*ليلى الشافعي
ظلام خفيف في قاعة فسيحة ملئت عن آخرها، مزقه فجأة صوت جهوري يسأل عن دور المسرح وأهميته في حكاية التاريخ، يجيبه صوت ثاني ثم ثالث، ثم تنطلق أصوات رجالية ونسائية تحكي بصوت جميل وصاخب عن أهمية المسرح والحكي والكتب الصفراء المعتقة، قبل أن تصعد مجموعة من الشابات والشبان إلى خشبة المسرح في مشهد بديع لتكسير الجدار الرابع.
انطلقت مسرحية “الغوشة”، التي عرضت مؤخرا بدار الشباب بوزنيقة، في إطار رمضانيات بوزنيقة، بظهور امرأة جالسة قرب “منجج” (آلة تقليدية للحياكة) وبقربها زوجة ابنها وهي تلومها على عدم الإنجاب، بعد ذلك يأتي الزوج ويختلي بزوجته، تشكي له من أمه فيحاول التنفيس عنها قائلا بأن مشكل الإنجاب سيحل وستعود البهجة للنفوس. تتوالى الأحداث بين من يسعى إلى قطف تفاحة من حديقة الحاكم ليسلمها إلى زوجته من أجل الإنجاب ومن يسعى إلى قمع ذلك المد واستتباب الوضع كما هو عليه، وبين هذا وذاك مد من الانفعالات والوشائج التي تمتد على مدى 45 دقيقة من العرض المسرحي لفرقة البساط بنسليمان، والذي تم عرضه ببوزنيقة.
وبالنظر لأهمية مسرحية “الغوشة”، التقينا بمخرجها الشاب عادل نعمان الذي يشغل في نفس الوقت منصب رئيس جمعية البساط للمسرح بنسليمان، وأجرينا معه حوارا حول المسرحية وحول الجمعية أوضح فيه أن مؤلف المسرحية هو الأستاذ أحمد كارس الذي اقتبسها عن مسرحية “يورما” للكاتب والشاعر الاسباني غارسيا لوركا ثم اشتغلت عليه فرقة البساط في إطار مسرح الشباب، مضيفا أنهم يستعدون للمشاركة بهذا العمل في الإقصائيات الجهوية (جهة الدار البيضاء الكبرى)، بعد أن تأهيلهم إقليميا، مستطردا أن المسابقة تتم في إطار جائزة محمد الجم لمسرح الشباب، وتأتي في إطار شراكة بين وزارة الشباب والثقافة والتواصل وجمعية أصدقاء محمد الجم.
وقال المخرج في استرجاع لتاريخ الفرقة، إنها قبل أن تصبح كذلك، فقد كانت ناديا ينشط في دار الشباب بنسليمان، تأسس عام 2004، مشيرا إلى أنهم كانوا يشتغلون ضمن مشروع نوادي، بناء على ما جاء به مشروع السيد محمد الكحص الذي كان وزيرا للشباب، وأسس لمسرح الشباب آنذاك، ووزارته هي التي كانت تشرف على تنظيمه، وقال “بعد أن أسسنا نادي البساط وشاركنا في مسرح الشباب وتكونا ضمن الورشات ومسابقات وعروض احترافية على الهامش، أسسنا فرقة باتت محترفة وأعطت عددا من النجوم على الساحة الوطنية منهم مونية المكيمل المعروفة حاليا في دور فتيحة في مسلسل كبور، ورشيد العسري ومصطفى السميهري وعبد ربه نعمان عادل، ومجموعة من الشباب من بينهم الشباب الذين شاركوا في هذا العرض، وهم يتوفرون على تجارب في التلفزيون”.
ولفت إلى أن فرقة البساط التي كانت في البداية تمارس المسرح في دور الشباب، تمكنت من الحصول على ما يقارب 84 جائزة وطنية وعربية ودولية، “مما زادنا تحفيزا ورغبة في الاشتغال”، وتم اختيارها سنة 2011 لتمثيل المغرب في مهرجان الشباب في الكويت، وفازت الممثلة مونية المكيمل بجائزة أحسن تشخيص إناث على الصعيد العربي، ومثلت المغرب في مجموعة من الدول العربية كتونس والجزائر، وكان تألق مجموعة من الشباب في الفرقة هو الدافع لاختيارها لتمثيلية المغرب في مجموعة من التظاهرات منها تظاهرة قادة الشباب العرب التي نظمت في كوريا ومثلت فيها مونية المكيمل المغرب.
وأضاف أن الفرقة اشتغلت بعد ذلك في عروض احترافية أكثر، وأصبح أعضاؤها مطلوبين من المخرجين وشركات الإنتاج، وأصبحوا يشتغلون في التلفزيون والسينما، لكن “رغم ذلك ظل لدينا شغف بمسرح الشباب، وأردنا أن يُسمع أن مدينة بن سليمان تتوفر على شباب يزخر بالطاقات، بواسطة مشاركتها في المهرجانات التي تنظمها وزارة الثقافة أو الجمعيات الفاعلة في الميدان المسرحي، وهذا ما دفعنا إلى إنجاز مشروع قافلة التنشيط الثقافي والفني في مدينة بن سليمان والذي أحرز دعما كبيرا من طرف المسؤولين على الإقليم، بما في ذلك العامل السابق والحالي ومندوبة وزارة الشباب والثقافة والتواصل، حيث كان المشروع في إطار شراكة بين جمعيتنا ووزارة الشباب والرياضة آنذاك والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي دعمته، والذي قدمنا فيه تكوينا للشباب سواء داخل الإقليم أم خارجه، استمر مدة سنة. وقد شارك هؤلاء الشباب في العديد من المهرجانات كمهرجان جسور بآسفي حيث حصلوا على ثلاث جوائز والمهرجان الدولي بمراكش ومهرجان الحي المحمدي بالدار البيضاء”.
وعن سؤال حول كيفية اتصالهم بهؤلاء الشباب، قال “أنا عندي أربعين سنة، بينما هؤلاء الشباب ما زالوا في العشرينات من عمرهم، شباب ما زال صغيرا رغم أن مواهبه كبيرة. هؤلاء الشباب كانوا مولعين بتجربة فرقة البساط وكانوا يتابعون عروضنا، وكان لديهم حلم أن يصبحوا ذات يوم فنانين مسرحيين مثلنا. عندما نظمنا مشروع قافلة التنشيط الثقافي، توصلنا بطلبات كبيرة للراغبين في الانضمام لهذا المشروع، وبصراحة كنا نعتقد أنه بعد نهاية المشروع وتوزيع الشهادات ستنتهي علاقتنا بالموضوع، لكن بعد نهاية السنة وجدت أنني تعودت عليهم وفكرت أننا إذا تركناهم فقد تضيع مواهبهم، فاستجبنا داخل المكتب المسير للفرقة، لطلبهم بالانضمام إليها، لكن بشروط، منها الانضباط والعمل وأهم شيء هو ألا يتركوا المسرح يؤثر على حياتهم الشخصية أو مسارهم الدراسي”.
وأضاف السيد نعمان أن مؤلف المسرحية عبر عن تردده في البداية، إذ أن نصا كبيرا مثل “الغوشة” يلعبه شباب مبتدئ مسألة تدعو إلى التحفظ، لكن تم إقناعه بتدخل من أعضاء المكتب المسير، “ثم قلنا لأنفسنا إذا توفقنا وأعجب ذلك كاتب النص، لحظتها سنقدمه للجمهور ونشارك به في المهرجانات، إذا لم نوفق، سنعتبره مجرد ورشة، ساهمنا بها في تكوين هؤلاء الشباب. لكن الشباب توفقوا، ورفعوا التحدي، وكانت أول مشاركة لهم مع فرق حاصلة على بطاقة الفنان، فرق متمرسة ولديها تاريخ كبير في المسرح، واستطاعوا الفوز بثلاث جوائز في مهرجان ليالي جسور بآسفي من ضمنها جوائز في التشخيص وجائزة أحسن نص في أول صعود لهم فوق الخشبة، لدرجة أنهم فاجئونا نحن أيضا. كان هناك شد وجذب داخل المكتب المسير حول جدوى الدفع بهم نحو مهرجانات قوية مثل هذه، لكننا قلنا حتى إذا لم يستطيعوا مجاراة نسق المهرجان، على الأقل يكتسبون تجربة بخصوص المشاركة في المهرجانات، لأننا نتعلم من الممارسة. غير أنهم خلقوا المفاجأة في المهرجان واستطاعوا التفوق على فرق مثلت المغرب خارج الوطن”.
وقال بشأن مسرحية “الغوشة” إن الاختيار لم يكن اعتباطيا، فقد تم اختيار نص ثقيل ذو حمولة تاريخية وواقعية كبيرة، كما أن لكارسيا لوركا مواقفه المعروفة وحتى الطريقة التي تم بها اقتباس العمل فقد كانت ممتازة، فقد تم أخذ الفكرة فقط، إذ أن لوركا كان يناقش فكرة معاناة المرأة القروية في البادية، بينما أخذ كل من المؤلف والمخرج الفكرة وحولاها إلى مناقشة مشاكل العقم والولادة داخل الأمة العربية. كما أن المسرحية استهدفت جميع فئات الجمهور، فالمتلقي العادي البسيط سيبكي ويضحك مع العمل، لأنه سيفهم القصة العادية، امرأة لا تلد تعاني من أم زوجها واعتداء الباشا على الجميع، يأخذون المسائل في بساطتها ويذهبون سعداء، لكن هناك ازدواجية الخطاب، لأن هناك خطاب آخر موجه لفئة معينة من السياسيين والمثقفين ورجال الفن، يتحدث عن العقم وأي عقم حينما تقول فطومة “ما كرهتش نركب ونراري ونهار يزيد نحنِّي ليه ونسميه”.
وعن دلالة اختيار أسماء الوليد، في المهدي وعمر أوضح السيد نعمان “لأننا لا نتكلم عن أي عقم، نحن نتكلم عن أمة أصبحت عقيمة عن إنجاب الأبطال، حينما نتكلم عن عمر فإننا نناقش عمر ابن الخطاب وعمر ابن عبد العزيز وعمر ابن جلون وحين نناقش المهدي فنحن نناقش المهدي ابن تومرت والمهدي بن بركة، وهنا يجد السياسي والمثقف ضالته، وحتى حين نناقش السلطة في شخص الباشا وعلاقتها بالمجتمع، وحين نتحدث عن الغرب والمعونات التي يقدمها لوطننا الذي يزخر بالثروات الطبيعية، في الحوار الذي يقول “جيب المونة جيب الزرع” رد عليه الآخر “المونة والزرع فأرضك مدفونة” معنى ذلك أن بلادنا تتوفر على كل الخيرات، فقط يجب أن يتركنا المستغلون واللصوص والخونة وشأننا مع خيراتنا. لقد لاحظتِ أننا في النهاية انتصرنا. ربما يبقى ذلك اختيار المخرج الذي هو أنا. ففي نص المؤلف كانت المسرحية تنتهي بموت المدروك، لكنني تدخلت أنا كمخرج، وبروح الشباب والأمل اخترت الولادة. بالنسبة للمؤلف تنتهي المسرحية بموت الجنين في بطن أمه، لكن بعد نقاش مستفيض معه أقنعته بفتح باب الأمل. لأن هذه بلادنا ونحن لا نرغب لها إلا في الخير. الواقع مرير لكن لا بأس أن نترك أبواب الأمل والتفاؤل مفتوحة. لدينا جيل متميز يمكن أن ينجب أبطالا لكن هم في حاجة لمن يشد أزرهم. نريد هؤلاء المثقفين والسياسيين الذين فقدوا الأمل أن يعودوا معنا إلى الميدان ويناضلوا معنا من خلال أعمالهم. الذي يغير المجتمعات هو الفن والفكر، والمسرح فن راق جدا يخاطب الشعوب ووجدان الإنسان. العمل عظيم ووراءه كثير من الخبايا، حتى في السينوغرافيا ربما المشاهد العادي يلمح “شكوة” و”منجج” ولكنه لن يتمعن في مدلولها داخل العمل المسرحي، فحين نتكلم عن المنجج فنحن نحيك حكاية التاريخ ونحاول أن نربطها بالمستقبل وبالحاضر، حينما نضع الشكوة فهي رمز للتغيير، وقد كان نداء صريحا من الممثل حين يقول: “نخض، نخض فالنخيض نشوة، ولو يكون على الخوى”، هي دعوة للتغيير حين نضع الحليب في الشكوة فهو يتغير فيخرج منه اللبن ثم الزبدة. فهناك رمزية كبيرة جدا للشكوة”.
وبصدد حديثه عن كفاءة الممثلين، قال مخرج المسرحية، أن هناك ممثل آخر، لم يحضر، بما أن إدارة المهرجان فرضت عليهم 45 دقيقة في الإقصائيات فقد ألغوا دوره، مشيرا إلى أنه يقدر ظروفهم، إذ أن الفرق المشاركة في المسابقة تفوق 40 فرقة. جهة الدار البيضاء سطات وحدها تأهل فيها 13 عرضا استطاع التأهل من الإقليمي إلى الجهوي، ومن تأهل في الجهوي سينتقل إلى الوطني، “فضلا عن الصعوبات في المركبات الثقافية والبرمجة، فحاولوا نقص وقت المسرحيات ليربحوا الزمن. “ونحن نقدر هذا، لكن الإبداع لا يخضع لزمن. لأننا ضحينا بممثل يلعب دورا جميلا جدا، هو دور شاعر، وهذا الشاعر معتقل من طرف بوخرصة، وهو مربوط في زنزانة لأنه يقول بكلام زجلي أشعارا عن الحق ويهجي بوخرصة، فاعتقله ليقدم به العبرة. وقد استغنينا عن الدور لأنه الوحيد الذي كان بالإمكان بتره من العمل المسرحي دون التأثير على ماجريات المسرحية. كما أن هناك جنود الخفاء الذين لولاهم لما كانت المسرحية”.
وعن استفسار حول المقصود من السينوغرافيا التي اقتصرت على كتاب ابن خلدون تتغير صفحاته بتغير المشاهد، علق المحاور “لقد رغبنا في سينوغرافيا حديثة تستجيب لميزات ثلاث ألا وهي الجمالية والوظيفية والحركة، وهي ثلاثة ثوابت حرصنا على الحفاظ عليها. سينوغرافيا لها معنى وغير مجانية ولا ثابتة.
وأفاد قائلا “ربما في التصور الإخراجي الذي وضعت، حاولت الربط بين أغاني المسرحية وبين المنظور الإخراجي وبين المؤلف والسينوغرافيا التي ستؤلف بين كل هذه العناصر. نحن نحكي حكاية تسمى “الغوشة”، ارتأيت أن تكون السينوغرافيا عبارة عن خزانة، نأخذ منها كتابا وسط مجموعة من الكتب، لنحكي منه للناس حكاية من الحكايات العظيمة عن وطننا العربي، وكما لاحظتِ، فالمسرحية تتناول تاريخ المغرب، إذ تجمع بين معركة الهري وبوغافر وبوفكران ومعارك أخرى كان لها تأثير على مسار الدولة المغربية. هناك مجموعة من كتب التاريخ وضعناها في المسرحية؛ ربطنا بين السينوغرافيا والأغاني. تبدأ المسرحية بأغنية “حيكي الحكايات على أمجاد وبطولات فالكتوب الصفرا على الرفوف ذبالت ورشات”، وهذه دعوة أخرى للقراءة، لأن وراءنا تاريخ كبير علينا الاطلاع والحفاظ عليه. في الأغنية نقول “فالرفوف ذبالت ورشات” يعني لا أحد يبحث في التاريخ. حتى في التعليم بات هناك تبخيس لتاريخنا كعرب وكمغاربة. ونتألم عندما لا يعرف أولادنا أسماء مناضلين شاركوا في استقلال المغرب”.
وخلص المخرج إلى أن المسرحية عبارة عن صرخة للتغيير في مجموعة من المجالات؛ “وربما كانت من الأعمال التي أفتخر بها. خلاصة القول، نحن اخترنا الكوميديا السوداء، نتطرق إلى واقع مرير لكنه يضحكنا”.
بعد نهاية العرض المسرحي، الذي نال إعجاب جمهور بوزنيقة، تقدم مؤلف موسيقى المسرحية ومغني كلماتها مصطفى السميهري عضو مكتب فرقة البساط، بتقديم الممثلين، قائلا أيوب المنديلي في دور المتروك ورباب بوشامة في دور الغوشة وكوثر شهوان في دور فطومة ورضا أمزال في دور الحارس رقم واحد وزهير الخيراني في دور الحارس رقم إثنين ومروان البرايكي في دور بوخرصة وبدر أوسعدن في دور الباشا ورضى مساعد في دور فريوحة.
كما سلم مدير دار الشباب بوزنيقة درع تقديري للفرقة المسرحية في شخص مخرجها.
تجدر الإشارة إلى أن هذا العرض تم في إطار رمضانيات دار الشباب بوزنيقة، تحت إشراف المديرية الإقليمية لوزارة الشباب والثقافة والتواصل – قطاع الشباب ببنسليمان، وبتعاون مع جمعية بوزار وجمعية الشعلة للتربية والثقافة والشبيبة المدرسية وجمعية أضواء والاتحاد الرياضي بوزنيقة.
مندوبية الحليمي ترصد تحسنا في مؤشر ثقة الأسر خلال الفصل الثاني من سنة 2024
أظهرت نتائج البحث الدائم حول الظرفية لدى الأسر، المنجز من طرف المندوبية السامية للتخطيط، أ…