أفرزت نتائج انتخابات 8 شتنبر الأخيرة وما تلاها من تحالف ثلاثة أحزاب، الأحرار والاستقلال والأصالة والمعاصرة، كأغلبية حكومية، خارطة سياسية جديدة على مستوى المؤسسة التشريعية، جعلت جميع مكونات اليسار المنخرط في العملية الانتخابية في خندق المعارضة، مما جعل العديد من المتتبعين يجدون في ذلك “فرصة” تاريخية من أجل بناء قطب يساري معارض بمشروع مشترك يمكّنه من تقديم نفسه كبديل عن باقي التوجهات السياسية في المستقبل.
وعلى مرور السنين، وإلى حدود اليوم، ضلّ اليسار “ماكينة” لتفريخ الأحزاب، وظاهرة سياسية عنوانها “الانشقاقات”، اخرها ماحصل أياما قليلة قبل الانتخابات عندما انفصلت نبيلة منيب وحزبها الاشتراكي الموحد عن تجربة فدرالية اليسار الديمقراطي، لتختار الدخول في غمار الانتخابات بشكل أحادي، مما أثر بشكل واضح على نتائج اليسار الديمرقاطي وأضعف حظوظه.
عوامل عديدة تجعل “حلم” التنسيق اليساري اليساري، بعيد المنال، أهمها إختلاف الخطوط السياسية لمكوناته، وفي بعض الأحيان اختيار بعضها اتجاهات معاكسة لأفكار اليسار بإسم ” البرغماتية” والمشاركة اللامشروطة في الحكومات المتتالية خدمة لـ”الوطن” ابتداءً من حكومة التناوب.
ومن جهة أخرى، نزوح الطرف الاخر من اليسار نحو الرفض لكلّ المبادرات الرسمية وانكماشه في المعارضة من أجل المعارضة وتشبثه بالشعارات التاريخية لليسار، وعدم تجديد خطابه ونخبه، جعل الهوة تتسع بين هذه المكونات وتصعّب من مهمة التجميع.
نتائج مكونات اليسار في الانتخابات الأخيرة، مجتمعةً، أظهرت ضعفها الكبير والهوة الشاسعة بينها وبين كتلتها الانتخابية التي فقدتها خلال سنوات، كانت خلالها غارقة في التطاحنات التنظيمية الداخلية والحروب مع بعضها البعض، مما يفرض، حسب متتبعين، اغتنام فرصة التواجد في نفس الخندق، لمحاولة البناء ولمّ الشتات، فهل تتقاسم قيادات اليسار نفس النظرة للمستقبل؟ وهل توجد إمكانية في القادم من الأيام للاشتغال المشترك وماهي شروطه، أم ان الفروقات والاختلافات جعلت من مكوناتها خطوطا موازية لبعضها لا يمكنها الالتقاء؟.
الأول استجمع أراء عدد من قياديي اليسار، واستمع لصوت الباحث في العلوم السياسية.
مزواري عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي : تجميع اليسار عمل صعب والتنسيق البرلماني أمر ضروري ومطلوب
قال المهدي مزواري، عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي، الذي جاء حزبه في المرتبة الرابعة، من حيث نتائج الانتخابات الأخيرة، إن ” الأمور ليست بهذه السهولة، لا يمكنها أن تسير بشكل أتوماتيكي، اليوم التموقع في المعارضة يفرض مبدئياً التنسيق وليس التكتل أو التحالف وهذا وضع حاصل في برلمانات العالم بأكمله بين مكونات قد تختلف حتى إيديولوجياً، تنسق مع بعضها في عدد من اللحظات.
وأضاف مزواري، “ولكن في اللحظة التي نعيشها بخصوص اليسار هو نقاش سياسي كبير يجب أن يكون. والاتحاد الاشتراكي قام بمبادرات وانفتح خلالها على مكونات اليسار ولكن هذا العمل صعب للغاية، من وجهة نظري يجب إيجاد أطروحة موحدة “أرضية مشتركة” التي يمكن فتح نقاش من داخلها، لأن الجميع يعرف أن مكونات اليسار تختلف في تصوراتها حول العديدمن القضايا، علينا توحيد الرؤى بشأنها، وبالتالي يجب أن نشتغل على ورش التفكير التي تعتمد على الأجيال الجديدة لأجل بناء أرضية مشتركة تمكننا من الاشتغال من داخلها”.
وتابع القيادي، “إذن فالتنسيق في البرلمان ممكن ومطلوب وإيجابي، ولكن التكتل هذا موضوع اخر. مدخله سياسي وتنظيمي خصوصاً فيما يتعلق بالأليات السياسية لمكونات اليسار التي تتواجد بالمؤسسات سواء في البرلمان أو الجماعات المحلية”.
نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية: سنكون معارضة بناءة ومسؤولة ولاتعليق أخر حتى يكتمل المسلسل الانتخابي
من جهته رفض نبيل بنعبد الله تقديم أي توضيح أو موقف بخصوص إمكانية التنسيق اليساري داخل البرلمان أو إمكانية بناء تكتل حزبي يساري في المستقبل حتى إنتهاء كامل أشواط المسلسل الانتخابي مع ظهور نتائج انتخابات مجلس المستشارين بعد 5 أكتوبر المقبل.
وأكد بنعبد الله على أن حزبه اختار المعارضة البناءة والمسؤولة والفعالة خدمة للوطن، وسيعمل على ذلك بواسطة فريقه البرلماني من داخل المؤسسة التشريعية.
العزيز الأمين العام للمؤتمر الوطني الاتحادي: هل المعارضة اختيار أم فقط وضع قسري وجدت بعض الأحزاب نفسها فيه
من جهته اعتبر عبد السلام العزيز، منسق تحالف فدرالية اليسار والأمين العام لحزب المؤتمر الوطني الاتحادي، أنه “نظرياً هناك دائما إمكانية بناء جبهات وتكتلات يسارية، على اعتبار أن هناك دائماً، ومهما كانت الاختلافات والتفاوتات في المواقف والتقديرات، قضايا مشتركة مجتمعية، اجتماعية، سياسية أو حقوقية يمكن أن تكون أرضية لبناء عمل وحدوي حولها وكما تعلمون حاولنا في السنوات الأخيرة خلق أو الانخراط في تكتلات بمضامين مختلفة جمعت أحزاب فيدرالية اليسار وحزب النهج و تنظيمات يسارية مختلفة بالإضافة إلى نقابة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، نقابات قطاعية ومنظمات حقوقية وجمعوية، مثلاً في إطار الجبهة الاجتماعية، ودعم القضية الفلسطينية ومواجهة التطبيع، الدفاع عن الحقوق الحريات، المدرسة العمومية”.
وقال العزيز، ” ليس هناك ما يمنع من العمل على بناء تكتلات أخرى والانفتاح على فاعلين آخرين إن كان هناك بالفعل إمكانية بناء مشروع مشترك ومواقف متقاربة بين التنظيمات المعنية بالعمل المشترك، لكنه شئ غير متوفر الآن، فالتواجد في المعارضة ليس كافيا لبناء المشترك خصوصا إذا كان بشرياً بالنسبة للبعض، كما أن طبيعة المعارضة قد تختلف من تنظيم لآخر فبعض الأحزاب كانت مشاركة في تدبير المرحلة السابقة وثمنت بشكل واضح ما جاء به النموذج التنموي والآليات التي وضعها لتدبير الشأن العام في العشر سنوات المقبلة وبالتالي فمعارضتها ستكون بالضرورة شكلية عكس ما هو مطروح بالنسبة لأحزاب فيدرالية اليسار بالنظر للموقف من التوجهات الكبرى للنموذج المطروح ومن الميثاق وكذا من الأولويات والاصلاحات التي نطرحها كفيدرالية. المسألة الدستورية والاصلاحات السياسية، والموقف من الاعتقال السياسي وقضية الحريات، الموقف من التطبيع، المسألة الاجتماعية في علاقتها بالاختيارات الاقتصادية الكبرى”.
وأضاف العزيز، ” يبقى التساؤل مطروحا حول التموقع في المعارضة فهل هو اختيار أم فقط وضع قسري وجدت بعض الأحزاب نفسها فيه وبالتالي يمكن أن تجد نفسها في موقع مغاير في أية لحظة عكس ما نراه من ضرورة أن يمر اليسار من مرحلة معارضة قد تطول لبناء هذا اليسار بناءً صلباً من جهة ومن أجل توفير الشروط الدستورية و المؤسساتية لمشاركته من جهة ثانية؛ وفي الأخير لا بد من التأكيد على إمكانيات العمل المشترك، لابد أن يكون موضوع نقاش واسع داخل تنظيمات اليسار ولعل هذه الإمكانية مطروحة بقوة اليوم، وأحزاب الفيدرالية متجهة نحو التحضير للمؤتمر الاندماجي، كما أن الأحزاب الأخرى مقبلة على عقد مؤتمراتها الوطنية والتي قد تخلق شروط العمل المشترك داخل المؤسسة البرلمانية وداخل المجتمع”.
بوكرين عضو الكتابة الوطنية لحزب الطليعة: على جميع قوى اليسار بما فيها الاتحاد والتقدم والاشتراكية إعادة ترتيب بيتها الداخلي
في نفس السياق أكد لبيب بوكرين، نائب الأمين العام لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، على أنه في البداية “لا بد من الإشارة إلى أن عدد مقاعدنا لا يسمح لنا بالحديث عن تكثل يساري من داخل البرلمان، فإمكانية ذلك محدودة. وأي تحالف أو تنسيق هو رهين بتحقيق حد أدنى من الشروط الموضوعية والذاتية”.
وقال بوكرين القيادي في حزب الطليعة، “أكيد سيكون هناك تنسيق في عدد من الملفات بين القوى المحسوبة على المعارضة اليسارية داخل البرلمان خاصة القضايا التي نتقاطع فيها مع باقي اليساريين. لكن أيضا لن نكون جزء من معارضة هدفها الأساس تصفية الحسابات الخاصة. لأن مهمتنا هي الدفاع عن القضايا العادلة لجماهير شعبنا سواء عبر الدعم أو الاقتراح أو رفع المطالب أو الفضح أو التنديد والاحتجاج”.
وأوضح بوكرين، “مستعدون طبعا، بل ومن واجبنا إعداد مشروع يساري يتم الدفاع عنه ميدانيا وليس من داخل المؤسسات التي يجب أن تلعب دور الداعم فقط لهذا المشروع”، مشيراً إلى أن “أزمة اليسار وقياداته لا يجب أن تكون شماعة لتقديم التنازلات، بل المزيد من النضال”.
واعتبر ذات المتحدث أن ” تفعيل الجبهة الاجتماعية مدخلا لهذا المشروع ولأي تنسيق مستقبلي. فإذا لم نلتق ميدانيا ونضاليا، فلن نلتقي أبدا. وعلى جميع قوى اليسار، بما فيها الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، إعادة ترتيب بيتها الداخلي والتنسيق فيما بينها لرسم ملامح المرحلة المقبلة وإخراج اليسار المغربي من أزمته في أفق بناء جبهة وطنية ديمقراطية حقيقية”.
متوكل عضو المكتب السياسي للاشتراكي الموحد: إمكانية بناء تكتل يساري من داخل البرلمان ممكنة لكن بناءً على استقلالية القرار الحزبي
يرى عبد اللطيف متوكل عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الموحد، أنه “بالنسبة للحزب الاشتراكي الموحد فإمكانية بناء تكتل يساري من داخل البرلمان كمعارضة حقيقية وفعالة بالإمكان تحقيقها ولكن بناءً على اتفاقات وقرارات مسبقة وأهمها استقلالية قرار هاته الأحزاب وعدم اعطائها توجيهات وتعليمات، يجب كذلك التأكيد على أن تقريبا أغلبية هذه الأحزاب اليسارية داخل البرلمان ومن بينها الحزب الاشتراكي الموحد من الممكن أن تتغير مجموعة من الأمور داخلها السنة المقبلة بعد عقد مؤتمراتها الوطنية”.
ويبقى، حسب متوكل، “حلم الحزب الاشتراكي الموحد هو خلق قطب يساري واحد مع الإستفادة من الأخطاء السابقة وتطوير العمل المشترك مع الحفاظ عل استقلالية قرارات كل حزب على حد، كما علينا كذلك الانتباه إلى أن بعض الأحزاب المحسوبة على قوى اليسار قد ابتعدت ومنذ عقود عن نهج اليسار وعن مشروعه المجتمعي وهو ما يتطلب منها القيام بنقد ذاتي أو بإعادة تقييم حقيقي لخطها السابق وهي التي شاركت في العديد من الحكومات السابقة”.
وبخصوص التنسيق النقابي، قال متوكل، “أعضاء حزبنا ينتمون لمجموعة من النقابات التاريخية والتقدمية وهم يسيرون وفق النهج العام للحزب وخطه السياسي ويدافعون دوما عن دمقرطة العمل النقابي والابتعاد به عن البيروقراطية والسيطرة الحزبية … والمؤتمر القادم للحزب أكيد سيفتح من جديد موضوع النقابة بعد أن تلاشت مجموعة من العوامل التي كانت تمنع مثل هذا النقاش”.
محمد شقير باحث في العلوم السياسية والتاريخ المغربي الحديث: إشكالية الزعامة بين القيادات والتراكم التاريخي للمشاكل وثنائية الإصلاحي والراديكالي كلها عوامل معرقلة لتكوين قطلب يساري
من جهته اعتبر محمد شقير الباحث في العلوم السياسية والتاريخ المغربي الحديث، أنه من الصعب جداً التكهن بتشكيل قطب يساري في المستقبل بالنظر إلى أنه محكوم بعراقيل ومشاكل عدة، بالرغم من وجود قواسم فكرية ومرجعية مشتركة إلا أن هناك عوامل أخرى تجعل الأمر صعباً.
وقال شقير، من بين المشاكل التي تعرقل تكوين هذا القطب اليساري، إشكالية الزعامة، أي من سيتزعم اليسار وقد ظهر ذلك في الصراع بين الإتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، كما أنه تتبعنا جميعا ما حصل داخل اليسار الراديكالي المتمثل في الحزب الاشتراكي الموحد والانشقاق الأخير.
الإشكال الثاني، حسب محمد شقير، أن هناك بعض المكونات اضطرت للذهاب إلى المعارضة، وهنا أتحدث عن الاتحاد الاشتراكي بقيادة إدريس لشكر الذي وبعد محاولات كثيرة من أجل التواجد في الحكومة ذهب بشكل قسري إلى المعارضة وليس بشكل رضائي، وهذا كذلك من المشاكل التي لن تساعد في تشكيل هذا القطب.
ومن العوامل المعرقلة أيضاً، يقول شقير، داخل اليسار هناك، يسار إصلاحي واخر راديكالي وهذه مسألة ستصعب كثيراً تكوين أي قطب يساري في المستقبل، بحيث أن هذا الأخير يتطلب تكوين أرضية وبرنامج مشتركين، وأظن أنه من الصعب بهذه القيادات الحالية الوصول إلى اتفاق.
وأضاف شقير، في ذات السياق، بالرغم من كل الجهود التي بدلت لخلق فدرالية اليسار مثلاً، شاهدنا المشاكل التي حصلت، وانفضاض الحزب الاشتراكي الموحد عن الاندماج في الفدرالية.
وقال شقير أن التراكم التاريخي للمشاكل التي عرفها اليسار جعلت من الصعب تجاوزها خصوصاً مع طبيعة القيادات الحالية لليسار، حتى ولو تموقعت في المعارضة جميعها فإنه يضلّ أمر صعب، وربما حتى المواجهة البرلمانية مع الحكومة في المستقبل ستخلق مشاكل أخرى قد تزيد في عرقلة بناء قطب يساري مشترك.
انتهاء “أزمة” إضراب المحامين.. فرضوا على وهبي “التنازل” في مجموعة من النقط وهذه أهم الاتفاقات
أعلن مكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب رسمياً، أمس الاثنين، إنهاء مقاطعة الجلسات في مختلف …