مرت سنة منذ اعتقال ناصر الزفزافي، قائد “حراك الريف”، الذي اعتقل في الساعات الأولى من فجر يوم 29 ماي 2017 بالحسيمة، كما عرف ذات الأسبوع من نفس السنة اعتقال عدد كبير من نشطاء “الحراك” بالحسيمة، وكان أبرزهم 53 معتقلا تم نقلهم إلى السجن المحلي عين السبع المعروف ب”عكاشة”، في مدينة الدار البيضاء عقب التحقيق معهم لدى الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، وإحالتهم بأمر من الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء على غرفة الجنايات، لتنطلق واحدة من إكبر المحاكمات التي شهدها مغرب ما بعد 2011.
وانطلقت حملة الاعتقالات عقب خروج احتحاجات قوية وحاشدة، بعد انتشار خبر صدور أمر باعتقال الزفزافي بتهمة عرقلة شعيرة دينية يوم الجمعة 26 ماي 2017، عندما انتشر فيديو “تاريخي” للزفزافي وهو يصرخ محتجا في وجه إمام مسجد بالحسيمة انتقد الحراك في خطبة الجمعة، حيث خرج الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالحسيمة، في بلاغ، قال فيه إنه أمر بفتح بحث في هذا الموضوع ، وذلك “على إثر إشعار هذه النيابة العامة بإقدام الزفزافي بمعية مجموعة من الأشخاص أثناء تواجدهم داخل مسجد محمد الخامس بالحسيمة، على عرقلة حرية العبادات وتعطيلها أثناء صلاة الجمعة”، وزاد البلاغ المذكور بأن الزفزافي “أقدم على منع الإمام من إكمال خطبته، وألقى داخل المسجد خطابا تحريضيا أهان فيه الإمام، وأحدث اضطرابا أخل بهدوء العبادة ووقارها وقدسيتها، وفوت بذلك على المصلين صلاة آخر جمعة من شهر شعبان”وكان هذا البلاغ سببا في إنطلاق احتجاجات لم تتوقف لشهور في الحسيمة والناظور وإيمزورن وعدد من المناطق المجاورة.
وفوجئ المتتبعون بأن حملة الاعتقالات طالت العديد من قيادات ورموز” الحراك”، أبرزهم نبيل أحمجيق الملقب بـ”دينامو الحراك”، والحبيب الحنودي “الملقب بـ”حكيم الحراك”، ومحمد جلول وسيليا الزياني التي تم الإفراج عنها بعد ذلك بعفو ملكي، كما لم يكن من المتوقع أن يتم توجيه إليهم تهم ثقيلة من قبيل “المس بسلامة الدولة الداخلية، وتسلم مبالغ مالية لتيسير نشاط ودعاية من شأنها المساس بوحدة المملكة وسيادتها وزعزعة ولاء المواطنين للدولة المغربية ولمؤسسات الشعب المغربي، والتحريض ضد الوحدة الترابية للملكة وجرائم أخرى يعاقب عليها القانون الجنائي، كما لم يكن من المتوقع أن تطال حملة الاعتقالات في ذلك الأسبوع أزيد من 100 ناشط أحيل 53 منهم على محكمة الاستئناف بالدار البيضاء فيما تمت متابعة البقية بمحكمة الحسيمة.
لماذا نقلوا إلى الدار البيضاء؟ وكيف؟
عقب انطلاق حملة الاعتقالات التي طالت العديد من نشطاء الحراك بالحسيمة، حركت الغرفة الجنائية بمحكمة النقض فصل الإحالة من أجل المصلحة العامة في ملف معتقلي “حراك الريف”، ليتم سحب الدعوى من عند قاضي التحقيق بمحكمة الإستئناف بالحسيمة وإحالته على الوكيل العام للملك بالدار البيضاء.
ويأتي اللجوء إلى هذالفصل 272 من قانون المسطرة الجنائية الذي يوصف بالاستثنائي، في الحالات التي تستوجب الحفاظ على الأمن العمومي وتفادي وقوع إخلال بالسير العادي للمحاكمات.
وتنص هذه المادة على أنه «يمكن للغرفة الجنائية بمحكمة النقض، بناء على ملتمس من الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض وحده، أن تأمر بالإحالة من أجل الأمن العمومي. ويمكن أيضاً لنفس الغرفة، بناء على ملتمس من الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض أو من الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف المعنية، تلقائياً أو بناء على طلب الأطراف، أن تأمر بالإحالة لتحقيق حسن سير العدالة، بشرط ألا ينتج عن ذلك أي ضرر يعرقل ظهور الحقيقة أو يمس بممارسة حقوق الدفاع…».
وتم نقل معتقلي “حراك الريف” إلى مدينة الدار البيضاء، على مجموعات، بعد أن تم الاستماع اليهم بشكل تمهيدي بولاية أمن الحسيمة، حيث أنجزت لهم محاضر، اعتبرت حينها بـ”الخطيرة”، خصوصا أن غالبية الاسئلة التي وجهت للمعتقلين تتعلق بعلاقتهم بأجندات خارجية وتلقي أموال من جهات معادية للمغرب، إضافة إلى السعي إلى نشر الفتنة وزعزعة استقرار المغرب، وهو ما جاء، في وقت سابق، في بلاغ لوكيل الملك بمحكمة الاستئناف.
ونقل بعض المعتقلين عبر طائرة “هيلوكبتير” إلى الدار البيضاء فيما نقل الأغلبية عبر سيارات الشرطة، من جهته قال الحسن مطار الوكيل العام للملك لدى محكمة الإستئناف بالدار البيضاء، أنذاك إن الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء قدمت أمامه أشخاص يشتبه في ارتكابهم الأفعال موضوع بلاغ الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالحسيمة المؤرخ في 27 ماي 2017، وأمر قاضي التحقيق فيما بعد اعتقال المعتقلين احتياطيا وإيداعهم بالسجن المحلي عكاشة بالدار البيضاء مع تمتيع ثلاثة بالسراح المؤقت.
ورافقت هذه الخطوات انطلاق موجة من التضامن على الصعيد الوطني والدولي، ولعل أبرزها كان هو تشكيل “لجنة دعم معتقلي حراك الريف بالدار البيضاء”، والتي جاءت عقب جمع عام لحقوقيين ونشطاء في العاصمة الاقتصادية، وكذلك كانت أبرز الأشكال الاحتجاجية هي المسيرة الحاشدة بالرباط بتاريخ 11 يونيو 2017.
انطلاق الجلسات وقرار ضم ملفات المجموعتين بالإضافة إلى المهداوي
انطلقت أولى جلسات محاكمة معتقلي “حراك الريف يوم الثلاثاء 12 شتنبر، وقرر قاضي التحقيق في محكمة الاستئناف في مدينة الدار البيضاء، بتاريخ 29 غشت 2017، إحالة الدفعة الأولى من قادة “الحراك” والتي عُرفت حينها بمجموعة “أحمجيق ومن معه ”، البالغ عددها 21 شخصا، على غرفة الجنايات الابتدائية للشروع في عقد جلسات المحاكمة، وبقيت المجموعة الثانية التي تضم 32 متابعا يُطلق عليها اسم مجموعة “الزفزافي ومن معه”، تنتظر قرار قاضي التحقيق، ليحدد تاريخ أولى جلسات مجموعة “أحمجيق ومن معه” يوم 12 شتنبر2017 فيما عقدت أولى جلسات مجموعة “الزفزافي ومن معه” يوم 24 أكتوبر 2017.
وقررت هيأة الحكم برآسة القاضي علي الطرشي يوم الخميس 2 نونبر 2017، ضم الملفات عدد 1385/2610/2017 الخاص بمجموعة نبيل أحمجيق والملف عدد 1387/2610/2017 الخاص بالصحافي حميد المهداوي، والملف عدد 1629/2610/2017 الخاص بمجموعة ناصر الزفزافي، فيما قررت النيابة العامة يوم الثلاثاء 07 نونبر 2017 أولى جلسات محاكمة نشطاء الحراك في ملف واحد والذي يضم 54 متهما، بينهم 50 معتقلا وأربع في حالة سراح.
وخلفت حينها قضية ضم ملف المهداوي مدير موقع “بديل” المتوقف عن الصدور إلى باقي المتابعين انتقادات من هيئة دفاع المعتقلين، ويتابع المهداوي بتهمة عدم التبليغ بالمس بأمن الدولة عقب مكالمة هاتفية جمعته بأحد النشطاء المتواجدين بأوروبا هدد خلالها بإدخال أسلحة إلى المغرب، حسب محاضر المتابعة.
نقط خلافية أثيرت منذ بداية الجلسات
عرفت جلسات معتقلي الحراك مناقشة عدة نقط تسببت في خلافات، وتشنجات، تارة بين هيئة دفاع المعتقلين وبين النيابة العامة، وتارة بين المحامون وبين والقاضي، وتارة بين محامو النشطاء ومحامو الطرف المدني، وكانت أبرز النقط التي كان فيها خلاف هي التصوير أثناء الجلسات، والكاميرات المثبتة داخل القاعة، والقفص الزجاجي الذي يتواجد فيه المعتقلون.
وشهدت أولى جلسات المحاكمة احتقانا شديدا بين النشطاء والقاضي علي الطرشي، انتهت بطرد قائد الحراك “ناصر الزفزافي” من المحكمة، وانسحاب باقي المعتقلين احتجاجا على قرار القاضي، جاء هذا بعد امتناع المعتقلين عن المثول في القفص الزجاجي أثناء المناداة عليهم، واعتبر دفعاهم القفص الزجاجي غريب عن المحكمة ويسيء للقضاء المغربي، رافضين استمرار وضع المعتقلين داخله.
كما عرفت الجلسات الأولى نقاشا مستفيضا ومطولا حول الكاميرات المثبتة وحول نقل أطوار الجلسة بشكل مصور وحول القفص الزجاجي، واستمر هذا الجدل القانون المرفوق بتوجس وعلامات استفهام من طرف هيئة دفاع معتقلي “حراك الريف”، كما اعترض ناصر الزفزافي على وجود الكاميرات داخل القاعة، مذكرا بأنه وبعد تصويره “عاريا” في فيديو، ونشره أصبحت له عقدة من الكاميرات، كما رفض تصوير الجلسات من قبل القنوات الرسمية، لتقرر المحكمة لاحقا بالإبقاء على الكاميرات وعلى القفص الزجاجي ومنع القنوات والإذاعات والجرائد والمواقع من التصوير أثناء انعقاد الجلسات.
دخول الزفزافي في إضراب عن الطعام تحت شعار “اللاعودة”
قبل أيام أعلن ناصر الزفزافي قائد “حراك الريف” عن دخوله في إضراب عن الطعام تحت شعار “اللاعودة”، حتى النظر في الوعود التي أعطيت له لتجميعه مع أصدقائه، بعد قضائه ما يقارب السنة في الزنزانة الإنفرادية، وانظمت عائلته فيما بعد التي أعلنت عن ذلك عبر فيديو في الفيسبوك،
وتظل أبرز الخطوات التي طبعت مسار هذه المحاكمة هي الإضرابات الطعامية، فطيلة هذه المدة قام المعتقلون بإضرابات متعددة بشكل فردي وأحيانا بشكل جماعي ولعل أبرز تلك الإضرابات هي التي دخل فيها رفاق الزفزافي في شتنبر واكتوبر من السنة الماضية، والذي أزيد من 30 يوما، احتجاجا على معاملة إدارة السجون لهم.
الملف إلى أين؟
ينتظر متتبعون أن تنتهي المحاكمة في الشهرين القادمين، بحيث أنها صارت في أشواطها الأخيرة بعد الإنطلاق في استجواب الشهود، وربط عدد من المهتمين محاكمة النشطاء في الدار البيضاء، بالمحاكمات التي عرفتها الحسيمة، وتوقع عدد منهم أن تكون الأحكام جد قاسية في حق قيادات “الحراك”.
وشهد الملف عدة مبادرات تهدف لإيجاد حل خارج أسوار المحاكم، لعل أبرزها كان قد قادها كل من رجل الإشهار المقرب من القصر نورالدين عيوش، والفاعل الجمعوي كمال لحبيب، في اتجاه إيجاد انفراج بخصوص الأزمة القائمة في الريف، وقد كانت أولى الخطوات هي زيارة قادة “الحراك” ناصر الزفزافي محمد جلول، نبيل أحمجيق، محمد المجاوي، محمد الأصريحي، الحبيب الحنودي، بسجن عكاشة بالدار البيضاء،
وكان الحوار يتمحور أساساً حول إيجاد صيغة لتقديم عرض ينهي الأزمة الحالية، من جهة يحفظ كرامة نشطاء “الحراك” في الريف، وفي نفس الوقت هيبة الدولة، لكن المبادرة باءت بالفشل ولم تنتج أي حل يذكر.
بالإضافة إلى مبادرة قادها مجموعة من الحقوقيين في إطار ماعرف ب”المبادرة المدنية لحل أزمة الريف”، من أهم أسماءها صلاح الوديع، لكنها كذلك لم تسفر عن أي نتيجة تنهي الاحتقان الذي خلفه اعتقال قادة “الحراك” في عكاشة.
عمدة مدينة الرباط تتفاعل مع فضيحة “تلقي الرشوة” في امتحانات الكفاءة المهنية
وجهت فتيحة المودني، رئيسة المجلس الجماعي للعاصمة، مراسلة إلى فاروق مهداوي، المستشار الجماع…