لم تخرج نتائج المهمة الاستطلاعية التي شكّلها مجلس النواب حول الصفقات التي أبرمتها وزارة الصحة خلال جائحة “كوفيد 19″، عن ما تسرب من معطيات خطيرة إبان الأيام الأولى للجائحة بوجود اختلالات وخروقات في طرق صرف المال العام.
وإذا كانت الحقائق التي فجّرتها الصحافة تزامنا مع انكباب وزارة الصحة منذ شهر مارس الماضي على عقد صفقات خارج القانون وفي ظروف مشبوهة، قد أشعلت آنذاك جدلا واسعا وسط تهرب الوزير خالد آيت الطالب من التفاعل معها، قبل أن يتحرك البرلمان ليتقصى الحقيقة؛ فإن ما كشف عنه أعضاء المهمة الاستطلاعية يستدعي، بحسبهم، فتح تحقيق وترتيب الجزاءات القانونية.
وسجّل البرلمانيون عددا من الممارسات غير القانونية، في تدبير وزارة خالد آبت طالب لمسألة الصفقات، في طليعتها أن مقاولات معينة استفادت من صفقات تفاوضية دون أن تتوفر على التصريح القانوني المنصوص عليه في المادة 7 من القانون المنظم للمستلزمات الطبية، إضافة إلى حرمان شركات أخرى من الترخيصات الاستثنائية خلال فترة الجائحة، ما يؤكد بشكل لا لبس فيه شبهة محاباة بعض الشركات على حساب شركات أخرى في التعاقدات المتعلقة بالطلبيات العمومية.
كما توقفوا عند عدم التزام الوزارة بالقواعد المفروض على الإدارة الاحتكام إليها لدى إبراهمها صفقات عمومية، من خلال تمصلها من قواعد الشفافية والنزاهة، وضرب مبادئ المساواة بين المقاولات وضمان المنافسة الشريفة وتكافؤ الفرص.
وكشفت اللجنة البرلمانية، لجوء الوزارة عند تعاقدها مع الموردين لتسريع مساطر الترخيص الاستثنائي وإصدار ترخيصات مستعجلة أو لاحقة على إبرام الصفقة لفائدة الشركات المستفيدة، في حين أن جزء كبيرا من المهنيين كانوا يحتجون باستمرار على تجميد وتعطيل ملفاتهم لدى مديرية الأدوية والصيدلة، مما تسبب في حرمانهم من المشاركة في هاته الطلبيات العمومية.
وكمثال على ذلك، يورد التقرير، أن إحدى الشركات حصلت على شهادة تسجيل المستلزم الطبي الذي طلبت تسجيله قبل حتى أن تحصل هي نفسها على الترخيص القانوني لممارسة عملها في مجال المستلزمات الطبية. وقد تسنى للبرلمانيين معرفة ذلك، بعد اطلاعهم على وثائق تفيد بأن الشركة المعنية حصلت على شهادة تسجيل الكمامات الجراحية بتاريخ 22 أكتوبر 2020، وهو التاريخ الذي لم تكن فيه هذه الشركة قد حصلت بعدُ على التصريح القانوني للاشتغال في مجال المستلزمات الطبية.
هذه الشركة التي حظيت بمعاملة تفضيلية، تم تسجيلها بشكل قانوني منتصف شهر نونبر 2020، في حين أنها تمكنت من تقديم طلب تسجيل المستلزم الطبي قبلها بعدة أسابيع، وهو أمر ممنوع قانونا بموجب المادة 12 من قانون الصفقات العمومية.
وشدد التقرير على ان الوزارة تعاملت مع هذه الشركة بمحاباة واضحة، عبر تمكينها من وضع الطلب وأداء الرسوم، بينما تم إغلاق هذه الخدمة العمومية في وجه باقي الشركات، ومنحتها الترخيص القانوني الذي يتيح لها الاشتغال في هذا المجال تحت رقم 00/DMP/580 بتاريخ 11 نونبر 2020، لتكمكنها مديرية الأدوية من مساطر غير قانونية ومضرة بالمنافسة الحرة ومخالفة ومخلة بمبدإ المساواة وتكافؤ الفرص بين جميع الشركات.
وفي تبريرها لهذه المخالفات، ردّت وزارة الصحة بكون الأمر يعزى إلى حالة الاستعجال وقيام هاته الشركات بتوريد مواد وتجهيزات ومستلزمات طبية تم تسجيلها سابقا من قبل شركات أخرى لدى وزارة الصحة. ومع ذلك، يؤكد أعضاء المهمة الاستطلاعية أن الاستعجال لا يبرر هذه الخروقات، معتبرة ذلك “مخالفة صريحة للقانون ولصحة وسلامة المساطر القانونية الواجبة بهذا الخصوص”.
وزادت أن هذا التعاقد، “من شأنه تعريض صحة وسلامة المرض والأطقم الطبية وعموم المواطنين لمخاطر اقتناء هاته المنتجات من شركات تشتغل بشكل غير قانوني، ولم تخضع لمساطر وإجراءات المراقبة القبلية من قبل وزارة الصحة لقدراتها التقنية والفنية ولنوعية التجهيزات التي تتوفر عليها”.