أكد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي ناصر بوريطة، اليوم الاربعاء بنيويورك أن عودة المغرب إلى أسرته المؤسسية الإفريقية في يناير2017، قرار مسؤول لا تحكمه الانتهازية ولا النفعية، بل توج مسارا استراتيجيا على أساس رؤية ملكية سديدة تجسد التمسك والاعتزاز بالانتماء لإفريقيا.
وقال بوريطة في كلمة أمام الدورة 72 للجمعية العامة للأمم المتحدة ” إن عودة المغرب إلى أسرته المؤسسية الإفريقية في يناير2017، قرار مسؤول لا تحكمه الانتهازية ولا النفعية. إنه قرار تاريخي توج مسارا استراتيجيا على أساس رؤية ملكية سديدة تجسد التمسك والاعتزاز بالانتماء لإفريقيا كما عبر عن ذلك صاحب الجلالة نصره الله في كلمته خلال القمة 28 للاتحاد الافريقي، حيث قال: “إفريقيا قارتي، وهي أيضا بيتي”.
وشدد الوزير على أن المغرب سيواصل بنفس القناعة والعزيمة والإرادة، تحمل مسؤولياته داخل الاتحاد الإفريقي، كعضو مؤسس للمنظمة الأم، منظمة الوحدة الإفريقية، وكشريك ملتزم وحيوي ونشيط “لم يبخل يوما عن القارة الإفريقية في شيء، بل ظل يحمل قضاياها وهمومها داخل المنظمات والمنتديات الدولية والإقليمية، ويحرص على خدمة مصالحها وتحقيق طموحاتها وأهدافها”.
واستحضر في هذا السياق الخطاب الذي ألقاه الملك محمد السادس بمناسبة تخليد ثورة الملك والشعب في 20 غشت 2016 حينما أكد ” فنحن لا نعتبر افريقيا سوقا لبيع وترويج المنتوجات (المغربية)، أو مجالا للربح السريع، وإنما هي فضاء للعمل المشترك، من أجل تنمية المنطقة وخدمة المواطن الافريقي”.
ومن هذا المنطلق، يضيف بوريطة، جعلت المملكة المغربية، بناء على رؤية الملك محمد السادس خلال العقدين الأخيرين، من التعاون جنوب – جنوب أحد أسس سياستها الخارجية على اعتبار أن هذا التعاون ، في منظور الملك، ورش طموح وواعد ومحور أساسي في التعاون الدولي ورافعة أساسية للتنمية المستدامة والأمن والاستقرار في القارة.
وأبرز أن النموذج المغربي اعتمد على مقاربة واقعية تروم تطوير شراكات مبتكرة ومثمرة، فعالة ومنفتحة، مسخرا لذلك وسائل بشرية ومادية ومعرفية وتقنية هامة لمواكبة جهود البلدان الإفريقية في بناء اقتصادات متينة.
وأضاف الوزير أنه بناء على هذه الرؤية، عمل المغرب على إطلاق مشاريع مهيكلة للتعاون والشراكة مع العديد من الدول الإفريقية، بهدف دعم النمو والاندماج الاقتصادي وخلق الثروة وفرص الشغل وضمان الأمن الغذائي، وتعزيز التنمية البشرية، حيث أصبح أول مستثمر إفريقي بإفريقيا الغربية وثاني مستثمر في القارة بأكملها.
وسجل بوريطة أن الزيارات المتوالية للملك إلى الدول الإفريقية جسدت الإرادة القوية للمملكة المغربية لتعزيزعلاقات الصداقة العريقة التي تجمعها بها، والتي كانت دائما مبنية على أساس الاحترام المتبادل والتعاون المثمر في خدمة التطلعات والمصالح المشتركة لتحقيق اندماج إقليمي إفريقي.
وأكد أن المغرب سيعمل على المساهمة بإيجابية وفعالية في النقاشات الجارية حول إصلاح الاتحاد الافريقي وتطوير منظومة وأساليب عمله لرفع التحديات متعددة الأبعاد التي تواجه القارة كما سينخرط بقوة في الجهود المبذولة لجعل الاتحاد شريكا قويا لمنظمة الأمم المتحدة.
وفي معرض تطرقه للوضع في منطقة المغرب العربي، سجل بوريطة أن هذه المنطقة ما زالت تعيش وضعية صعبة من جراء انعدام التنسيق السياسي وضعف الاندماج الاقتصادي وهشاشة التعاون الأمني في سياق تفاقم الأزمة الليبية وتزايد التهديدات الأمنية.
وأضاف أن “هذا الواقع يسائل الأطراف التي ما تزال متشبتة بمنطق متجاوز هدفه الوحيد الإبقاء على خلافات موروثة عن حقب سابقة كتلك المتعلقة بالصحراء المغربية”.
وشدد على أنه “إذا كان المنتظم الدولي يشجع على حل سياسي مبني على التوافق والواقعية، وإذا كانت المبادرة المغربية للحكم الذاتي تحظى بدعم متزايد من طرف المجموعة الدولية كمقترح جدي وواقعي وذا مصداقية، فإنه يتعين على الأطراف الأخرى في هذا الخلاف الإقليمي أن تتحمل مسؤوليتها، وتتخلى عن ازدواجية الخطاب، وتنخرط بجدية وروح بناءة في المسلسل السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة”.
وجدد الوزير التأكيد على استعداد المغرب لمواصلة العمل، بكل صدق وعزيمة، مع السيد الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي الجديد السيد هورس كولر، من أجل التوصل إلى تسوية سياسية نهائية في إطار سيادة المملكة المغربية ووحدتها الترابية وعلى أساس مبادرة الحكم الذاتي.
وأبرز أن المغرب يواصل، بالموازاة مع ذلك، جهوده من أجل تفعيل النموذج التنموي بأقاليمه الجنوبية وتطبيق نظام الجهوية الموسعة بشكل يكفل لسكان الصحراء المغربية التدبير الذاتي لشؤونهم المحلية في مناخ من الديمقراطية والاستقرار والتنمية المندمجة، وتحصين منطقة غرب الشمال الإفريقي من مخاطر الانفصال والبلقنة والتطرف والإرهاب الدولي.
وأعرب بوريطة، في هذا الصدد، عن الأسف للوضعية المأساوية لساكنة مخيمات تندوف، مجددا مطالبة المجتمع الدولي من أجل الضغط على البلد المضيف قصد احترام التزاماته الدولية والسماح للمفوضية السامية للاجئين بتسجيل وإحصاء هذه الساكنة تنفيذا لقرارات مجلس الأمن الدولي واستجابة لنداءات الأمين العام للأمم المتحدة.
كما جدد تأكيد التزم المغرب بصدق بتعهداته المتعددة الأطراف، وانخرط بروح بناءة لإيجاد الأجوبة المناسبة لقضايا شاملة مطروحة بحدة على المجتمع الدولي، مبرزا أن تقلد المملكة لثلاث مسؤوليات هامة مرتبطة بقضايا مكافحة الإرهاب والتطرف، والهجرة، والتغيرات المناخية الا تجسيدا للثقة التي يحظى بها لدى المنتظم الدولي وشركائه على السواء.
وبخصوص القضية الفلسطينية، أكد الوزير دعم المغرب للسلطة الفلسطينية، مشيرا الى أن المملكة التي يرأس عاهلها، الملك محمد السادس، لجنة القدس المنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي، تجدد رفضها لكل الإجراءات الإسرائيلية التي تهدف إلى تغيير الوضع التاريخي والقانوني للأماكن المقدسة في المسجد الأقصى والحرم القدسي، وتدعو مرة أخرى إلى تحرك دولي لحمل السلطات الإسرائيلية على وقف هذه الممارسات.