لم يكن يدور في خلد صفاء، وهي تلميذة في وضعية إعاقة تتحدر من مدينة مراكش، أن اللغة الأجنبية المفضلة لديها على مدار سنوات، ستحكم على مستقبلها الدراسي بالفشل وستتسبب لها في اضطراب نفسي حاد. فبعد مشوار دراسي طويل لم يكن مفروشا بالورود، عانت فيه هذه الشابة التي تتلمس أولى خطواتها في الحياة وسط الظلام الدامس، أصبحت الآن تجر معها خيبة أمل كبيرة، بسبب ظروف اجتيازها مادة اللغة الألمانية، ضمن الاختبار الوطني الموحد لنيل شهادة البكالوريا دورة 2020.
تفاصيل القصة ترويها والدة صفاء لـ”الأول”، قائلة إنه في إطار الاستعدادات لاجتياز ابنتها امتحان البكالوريا هذه السنة، تقدمت الأسرة بطلب لدى المديرية الإقليمية للتربية والتكوين بمراكش من أجل اعتماد تلميذة تدرس في قسم أولى بكالوريا لترافقها في امتحان مادة اللغة الألمانية، لكن المدير الإقليمي رفض، لأن التلميذة التي اختارتها الأسرة لا تستوفي شروط ومواصفات المقرر الوزاري المنظم لامتحانات البكالوريا الذي يلزم أن يكون المرافق يتابع دراسته في الجدع المشترك وأن لا يتعدى عمره 16 سنة، مقترحا، مقابل ذلك، أن تتكلف المديرية بتعيين مرافق لهذه الشابة الكفيفة وفق ما ينص عليه القانون، وهو ما لم تقبله الأسرة، تؤكد والدة صفاء، قناعتها في ذلك أن جميع تلاميذ الجدع المشترك بالثانويات التأهيلية بمراكش، توقفت دراستهم مبكرا بسبب جائحة “كورونا”، وبالتالي فيستحيل لتلميذ لا يتجاوز سنه 16 سنة، بالكاد أمضى سويعات معدودات في تعلم لغة أجنبية أن يجيد قراءتها وكتابتها. لكن المدير الإقليمي وعدها في أعقاب لقاء مباشر جمعهما أواسط الشهر الفارط بأن يجد حلا لهذا الإشكال المطروح.
وهو ما شكّل بتاريخ فاتح يوليوز الجاري، أي يومين فقط قبل موعد الامتحان، موضوع اتصال هاتفي تلقته والدة صفاء من لدن مسؤولي المديرية، أخبروها من خلاله أنه تم تسوية الوضع، فاستبشرت خيرا وظنت أنه تم الموافقة على التلميذة التي اختارتها الأسرة من ذي قبل للاعتبارات التي ساقتها أمام المسؤول التربوي سالف الذكر وأخذا بعين الاعتبار تداعيات الجائحة على قطاع التعليم، لكن سرعان ما خاب ظنها بعد أن تلقت في اليوم الموالي لفاتح شهر يوليوز اتصالا من طرف مدير ثانوية “المغرب العربي”، يبلغها أنه تم العثور على تلميذة متفوقة من الجدع المشترك لترافق صفاء في اختبار مادة اللغة الألمانية، فوافقت الأسرة على مضض، سيما وأنه لم يكن أمامها أي خيار آخر.
“أمضت ابنتي ساعات في الجحيم خلال امتحان مادة اللغة الألمانية” تجزم والدة صفاء، موضحة في تصريح لموقع “الأول” أن ورقة الامتحان الخاصة بابنتها المُمتحَنة لم تتضمن سوى اسمها فقط، لأن التلميذة المرافقة لها لم تستطع قراءة نص اختبار “الباك” ولا أسئلته وهو ما يعني أن جميع مجهوداتها طيلة سنوات من التحصيل الجيد أصبحت في مهب الريح، لأن الرسوب سيكون مصيرها.
والدة صفاء وهي أستاذة تشتغل بإحدى المؤسسات التعليمية بالمدينة الحمراء، شددت ضمن تصريحها على أن مرافقة صفاء في “الباك” أخبرتها خلال الامتحان أنه استعصى عليها تجميع حروف اللغة الألمانية، وحينما أبلغت مدير مؤسسة “المغرب العربي” بذلك أجابها “خربشي شي حاجة وصافي.. غير ما تحطيش الورقة بيضا”. على حد تعبير الأم التي تؤكد أن ابنتها تلميذة متفوقة جدا بشهادة جميع أساتذتها في الثانوية وبدليل النقط العالية التي حصلت عليها على امتداد مسيرتها الدراسية، مشيرة في هذا الصدد إلى أنها نالت 15 كمعدل في الامتحان الموحد الجهوي لأولى بكالوريا، كما حصلت على معدل 19 في مادة اللغة الألمانية خلال الأسدس الأول، وبأنها حضّرت بشكل جيد لهذا الاستحقاق الوطني رغم ظروف الحجر الصحي الصعبة.
اتهامات العائلة لمسؤولي المديرية الإقليمية للتربية والتكوين بمراكش، ينفيها مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة مراكش آسفي، محمد الكريمي، مبرزا أن المديرية سلكت في إطار الالتزام بتطبيق المادة 53 من المقرر الوزاري الخاص بتنظيم امتحانات شهادة البكالوريا، وضمان تكافؤ الفرص بين مختلف المترشحين، كل السبل التي تسمح بها المساطر لتيسير اجتياز المترشحة صفاء للاختبارات، لافتا في تصريح لموقع “الأول” إلى أن التلميذة التي تم اعتمادها تعد من بين المتفوقين بالجدع المشترك آداب وعلوم إنسانية، بل وحاصلة على أعلى نقطة في مادة اللغة الألمانية بالفصل الذي تتابع فيه دراستها.
وتنص المادة 53 المذكورة على أنه “في حالة تعذر كتابة أسئلة الامتحان بطريقة برايل أو الإجابة بنفس هذه الطريقة، تعين المديرية الإقليمية مرافقا للمترشح المكفوف وكذا للمترشح في وضعية عجز حركي دائم، وذلك للقيام بمهمة كتابية للأجوبة على أسئلة الاختبار. ويشترط في المرافق أن يكون سنه أقل من 16 سنة وألا يتجاوز مستواه الدراسي الجدع المشترك، مع الإدلاء لزوما بشهادة مدرسية حديثة تحمل صورته وتثبت مستواه الدراسي. ويمنح للمرافق ترخيص مكتوب يحمل صورة هذا الأخير ويكون موقعا من طرف المدير الإقليمي”.
فرع المنارة مراكش للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، دخل من جهته على خط هذا الملف، مطالبا في مراسلة إلى كل من سعيد أمزازي، وزير التربية الوطنية وأحمد الكريمي، مدير أكاديمية مراكش آسفي، بالتدخل لرفع “التمييز والإقصاء” الذي طال التلميذة صفاء، خلال اجتيازها امتحان البكالوريا، معتبرا ما وقع للمعنية بالأمر “إقصاء ممنهج وتكريس للتهميش والحيف الذي يعانيه الأشخاص في وضعية إعاقة”.
بعد إقالة العامل.. فيدرالية اليسار: تمارة تحولت إلى بؤرة للفساد والنهب والاغتناء غير المشروع لبعض رجال السلطة والنافذين
قالت فيدرالية اليسار الديمقراطي، إن تمارة تعرف وضعا اجتماعيا وصفته بـ “المقلق”…