تستيقظ لتبدأ يومك بأفضل ما يمكن، هي إحدى صباحات الأحد، وما تمثله من رتابة أحيانا محببة، فلا فرق بين الأحد وباقي أيام الأسبوع، فكل يوم استيقظ باحثا عن المستجدات والأنباء والأخبار وخباياها، وأتقاسم الجملة الشهيرة بين زملائي “كين شي خبار؟”، هو تساؤل واستجداء في نفس الوقت، غير أنه ومنذ ظهور فيروس “كورونا”، صرنا كمتتبعي بورصة القيم، ننتظر أن ترتفع أسهم حالات الشفاء وتنخفض أسهم حالات الإصابة.
وسط هذا المزيج من الإنتظارات، يرن الهاتف، ليصلني نبأ إصابة صهري زوج أختي بكوفيد 19، أول سؤال تبادر إلى ذهني، هو عن صحته وما هي الأعراض التي ظهرت لديه، لتجيبني أختي بأنه يشعر بألم في الرأس وكحة جافة، مؤكدة ضرورة توجهي للقيام بالتحاليل المخصصة للكشف عن الفيروس، رفقة اختي وجدتي بحكم أننا من المخالطين.
هذا الخبر أثار في ذهني عددا من السيناريوهات، الأول ان أكون مصابا وكذلك أفراد الأسرة، وهو ما سيستلزم مكوثا في المنزل لمدة 14 يوما، ومتابعة البروتوكول العلاجي الذي لطالما كانت علاقتي به لا تتعدى علاقتي ببلاغات وزارة الصحة المخطوطة بلغة جافة.
السيناريو الثاني الذي تبادر إلى ذهني هو الأكثر تعقيدا إن تثبت إصابة البعض، فيصير منزلنا مثل الأجنحة المخصصة لاستقبال المرضى، حيث سيتم عزل المصابين في إحدى الغرف، ويتكلف غير المصابين بخدمتهم، مع وجوب الحذر واتخاذ تدابير صارمة للوقاية، فبدأت أضع لائحة للمقتنيات التي يجب أن أوفرها بشكل إضافي كالمعقمات ومواد التنظيف بشتى أنواعها، واستحضرت في تلك اللحظة بداية الحجر الصحي، وكيف كانت حالة الشك هي عنوان المرحلة، ليبقى السيناريو الأخير هو عدم إصابة أي من أفراد العائلة.
بدأت في الاتصال بأصدقائي كي اخبرهم بهذا الخبر، واعلمهم بأني من المحتمل أن أغيب عنهم لأسبوع أو أزيد، استقبل بعضهم الخبر بشكل عادي، متمنين لي الشفاء وآخرون أخذوا في إعطائي النصائح.
توجهت صباح الاثنين لمختبر التحليلات بدرب السلطان، رفقة باقي أفراد الأسرة، وأول ما لمحت عند وصولي بابا كبيرا عبارة عن مدخل لمساحة محاطة بجدار، وعدد من المواطنين متجمعين أمامه، يبدو أن الانتظار أنساهم أهمية احترام مسافة الأمان المفروض اعتمادها، توجد في الداخل خيمة حديثة المظهر وكبيرة تم تشييدها في الوسط، وطاولة موضوعة على جانب المدخل، حراس خاصين يضعون كمامات أحدهم جالس، يستقبل المواطنين، يتسلم بطائقهم يضع فيها إحدى الملصقات ويكتب رقم الهاتف بعدما يطلبه منك، ويضع ساعة الدخول، ويرتبها في مكانها بين البطائق الأخرى حسب ترتيب لا يفهمه إلا هو.
قبل أن أعطيه بطاقتي حاولت فهم مسطرة التسيير، ومالذي يقع، ثلاث نساء تقفن أمامه، إحداهن امرأة حامل يبدو أن موعد وضعها اقترب، يطلب الحارس الواقف بقرب باب الخيمة البعيدة عن الطاولة بعشرة أمتار من النساء بألا يتجمهرن بالقرب من الباب، ليصيح المسؤول عن جمع البطائق بصوت مرتفع “عندهم السفر”، فتوجه الحارس للطاولة وقال بنبرة مغايرة ربما ألطف “أرا نشوف”، قبل أن يطلب منهن الانتظار قليلا.
وكي لا أنتظر مطولا مددت بطاقتي للمسؤول عن التسجيل، وسألت ماذا علي أن أفعل، ليسألني بعدما أخذ بطاقتي ووضع ذلك الملصق عليها “شنو رقم الهاتف؟”، فأطلعته عليه ليتحدث إلي بنبرة واثقة “غادي دخل مع 9 ونص”، فتوجهت لأحد الكراسي المتواجدة في الجانب الأيسر من المساحة الفاصلة بين الباب ومدخل الخيمة، المخصصة للانتظار والمغطاة بدورها، رفقة أختي التي مرت من نفس العملية.
وصل موعد دخولي، فوقفت وناديت الحارس، “وصلت 9 والنصف”، فقال لي، انتظر ستتم المناداة عليك، وبعد عشر دقائق أو ربع ساعة تقريبا، وقف شاب بالقرب من مدخل “المختبر الخيمة”، حاملا عددا من البطائق، بدأ في المناداة على الأسماء، الواحد تلو الآخر، وتوقف بعد إدخال ثلاث أشخاص، في تلك اللحظة كان هناك شخص يدخل ويخرج بدون حسيب أو رقيب، تساءلت حينها من يكون هذا يا ترى؟ لما لا يوقفه أحد؟، من طريقة كلامه عرفت أنه المسؤول عن الحراس.
وقف هذا المسؤول الذي يرتدي قبعة رياضية،”كاسكيط”، يضع كمامة هو الآخر، يحمل عددا من الأوراق، صاح بأحد الأسماء، فتوجهت إليه إحدى الشابات، فأعطاها ورقة، وصاح في وجهها “فيك”، ليتغير لون وجه الفتاة، قبل أن تتدارك وتجيبه “هاد التحليلة ماشي ديالي”، فيؤكد لها مرة ثانية “را فيها”، فتنسحب الفتاة وتخرج مسرعة بعدما تلقت هذا النبأ غير السار.
وأنا أحاول استيعاب ما يدور حولي، وقف الشاب مرة أخرى في مدخل الخيمة، ليصيح بإسمي، دخلت مسرعا، أوقفني ليعطيني ورقة مكتوب عليها رقم 189، وطلب مني التوجه للجلوس في مكان على اليسار مخصص للانتظار، فوجدتني وسط مجموعة أخرى تنتظر دورها.
بعد ما يقارب الربع ساعة وصل دوري توجهت إلى طاولة كبيرة مخصصة للاستقبال واستخلاص ثمن التحليلة، تتواجد خلفها سيدتان، وشاب، كل واحد أمامه حاسوب، بدأت السيدة في ملأ الاستمارة قبل أن تطلب مني نوع التحليلات التي أود عملها، تحليلة الدم ” serologique” أم أرغب في تحليلة عبر المسح ” test pcr “، فاخترت الثاني دون أن أفكر لحظتها، لتطلب مني الانتظار للمرة الثالثة، في مكان آخر على يمين المدخل، توجهت للجلوس، لكن ظللت واقفا، فقد بدا لي أن الأصعب قد انتهى!
بعد دقائق خرجت إحدى الممرضات من جناح مخصص لأخذ العينات، ونادت بالفرنسية “السيد مساعد”، انطلقت حينها وأنا أتساءل عن طريقة أخذ تلك العينة، طلبت مني الجلوس وإنزال كمامتي، أزلتها بالكامل فقالت لي ضاحكة، في محاولة منها لتخفيف التوتر البادي علي، “لي كنقول ليه هبط الكمامة كيحيدها”، أجبتها حينها وانا مبتسم، محاولا إضفاء نوع من الهدوء على صوتي “كين لي كيتخنق ملي كيطول في ارتدائها”،مردفا “قالو ليا هداك الفحص صعيب”، لتجيبني “بالعكس هو سهل وسريع”.
بعد هنيهة، أدخلت الممرضة قطعة القطن الطويلة المخصصة لأخذ العينات، في فتحة أنفي، أحسست حينها بإحساس مزعج، فلا أعلم هل هي حكة أم ألم، فقد شعرت حينها وكأنها وسط الرأس، وبعد انتهاء ذلك الشعور وبعد لحظات، طغى شعور آخر بألم خفيف، بانتهاء اليوم.
بعد انتهاء الاختبار، ناولتني ورقة بها موعد أخذ النتائج، بعد 24 ساعة، خرجت مسرعا، باحثنا عن جدتي وأُخْتَيْ، واللواتي وجدتهن ينتظرن خارج “المختبر الخيمة”، فسألتهن عن أحوالهن قبل مغادرة المكان متوجهين إلى المنزل.
إحساس غريب وأنت تنتظر نتائج التحليلات، تترقب الخبر وتتساءل، كيف سيكون وقع خبر كهذا على حياتك وعلى نفسيتك؟ هل ستصير غدا رقما مضافا إلى أعداد الإصابات التي تعلن عنها وزارة الصحة كل يوم، والتي أصبحت بالآلاف؟، كيف ستتعامل مع المرض في حالة إصابتك والأسرة؟، كيف ستصبح نظرات من تعرف بعد معرفة النتيجة؟، كل هذا وأنا جالس أشاهد التلفاز أترقب نشرة “كوفيد” فيبدو أن الاهتمام بالمستجدات صار مضاعفا.
الثلاثاء صباحل، وبعد ليلة متعبة، يرن هاتفي مجددا. تساءلت “يا ترى ماذا يحمل لي زوج أختي من أنباء؟”، ليطلعني على النبأ السار، أخبرني بأن كل النتائج جاءت سلبية، بعدها مباشرة سارعت لنشر الخبر بين أصدقائي، حتى يتأكدوا بأنه ليس عليهم القلق تجاهي.
عمدة مدينة الرباط تتفاعل مع فضيحة “تلقي الرشوة” في امتحانات الكفاءة المهنية
وجهت فتيحة المودني، رئيسة المجلس الجماعي للعاصمة، مراسلة إلى فاروق مهداوي، المستشار الجماع…