عبد الرحمان اليوسفي لا تستطيع كلمة “الخيانة” الاقتراب منه
عبد الكبير طبيح*
خرج أحدهم، بعدما افاق من النوم بعد منتصف النهار، يحمل في يده كلمة “خيانة” متخيلا أن يصعد بها الجبل ليضعها فوقه ربما يراه الناس، عندما يصبحون على رؤية ذلك الحبل.
التفت فوجد نفسه في الأسفل، لا يكاد يراوح مكانه.
تفتقت مخيلته فصاح، يريد الظهور بإسماع صوته للناس، بترديد اسم الجبل، ثم تنبه كون كلمة “الخيانة” لازالت لصيقة بيده وترفض مغادرته وهي تقول له أنا هي أنت.
نظر الى المرآة فرأى نفسه فانتابه الفزع تم بصق عليه.
“الخيانة” تعني بيع الوطن و وضعه في الدرجة التالية بعد المصالح الشخصية و الذاتية.
الوحيد الذي يحق له أخلاقا ويمتلك حق إصدار حكم هو المؤرخ، العالم المتمكن، والمشارك في الحياة العامة، والحاضر في تاريخ بلده، الذي لم يتهرب من وضع يده في العصيدة عندما كانت ساخنة.
هل يحق لمن لم يكن له موجودا، و لم يكن له صوت، في زمن الجمر الذي طوى بشدته جيلا بكامله، أن يتكلم عن الرحمان اليوسفي.
أين كان ولماذا لم يسمع له صوت في ذلك الزمن، فقط صوت الجبل الذي بنيت على ظهره و ظهر رفاقه، قواعد الحرية التي يحتمي بها اليوم، بل لم يسمع له أنه نسب الخيانة لأحد آنذاك، لأنه اختار الصمت، و الصمت زمن الكلام خيانة. وظن أنه أستاذ في القيم و التقييم، مع فراغ ما يقول ويكرر.
عبد الرحمان اليوسفي، لعلم حامل كلمة “الخيانة”، هو مؤسس من مؤسسي الديموقراطية اليوم التي سمحت له بان يتكلم، ويحاضر، وتروج صورته في شبكات التواصل الاجتماعي، بينما لازالت كلمة “الخيانة” تحرق يده. لأنه لن يستطع وضعها إلى جانب اسم يكبر عليه و يتمنع من الاقتراب منه.
لتحكم على الرحمان اليوسفي يجب أن تسأل العارفين، ليخبروك أنه هو من قرر المطالبة بإلغاء ظهير 1935 حيث طلب من الفريق الاشتراكي في الفترة البرلمانية 1993-1997 أن يقدم مقترحا بإلغاء ذلك الظهير الذي أطلق عليه ظهير كل ما من شأنه..
ولقد تشرفت بتقديم ذلك المقترح أمام لجنة العدل بمجلس النواب في تلك الفترة وهي اللجنة التي أجمعت كل أحزاب الأغلبية و بعض احزاب المعارضة أنذاك على رفض إلغاء ذلك الظهير. الى أن فوجئ الجميع بتدخل وزير العدل السابق الأستاذ الجليل مشيش العلمي الذي أعلن في تلك الجلسة كلمته المدوية في التاريخ، إذ قال “باسم حكومة صاحب الجلالة نوافق على مقترح الفريق الاشتراكي القاضي بإلغاء ظهير 1935.”
لم يسمع لك صوت آنذاك .
عبد الرحمان اليوسفي، كذلك، طلب من الفريق الاشتراكي أن يقدم مقترحا فريدا في تاريخ المغرب، وهو مقترح قانون العفو الشامل على كل الأشخاص الذي حوكموا في سنوات الجمر، وكلفت آنذاك بالاتصال بالمرحوم محمد البشيري العضو البارز في جماعة العدل و الاحسان، لمعرفة اسماء المعتقلين أو المحكوميين الإسلاميين في تلك الفترة ليشملهم مقترح قانون العفو، كما كلف أعضاء آخرين من الفريق بالاتصال بكل فصائل اليسار لنفس الغاية. و اجتمعت مع المرحوم رفقة الأستاذ عبد اللطيف الحاتمي وسلمني لائحة لجميع الأشخاص المعتقلين أو المحكومين في تلك الفترة.
وبعد ذلك أصدر جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله عفوه الخاص الذي شمل كل المعنيين بتلك الفترة و أمر بتسوية وضعيتهم المالية والإدارية بأثر رجعي.
عبد الرحمان اليوسفي، اقنع حزب الاتحاد الاشتراكي بالمشاركة في تدبير الشأن العام بعدما أعلن المرحوم الحسن الثاني في قلب البرلمان أن المغرب مهدد بالسكتة القلبية. وكان يعلم كما كان كل الاتحاديات و الاتحاديون يعلمون، بأن المشاركة في الحكومة سيؤدي الحزب عنها ثمنا غاليا، فقال عبد الرحمان اليوسفي، الوطن أولا.
عبد الرحمان اليوسفي، عندما طرحت عليه إشكالية صندوق التقاعد، لم يمد يده إلى جيوب المواطنين و لم يقرر زيادة في الاسعار و لم يقلص من صندوق المقاصة، وإنما مدها إلى جيوب الدولة، و اقتص منها ما يزيد على 10 مليارات درهم لتسوية الأزمة الخانقة التي كانت ستحصل في صناديق التقاعد و أنقذ آنذاك وضعية التقاعد بالنسب لكل المغاربة.
عبد الرحمان اليوسفي نفذ اتفاق فاتح غشت مع النقابات وهو الاتفاق الذي ابرمته الحكومة السابقة لحكومة التناوب معهم بمبالغ جد كبيرة، إلى درجة أن وزير المالية آنذاك رفض التوقيع عليه لأنه كان يعتقد أن ميزانية الدولة لا تستطيع تنفيذه.
لكن حكومة عبد الرحمان اليوسفي نفذته بكامله، وسوت وضعية كل الموظفين التي كانت مجمدة طيلة سنين.
عبد الرحمان اليوسفي نفذ كذلك اتفاق فاتح محرم الذي كان نتيجة الحوار الاجتماعي الذي دفع الى مأسسته، لتصبح اجتماعاته منتظمة كل سنة مثل ما يقع في الدول الديموقراطية.
عبد الرحمان اليوسفي راجع كل القوانين المتعلقة بالحريات العامة والخاصة، من أجل توسيعها وجعلها متلائمة مع المعايير الدولية. و هي القوانين التي مكنت حامل كلمة “الخيانة” أن يكون له اليوم فم يفتحه وصوت يسمع.
عبد الرحمان اليوسفي اقتحم أهم وأخطر القضايا المجتمعية وهي قضية حقوق المرأة التي تم إخراج، ضدا عنها، ما يعرف بمسيرة الدار البيضاء للاحتجاج عليه بإيعاز من جيوب المقاومة الحقيقيين.
بينما لم يسمع لحامل كلمة “خيانة” أي صوت، فقط, وليس موقف.
عبد الرحمان اليوسفي، لم يلغ صندوق المقاصة الذي هو صندوق يحمي الفقراء وإنما حرص على إرغام الشركات التي تستفيد منه أن ترجع للدولة، مقابل ما استفادت منه، مثل الشركات التي تستعمل مادة السكر المدعم مثلا. وحصل منها مبالغ مهمة ضخت في ميزانية الدولة.
لم يسمع لك صوت حول الخيانة آنذاك.
عبد الرحمان اليوسفي تمسك بقوة باللائحة الوطنية للنساء، ليمكن المرأة من الدخول للبرلمان رغم اعتراض الجميع.
ولم يسمع لك صوت،ولم تلصق تهمة الخيانة بمن كانوا يعترضون.
عبد الرحمان اليوسفي هو الذي كان ضحية للبلوكاج و الانقلاب الحقيقي على ارادة المواطنين عندما حصل الاتحاد الاشتراكي على المرتبة الاولى بعد انتخابات 2002 فتجمع كل من حزب العدالة والتنمية وحزب الاستقلال و أحزاب اخرى وشكلوا قطبا برلمانيا ضد الاتحاد الاشتراكي مما دفع بالملك إلى تعيين شخصية تقنية، هو إدريس جطو.
لم يسمع لحامل كلمة “الخيانة” صوت آنذاك فقط، و ليس موقف.
هل نستدعي الحياء ليرد على من لازالت كلمة “الخيانة” لم تبرح يده لأنها عشقتها عشقا مستديما.
أما عبد الرحمان اليوسفي فهو غير آبه بمن يحاول التسلق فيه.
إنه الجبل الشامخ في تاريخ هذا البلد. لأنه آمن بكون القافلة سارت و..
أنظر إلى المرآة و…
* قيادي بالاتحاد الاشتراكي