مصطفى الفن
كم نحن واهمون إذا كنا نعتقد أن ثمة سلم ريشتر جاهزا يمكن أن نقبس به “قوة الشارع” التي أطاحت بأكثر من نظام سياسي في المنطقة العربية وقادت شبابا في أول العمر مثل شباب “بوديموس” إلى الحكم في إسبانيا.
“قوة الشارع” لن تخمدها إلا قوة واحدة لا ثانية لها. إنها القوة الإلهية. أما هذه القوات من الدرك الحربي التي “تفد” على مداخل الحسيمة منذ أكثر من 15 يوما فأقصى ما يمكن ان تفعله هو أن تزرع الاحتقان المفتوح على المجهول.
وأنا لا أفهم كيف تورط زعماء أحزاب الأغلبية الحكومية في تصريحات مهاجمة لأبناء الريف، بل في تصريحات مغذية لهذا الغضب الشعبي المتمدد في كل اتجاه.
وفعلا، عندما ترى مسؤولين سياسيين وحكوميين يكرههم الناس أجمعون وهم يهاجمون أبناء ريفنا العزيز ويعطونهم الدروس في كيفية احترام القانون، فإنك تشعر لا محالة بالرغبة في أن تنفصل عن روحك أو بالرغبة في أن تلقي بنفسك من أعلى جبل لعلك تسريح أو يستراح منك.
وعلى هؤلاء المسؤولين السياسيين والحكوميين أن يشعروا اليوم بالخجل بعد تلك التصريحات البئيسة التي هاجموا فيها حركة احتجاجية لم يثبت، إلى حد الآن، أنها قامت بأعمال عنيفة أو دعت إلى العنف منذ أكثر من ستة أشهر من التظاهر السلمي في الشارع العام.
نعم عليهم أن يشعروا بالخجل لأن زعيم الحراك في هذه المنطقة من شمال المغرب ناصر الزفزافي رفع التحدي في وجه الحميع وقال لهم بالفم المليان: “هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين على أننا انفصاليون ونتلقى أموالا من الخارج”.
الآن، وزارة الداخلية أصبحت مطالبة قانونيا وسياسيا وأخلاقيا بأن تثبت للمغاربة بالأدلة الدامغة صحة اتهاماتها لحراك سلمي شبابي مستعد أن يذهب بعيدا في حركته الاحتجاجية.
لماذا هم مستعدون أن يذهبوا بعيدا في هذه الحركة الاحتجاجية؟
لأن هؤلاء الشباب أو معظهم لا يملكون أي شيء ثمين يخافون عليه ماداموا خسروا كل شيء طيلة هذه السنوات الطويلة من انتظار تنمية توقفت مشاريعها في منتصف الطريق بعد تدشينها من طرف ملك البلاد شخصيا.
نعم، من حق الدولة وعقلها الأمني أن تأخذ الحيطة والحذر من أي “تحركات” في مناطق بخصوصية خاصة مثل الريف، لكن الدخول في معركة لي الذراع لتركيع حركة احتجاجية سلمية سيرسخ دون شك تلك “الصورة السيئة” التي تحتفظ بها ذاكرة المواطن الريفي عن “دولة المخزن” كما كانت قبل عقود من الزمن.
رجل السلطة اليوم ينبغي أن يختلف عن رجل السلطة كما عهدناه في سنوات الرصاص عندما كانت انتهاكات حقوق الإنسان عملا ممنهجا مدرجا ضمن مهامه اليومية التي يتقاضى عنها راتبا من المال العام.
رجل السلطة اليوم ينبغي أن يكون جزءا من الحل لا أن يتحول إلى جزء من المشكل كما فعل والي الجهة محمد اليعقوبي الذي هاجم زعماء الحراك الشعبي واتهمهم بالعمالة والخيانة وممارسة العنف بغير دليل في خرجة إعلامية مع وكالة أنباء دولية.
وماذا كانت نتيجة هذه الخرجة الإعلامية للوالي؟
لا شيء سوى أنها رفعت منسوب الاحتقان ووترت الأجواء وتوسعت معها دائرة الاحتجاج في أكثر من بلدة بالريف.
اليوم منطق الدولة يفرض أن يرحل اليعقوبي لامتصاص جزء من هذا الغضب الشعبي بالمنطقة، والتوجه نحو تعيين خليفة له يحظى بسمعة طيبة لطي صفحة وبداية أخرى جديدة تقود إلى طاولة الحوار مع المجتجين.
وهذا ليس تحاملا أو تصفية حسابات مع السي اليعقوبي الذي قاده “قانون القرب” من مربع النفوذ الى هذا المنصب الحساس في منطقة حساسة.
حاشا لله، وما علمت عنه من سوء سوى أنه فشل في أن يكون”fédérateur” بين كل أبناء المنطقة الواحدة التي حظيت باهتمام ملكي خاص في السنوات الأولى من العهد الجديد.
كاتب هذا السطور يقول هذا الكلام اقتناعا منه أن رجل السلطة “الناجح” هو الذي يسدي “الخدمات الجليلة” للدولة لا أن يتحول إلى عبء ثقيل على الدولة وعليها أن تسدي له الخدمات.
ولا بأس أن أذكر هنا بواقعة “غضبة ملكية” لم تخرج إلى العلن على واحد من محيط “جلالته”، كان قد أتعب الجالس على العرش بكثرة اتصالاته لاستشارته في تدبير ملف ما، فما كان من الملك إلا أن قال لأحد معاونيه: “اتصل بفلان وقل له إن سيدنا عينك أنت هناك لتجد الحلول المناسبة للمشاكل الموجودة عندك لا أن تتصل به كل مرة ليساعدك على إيجاد هذه الحلول”.
مع الأسف هناك العديد من المسؤولين في أكثر منطقة وليس في الريف لوحده ليسوا في مستوى تلك الظهائر الملكية التي يعلقونها خلفهم في مكاتبهم الفاخرة.
إنهم ينتظرون من الدولة أن تساعدهم في كل شيء عوض أن يشمروا على سواعدهم لمساعدة الدولة في اجتياز محنها.
فما معنى أن يدشن الملك أوراشا هامة ومشاريع ذات قيمة تنموية كبرى ثم لا تجد المسؤول المناسب في المكان المناسب، الذي يسهر على تنزيل هذه الأوراش والمشاريع على أرض الواقع في الزمن المناسب؟
ألا يتعلق الأمر هنا بمسؤولين يعسرون مهام الجالس على العرش عوض تسهيلها ليظل المغرب مركز جذب ونموذجا ملهما لباقي شعوب المنطقة؟
ولاحظوا أيضا كيف رسم زعماء الأغلبية الحكومية ومعهم رئيسهم صورة ماضوية لدستور 2011 عندما اصطفوا مثل “التلاميذ الكسالى” أمام وزير داخلية ليلقنهم صك الهجوم على مواطنين يطالبون بالعيش الكريم ليس إلا.
نعم، اجتماع وزير الداخلية مع زعماء الأغلبية بتلك الكيفية التي تحول فيها سعد الدين العثماني إلى “شاهد مشافش حاجة” هو ليس فقط اعتداء على الدستور الذي جعل من رئاسة الحكومة مؤسسة قائمة الذات.
هذا الاجتماع هو أكثر من هذا. إنه بداية حلقة أخرى من مسلسل “النسف التدريجي” لكل ما سوقناه عن بلدنا من صور مشرقة ليس أقلها تلك الصلاحيات “الواسعة” التي منحها الدستور الجديد لرئيس الحكومة والفصل “الفعلي” بين السلط الثلاث والخيار الديمقراطي كثابت لا رجعة فيه.
فهذا “الحضور القوي” لوزارة الداخلية الذي جعل منها قاطرة حقيقية للعمل الحكومي عوض مؤسسة رئاسة الحكومة سيزرع الكثير من الغموض والخلط لدى البعثات والتمثيليات والسفارات الأجنبية ببلادنا.
أكثر من هذا، سيبدو المغرب، والحالة هذه، كما لو أنه لا زال يشتغل بدستور ما قبل 2011 وألا شيء تغير على سطح الأرض في هذه المملكة الشريفة في انتظار “معجزة” من السماء لعلها تغير ما بهذه الأنفس الصدئة.
عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019
صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…