المصطفى المعتصم
لسنا في حاجة إلى مختصين كبارا في علم النفس أو الاجتماع ليؤكدوا لنا أن الفوضى الأخلاقية والقيمية والزيادة المطردة لحالات الانتحار والارتفاع المهول لمعدلات جريمة ولحالات العنف ضد الأصول والاغتصاب و”التشرميل” والقتل لأتفه الأسباب والدعارة وانتشار المخدرات والتطرف والقابلية للإرهاب ما هي سوى مؤشرات على أن السواد الأعظم من المغاربة يشعرون بالإحباط والغضب وينتابهم الاحتقان. وانظروا إلى ما أصبح يتصدر يوميا مانشيطات صحفنا المكتوبة والإليكترونية وأخبار إعلامنا السمعي والبصري من قبيل: وحش يغتصب رضيعة، أب يمارس الجنس مع طفلتيه، شاب ينحر والديه من الوريد إلى الوريد، شاب يعتدي جنسيا على أمه… لنقف على حجم القلق والاضطراب داخل مجتمعنا وكمؤشرات على توجه المجتمع نحو الانتقام من الذات الجماعية. وهذا أكبر دليل على أن شيئا ما لا يسير كما يجب أو كما كان يأمل المجتمع .
التوتر و العنف، يطالان أيضا زبدة المجتمع أي: النخب، خصوصا النخب السياسية. حيث أصبحت الملاسنات والقذف والسب وتجاوز كل حدود الأدب واللياقة وكل الخطوط الحمراء التي ترسمها القيم والأخلاق المؤسسة للاجتماع عملة رائجة بينهم عند ظهور أولى بوادر الخلاف والاختلاف حول قضية من القضايا. فمن يصلح الملح إذا الملح فسد؟
فما هي الأسباب التي أدت إلى كل هذا الاحتقان والتوتر الذي يسود الشارع والمجتمع المغربي؟
بالعودة إلى 20 فبراير 2011، سنجد أن الحراك الذي عرفه الشارع المغربي آنذاك قد جاء في سياق تدهور المؤشرات التنموية والحقوقية والاقتصادية والسياسية وتراجعها وانعكاس ذلك على المجتمع المغربي. ولقد فاجأ هذا الحراك العديد من المراقبين وحتى المسؤولين بقوته وعنفوانه ومستوى الوعي والانضباط الذي عبر عنه الشارع. ويحسب للمغرب أنه نجح في تفادي “الفوضى الهدامة” التي اجتاحت المنطقة العربية والإسلامية لعدة أسباب من بينها المرونة التي أبداها النظام السياسي المغربي في التعامل مع مطالب الشارع كإصلاح الدستور وإطلاق سراح بعض المعتقلين السياسيين وإجراء انتخابات شهد الجميع بارتفاع منسوب النزاهة فيها وتنصيب رئيس الحكومة من الحزب الذي فاز بأكبر عدد من المقاعد في الغرفة الأولى.
ولقد انتاب المغاربة، على اختلاف مرجعياتهم الفكرية والأيديولوجية وانتماءاتهم السياسية، بعد هذه الاصلاحات، شعور بالاطمئنان الممزوج بالرغبة في تحقيق المزيد من التراكمات الضرورية في الدرب الطويل والشاق ولكنه الدرب الوحيد الصحيح الموصل إلى شط الأمان أي درب التحول إلى الديمقراطية وتحقيق الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
فكيف تبدو الصورة للمغاربة بعد مرور ست سنوات من وضع دستور جديد للمملكة وهل هناك رضا عن كيفية تنزيله ورضا على مستوى المنسوب الديمقراطي ببلادنا وهل هناك اطمئنان إلى كيفية تدبير إكراهات وانتظارات المغاربة على مختلف المستويات وفي مقدمتها المسألة الاجتماعية؟
قد لا نبالغ إذا قلنا أن هناك اليوم إحساس متنامي بين المغاربة بأن الأمور لا تسير في الاتجاه الذي كانوا يأملونه. فهم اليوم أقل تفاؤلا مما كانوا عليه بعد استحقاقات 25 نونبر 2011. فثمة تراجع مهول للقدرة الشرائية لدى المواطنين وانكماش أو تقلص الطبقة الوسطى وتراجع المؤشرات الحيوية للتنمية كالتعليم والصحة العموميين وانتشار البطالة لدى الفئات الشابة وخصوصا أصحاب الشواهد العليا واستمرار مظاهر الفقر والهشاشة و هناك تراجع للحريات حيث يسجل الاعتماد المتزايد لـ”القبضة الأمنية” في التعامل مع “المخالفين” وفي معالجة بعض المظاهر الاحتجاج السلمي… وهناك تنامي ظاهرة التطرف والقابيلة لتبني العنف والتوسل بالإرهاب. ولكن أخطر يبقى اهتزاز الثقة العملية السياسية الجارية وفي قدرة النخب السياسية على إخراج البلاد من الورطة التي تعيشها وفي بلورة الحلول للمشاكل التي تعيق تطور ونمو المجتمع. ويزيد استمرار غياب الحكومة أو ما أصبح يصطلح عليه “بالبلوكاج الحكومي” الطين بلة حيث يستعصي هذا الأمر على فهم المغاربة ولم يعودوا يستسيغونه خصوصا أمام كل هذه المشاكل والأزمات التي تحاصرنا وأمام التطورات التي تعرفها قضية وحدتنا الترابية وفي سياق السياسة المغربية الجديدة اتجاه إفريقيا. باختصار شديد هناك خوف متزايد لدى الكثيرين مما قد يخبئه المستقبل لبلادهم من مفاجآت غير سارة وتخوف من أن تكون بلادهم مقبلة على الأسوأ لا قدر الله..
اليوم، لا بد أن نقف لنطرح الأسئلة المفيدة على نخبنا متمنين عليهم أن يجيبنونا عنها إجابات شافية تكون كفيلة بمساعدتنا على الخروج من حالة التوتر والقلق المتنامي من قبيل: هل تكلف النخب المؤتمنة على تسيير وتدبير الشأن العام وإدارة دواليب الدولة والحكومة نفسها “مشقة” إلقاء السمع لـ”نبض الشارع في بلادنا الحبيبة”؟ وهل هي على دراية كافية بما يعانيه المغاربة من صعوبات ومشاكل وعلى علم بانتظارات الشعب وبآماله وأحلامه وحتى آلامه؟! أم إنها تعرف ولكنها غير معنية ولا مهتمة بهذا الأمر أو على الأقل لا تحس وترى استعجالية وإلحاحية التفاعل الإيجابي مع نبض الشارع في اتجاه تصحيح الأوضاع التي توشك على الانفلات؟ هل يعتقد المسؤولون في بلادنا أن الوضع سيظل تحت السيطرة والتحكم إلى ما لانهاية؟! وهل يعتقدون بأن المغاربة سيظلون يتفرجون على السلبية والعبث واللامبالات تجاه مطالب وانتظارات شعب تعلق أمله بخيط حريري رفيع المستوى بعد حراك 20 فبراير2011 في أن يرى البلاد تنهض وتتقدم والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تتراجع وتختفي؟! ألا يظن هؤلاء المضطلعين بالمسؤولية بأننا نقترب في المغرب من وضعية الانفجار إن ظل الحال على هذا المنوال من العبث والفوضى واللامعنى؟!
نحن جميعا، حكاما ومحكومين، نبحر على متن سفينة المجتمع في خِضَمٍّ هائجٍ مائجٍ وسط محيط من التحولات الجيواستراتيجية المتسارعة. والكل من موقع مسؤوليته وتموقعه في الدولة والحكومة والبرلمان بغرفتيه، في الأحزاب السياسية والمنتديات الاقتصادية وفي المجتمع المدني، إما سيكون حريصا على توجيه دفة سفينة مجتمعنا نحو شاطئ الأمان ومرسى الاستقرار وإما سيتحمل وزر الانجراف الجماعي نحو الهاوية.
قلتها سابقا ولن أمل في تكرارها: البلوكاج الحقيقي اليوم هي العوائق التي تحول دون جلوسنا جميعا في لحظة حقيقة ومصارحة ومطارحة للإعاقات والمعيقات والاختلالات. وقفة شجاعة وصريحة مع الذات الجماعية للقيام بالنقد والنقد الذاتي ولتصحيح الاختلالات وتجاوز المعيقات ومن أجل الاتفاق والتوافق بين مختلف مكونات المجتمع الثقافية والجهوية والسياسية والأيديولوجية على تفكير مستقبل المغرب وتطلعات شعبه بطريقة جديدة تتأسس على مصالحة تاريخية حقيقية. مصالحة مع الذات الجماعية ومع القيم والمبادئ المؤسسة للاجتماع الوطني. مصالحة مع الهوية الحضارية المتنوعة والمتعددة الأوجه في المغرب. المصالحة الجهوية والمصالحة مع الفئات التي تعاني الفقر والهشاشة أو تضررت من السياسات التعسفية والتجاوزات القضائية الخ… مصالحة الجميع مع الجميع من أجل الحاضر والمستقبل.
عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019
صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…