون، أولا الاستقلال المالي، والذي من شأنه أن يفترض أن الوكالة الوطنية للطاقة المتجددة يجب أن يكون لها مواردها الخاصة بشكل مستقل عن الحكومة والمشغِّلين، والتي يمكن أن يكون تمويلها عن طريق ضريبة على الكهرباء المباعة في المغرب ( التي تبلغ حوالي 32 مليار كيلوواط ساعة في السنة)؛ ثانيا استقلالية العقول، التي تفترض على الأقل أن أعضاء المجلس يجب أن يكونوا قد استقالوا من جميع مناصبهم السابقة (على المستوى المهني والسياسي والجمعوي).

وفي جوابه عن سؤال مدى تأثير تعيينات أعضاء الهيئة على استقلاليتها وشفافيتها؟ وهل من الضروري أن يكونوا ذوي خبرات في مجال الطاقة والطاقة المستدامة والكهرباء؟ أم أن المسألة تختلف على مستوى الهيئة؟ قال بنونة “يبدو لي أن الحد الأدنى من المتطلبات من حيث المهارات البشرية ضروري لمثل هذه الهيئة المتخصصة، كما يبدو لي أن طريقة اختيار الكفاءات مناسب تماما، لكن هذا ليس كافيا لضمان الاستقلالية، فكما ذكرت سابقا، عند البحث عن مهارات في هذا المجال، فإن الموارد التي تتوفر بالفعل على خبرة طويلة هي التي اكتسبتها مع المشغلين المحليين، وإذا لم نقطع الحبل السري الذي يربطهم بمشغليهم فلن ننتهي من العمل”.

وبعيدا عن “البوليميك” الذي خلقته طريقة تعيين بعض أعضاء الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء، الذين تم اختيارهم من قبل رئيسي مجلسي البرلمان بالإضافة إلى رئيس الحكومة، تبقى عدد من الأسئلة المطروحة هنا، فمتى سيتم الإفراج عن القانون مشروع قانون رقم 40.19 الذي مزال حبيس البرلمان؟ وهل قطع أعضاء الهيئة “الحبل السري” بينهم وبين تنظيماتهم السياسية؟

 

التعليقات على على هامش “ضجة” الإعلان عن تشكيلة الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء.. كيف ستضمن شفافية قراراتها وهل قطع أعضائها “الحبل السري” مع تنظيماتهم السياسية والتشغيلية؟ مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

عمدة مدينة الرباط تتفاعل مع فضيحة “تلقي الرشوة” في امتحانات الكفاءة المهنية

وجهت فتيحة المودني، رئيسة المجلس الجماعي للعاصمة، مراسلة إلى فاروق مهداوي، المستشار الجماع…