ما أوردته أنا في شكل استفهامي، تورده مجلة لومند دبلوماتيك لشهر ماي الحالي في صورة تقريرية: أمريكا تعبت من العالم. هل تغور أمريكا إلى الانعزال، كما فعلت بعد الحرب العالمية الأولى، لكنه انعزال لم يعصم العالم من حرب عالمية ثانية مدمرة، أم تجنح إلى الالتزام، ولكنه التزام مكلف في حرب باردة كانت في أرجاء كثيرة ساخنة، وفي سباق للتسلح مخيف وتوازن للرعب مريع ؟ أم في هذه الوصفة التي تفتقت عنها نظرية مادلين ألبرايت، كاتبة الدولة في الخارجية الأمريكية عقب الحرب الباردة، وسمتها بالالتزام الزجري The assertive engagement مع المشاركة في العبء المالي.Burdern sharing.
كان ذلك ضمن ورشات نظرية، منها نهاية التاريخ، والدمقرطة، واللبرالية الاقتصادية، لتستيقظ أمريكا بعدها على هول ضربات 11 سبتمبر، ولتُحوّل بعدها اهتماماتها الخارجية لشيء أعمق هو التصدي للإرهاب، ولترد على مرحلتين، مرحلة الغضب، بضرب أفغانستان فالعراق، ثم في السعي لصياغة الشرق الأوسط الجديد من خلال منظومة المحافظين الجدد، وأدبياتهم التي خرجت من رحم معهد American Entreprise Institute الذي احتضن نظرية صدام الحضارات التي قدمها صمويل هانتغتن في خريف 1991 وكان حضرها كاتب هذه السطور.
خطابات المرشحين للانتخابات الأمريكية الرئاسية تنعي نظرية المحافظين الجدد التي لم تصغ شرقا أوسطيا جديدا يكون ديمقراطيا، وكلّفت دافعي الضرائب الأمريكية عبئا في وقت تعرف فيه العلاقات الدولية تغيرات جوهرية، سواء على المستوى السياسي حيث لم تعد الولايات المتحدة مستفردة بالقرار، The Imperium مع سعي الدب الروسي فرض وجوده، ومع تغيير المواقع الاقتصادية le bouleversement des hiérarchies في العالم مع صعود الصين، والهند والبرازيل.
تعب أمريكا من العالم هو في الحقيقة تعب من الشرق الأوسط، ذلك أنه في الوقت الذي تُعبر فيه أمريكا عن استيائها من الشرق الأوسط تولي اهتمامها لعمقها الحضاري، القارة العجوز.
بيد أن الذي يهمنا هو تداعيات التحول الجديد على الشرق الأوسط. إنه يؤشر على انسحاب أمريكي استراتيجي، وبناء تصورات جديدة مغايرة لما سارت عليه الإدارة الأمريكية وبخاصة مع دول الخليج. ليس من قبيل الصدفة مثلا أن تطالب عناصر من الكونجرس بنشر صفحات من تقرير الإدارة الأمريكية بعد ضربات 11 سبتمبر، تم طليها بالأسود بطلب من الرئيس الأمريكي آنذاك جورج ولكر بوش، تحت تأثير السفير السعودي بواشنطن آنذاك بندر بن سلطان، مما قد يفيد بضلوع عناصر من الدرجة الثانية من السعودية في الهجمات الإرهابية ل 11 سبتمبر. وليس المهم أكان ذلك صحيحا أم لا، بل توقيت المطالبة بالكشف الكلي عن التقرير.
لقد قال الرئيس الأمريكي بلا مواربة في حديث يؤشر على تحول في العلاقات الأمريكية، بمجلة أتلانتيك مونثلي في مارس المنصرم، إن استثمار أمريكا في الشرق الأوسط لم يكن مجديا، بل ذا أثر سلبي، إذ ما ذا يفيد أن تقدم الدعم لمن يتساءل كيف يقتل الأمريكيين، في الوقت الذي تنكب فيه دول من آسيا وإفريقيا على تطوير منظومتها التربوية.
هل من مصلحة بلد مثل المغرب أن يرتبط بدول الخليج في سياساتها الخارجية، أم أن يصطف مع من يجعل قضايا التربية من أولى أولوياته وكرامة الإنسان في صلب اهتمامه؟ أليس المغرب دولة افريقية على مرمي حجر من أوربا؟
يقول المربون: التربية الجيدة هي أن تعلم أبناءك اصطياد الأرانب في مرج توجد فيه الأرانب، والتربية السيئة هي أن تعلمهم اصطياد الأرانب في مرج انقرض فيه الأرانب. يمكن أن نقول ذات الشيء على الدبلوماسية.
ولا شك أن تعب أمريكا من العالم سيُخلّف راحة الكثيرين. ألم تتحول أمريكا كما قال الخبير إيمانويل طود، من جزء من الحل، غداة الحرب العالمية الثانية، إلى جزء من المشكل، عقب سقوط حائط برلين. فلِم لا يكون انسحابها جزءا من الحل؟
عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019
صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…