احتضن رواق المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بالمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، في دورته 28، والذي ينظم تحت الرعاية السامية للملك محمد السادس، ندوة حول دور القضاء في حماية الملكية العقارية، عرفت حضورا وتفاعلا كبيرين.
وترأس هذه الندوة حسن منصف، رئيس الغرفة العقارية بمحكمة النقض، والذي تحدث في بداية اللقاء عن أهمية إحداث الغرفة العقارية، التي باشرت عملها بدءا من 15 يناير 2023، مبرزا أهمية هذه الغرفة في التنظيم القضائي الجديد، وطبيعة القضايا المعروضة عليها، وآفاق عملها، والانتظارات القضائية من عملها على حل الإشكالات التي تعرفها الملكية العقارية.
بدوره قام حميد بلحاج، القاضي الملحق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ببسط استراتيجية المجلس في موضوع الاستيلاء على عقارات الغير، مشددا على مكانة الملكية العقارية، باعتبارها عامل إنتاج إستراتيجي ورافعة أساسية للتنمية المستدامة بكل أبعادها، وهو ما ترجمه المشرع في وضع عدة نصوص قانونية لحمايتها، سواء عند عملية تداولها أو في حالة تعرضها للاعتداء، ومنها ظهير التحفيظ العقاري، ومدونة الحقوق العينية، والقانون الجنائي، وقانون المسطرة المدنية وقانون المسطرة الجنائية.
وقال المتحدث إن المجلس حرص منذ تنصيبه في 06 أبريل 2017 على إعطاء موضوع الاستيلاء على عقارات الغير عناية خاصة، حيث حضر جميع اجتماعات اللجنة المكلفة بتتبع هذا الملف والتي أحدثت عقب الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى وزير العدل بتاريخ 30 دجنبر 2016، كما قام المجلس، يضيف المتحدث، بتعيين خلية يرأسها قاض تتولى مهمة تتبع ومواكبة تصفية قضايا الاستيلاء على عقارات الغير.
وفي ذات السياق أكد يونس الداودي، رئيس غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالقنيطرة أن ظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير تبقى ظاهرة مركبة ومعقدة تتداخل فيها مجموعة من العوامل والمسببات، منها ما هو اقتصادي واجتماعي صرف، ومنها ما هو تشريعي وقضائي، مما يجعلها ظاهرة يصعب القضاء عليها بسهولة كما لا يمكن للقانون أن يتنبأ بالحالات المستجدة فيها طالما أن هذه الحالات تتطور بتطور الوسائل المستعملة في التزوير والاحتيال.
وقال المتحدث إن المشرع المغربي وأمام الأهمية القصوى التي يكتسيها العقار في التنمية الاقتصادية، وما يتمتع به حق الملكية من قدسية، فقد ارتقى بهذا الحق إلى حق دستوري من خلال الفصل 35 من دستور 2011، الذي ينص على ضمان القانون حق الملكية، كما أقر المشرع نصوصا قانونية تهدف إلى ضبط الملكية العقارية وحمايتها وإشاعة الأمن العقاري.
وقدمت نادية الكاعم، رئيس هيئة بالغرفة العقارية بمحكمة النقض، في مداخلة تحت عنوان “الاجتهاد القضائي في قضايا القسمة والشفعة”، مجموعة من القواعد التي أرستها محكمة النقض، في تعاطيها مع ما تم رصده من إشكالات عملية في هذا الموضوع، مؤكدة أن اجتهادات محكمة النقض لعبت دورا كبيرا في الحفاظ على نوع من التوازن الاجتماعي في تحقيق عدالة قضائية وعقارية، وذلك في حق المشتري بالنسبة لحريته في التعاقد، وفي حق الشفيع بالنسبة لتقنين هذه الحرية.
وفي موضوع التعمير والتحفيظ، أبرز محمد بن يعيش، رئيس هيئة بالغرفة العقارية بمحكمة النقض، مجموعة من المبادئ في مجالي التعمير والتحفيظ، مؤكدا أن وسيلة قانون التعمير في معالجة مشاكل المجال والعقار، هي الوثائق التعميرية، باعتبارها مجسدا لإرادة واختيارات المشرع وهندسته للمجال، وفلسفته في استغلاله واستثماره، ومن تم، يؤكد المتحدث، أن التعمير يعتمد وسيلتين لتلبية هذه الحاجيات، الأولى عامة ويسمى بالمخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية، ثم تصميم التنطيق، والذي يغطي فترة إعداد تصميم التهيئة الذي يعد الوثيقة الفعلية للتعمير.
وقال بن يعيش إن هذه الوثائق من النظام العام، بحيث لا يجوز مخالفتها، وكل من يريد الاستثمار في ملكيته الخاصة، وجب أن يخضع مشروعه لقواعد هذه الوثائق، باعتبارها ملزمة في القانون المغربي، لجميع الأشخاص، سواء كانوا أشخاصا خاصين أو عامين أو أشخاصا ذاتيين أو معنويين.
من جانبه أكد جواد النهاري، المستشار بمحكمة النقض، في مداخلة حول التوجهات القضائية في نزاعات الأراضي السلالية، أن الكثير من القوانين استلهمت بعض القواعد من الاجتهادات التي صدحت بها محكمة النقض في العديد من المجالات، ومنها موضوع الأراضي السلالية، مشددا على أهمية هذه الأراضي بالنظر ما ترتبط به من رهانات تنموية واجتماعية واقتصادية.
وقال النهاري إن مساحة الأراضي السلالية تشكل ما مجموعه 12 مليون هكتار، ترتبط بها ساكنة مهمة من العالم القروي، مؤكدا أن الاشكال الذي يطرح في هذا الصدد هو إثبات الصبغة الجماعية للعقار، وقدم المتحدث مجموعة من الحالات الواقعية لمعالجة محكمة النقض لإشكالات الجماعات السلالية.
وشكلت قضايا بيع العقار في طور الإنجاز والملكية المشتركة محور مداخلة سمير آيت أرجدال، رئيس المحكمة الابتدائية المدنية بالدار البيضاء، قدم من خلالها بسطا للحقوق الفردية والحقوق الجماعية في الملكية المشتركة، والتي يمكن أن تعرف أوضاعا مزعجة بين المالك لأجزاء مفرزة والمالكين لأجزاء مشتركة، ما جعل المشرع يتدخل لضمان التوازن بين الحقوقية الفردية والحقوق الجماعية في هذا الباب.
وقال سمير آيت أرجدال إن المشرع يهدف من خلال تدخله إلى تأمين التدبير الجيد للملكية المشتركة، مقدما مجموعة من اجتهادات محكمة النقض في معالجة دور القضاء في حماية الملكية المشتركة.
وفي نفس السياق وبخصوص بيع العقار في طور الإنجاز، قالت نورة بوطاهر، رئيسة الغرفة العقارية بالمحكمة الابتدائية بتمارة، إن هذا الموضوع يعتبر وسيلة لتمكين ذوي الدخل المحدود من اقتناء العقارات التي قد تكون شقة أو مكتبا مهنيا أو محلا تجاريا حسب احتياجات كل شخص، مضيفة أنه من الناحية الاقتصادية فهذا النوع من البيوعات يمكن المنعش العقاري من تمويل مشروعه العقاري وتوفير السيولة المالية دون اللجوء إلى الاقتراض من المؤسسات البنكية.
وقالت بوطاهر إن موضوع بيع العقارات في طور الإنجاز حظي بتنظيم خاص من قبل المشرع المغربي، من خلال القانون رقم 44.00 الصادر سنة 2002، والذي أدخل تعديلات جوهرية على مقتضيات الفصل 618 من ق. ل .ع، كما تم إصدار القانون رقم 107.12 سنة 2016، والذي غير وتمم القانون رقم 44.00 بعدما أبان الواقع العملي عن وجود ثغرات ونواقص بهذا الأخير.