صارت فيديوهات “روتيني اليومي” المنتشرة عبر منصة “يوتوب” تثير جدلا ونقاشا وطنيا، حول طبيعة المحتوى، وتتبعه من قبل فئة عريضة، وكيف صار نمطا للعيش لدى البعض، خصوصا عندما يصبح مشروعا مذرا للدخل.
وفي كل لحظة، يتداول العديد من مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي، عددا من الفيديوهات، بين منتقد وآخر مشجع، تتضمن هذا النوع من المحتوى، التي تسجل نسب مشاهدة عالية جدا، فما هي الأسباب التي تجعل هذه الفيديوهات تلاقي هذا الانتشار الكبير؟ ولماذا العديد من منتقدي هذه الفيديوهات والمتحدثين عن غياب المحتوى الجيّد هم في نفس الوقت أكثر إقبالا عليها؟ وما مدى تأثير هذه الفيديوهات على المجتمع؟
للإجابة على هذه التساؤلات، ربط “الأول” الاتصال بالدكتور محسن بنزاكور، المتخصص في علم النفس الاجتماعي.
بداية: ما هي الأسباب الحقيقية التي تجعل هذه الفيديوهات تلاقي هذا الانتشار الكبير؟ ولماذا منتقدي هذه الفيديوهات والمتحدثين عن غياب المحتوى الجيد نجد الكثير منهم أكثر إقبالا عليها في تناقض صارخ بين ما يقولون وما يفعلون؟
- عندما نتحدث عن روتيني اليومي، فنحن نتحدث عن بعد له أسباب اجتماعية، أساسها الجوهري، يكون إما اقتصادي أو قضية انتماء، ومادام أن غالبية الذين يتوجهون لقنوات “يوتوب” عندهم قناعة أنها تذر مدخولا، ومادام أنه في صفوف النساء خصوصا هناك شبه ارتفاع في نسبة البطالة، يكون اللجوء إلى مثل هذه الوسائل من أجل الدخل.
لكن في نفس الوقت هذا ليس مبررا كافيا كي نفهم الظاهرة. لا بد أن ندخل الانتماء والرغبة في الشهرة، وثالوث “إعجاب مشاركة تعليق”، (tu aime، tu partage، tu commente)، هذا الثلاثي ليس فيه بعد رفع المشاهدات فقط، ولكن أيضا تلبية لرغبة ذاتية، أنانية ذاتية تتمثل في الشهرة وإثارة الانتباه، تعتبر هذه عوامل أساسية للجوء إلى “روتيني اليومي”.
الإشكال هو المضمون، ما الذي يجعل المغاربة يقبلون على مضمون عادي، بسيط جدا؟، ربما لأنه كان هناك فراغا سابقا، نعلم بأن ما نسميه القنوات الرسمية، في وقت سابق قبل انتشار هذه الشبكات، وحتى البرامج التعليمية لا تحتوي على ما نسميه (soft skills)، “المهارات الحياتية”، وهذا ما دفع لانتشار الأشخاص الذين يخوضون هذا المجال، وكانوا يجدون إقبالا كبيرا نظرا ـ منطقيا وعلميا ـ لغياب ما نسميه ببناء الذات والاهتمام بها، في المنظومة التعليمية، وفي البرامج التعليمية.
وأصبح المقياس والمعيار هو التجربة الذاتية لكل شخص، فصار المتفرج على “روتيني اليومي”، يبتغي من خلال ذلك إيجاد إجابات لتساؤلات تطرح عليه بشكل يومي.
لأن التعليم يعطيك برامج تعليمية متعلقة بالأكاديميات، ولا يعطيك مهارات حياتية، فيبحثون عنها هناك.
وفي بعض الأحيان، هناك من لا يجد طريقة لملئ الفراغ، فيتوجه إلى مثل هذا “الروتيني” لأنه بسيط، لا يتطلب معرفة عالية ولا يتطلب علما، وبالتالي يكون هناك نوع من الانسياق وراء السهولة والبساطة.
ولهذا عندما ندرس علميّاً نوعية المقبلين على هذا “الروتيني”، نجدهم من عامة الناس، ومستواهم الثقافي بسيط، أو أقل من بسيط، ومن لهم فراغ في حياتهم، لا يتوفرون على عمل أو ليست لهم التزامات، هذه كلها أشياء يمكن أن تفسر لنا هذا الإقبال.
فعندما تصبح مشاهدة روتيني اليومي عادة، يصبح لدى الإنسان تبعية لمثل هذه العادات، لدرجة الإدمان، وبالتالي الإدمان يكون على أساس الفراغ، مثل الإدمان على ألعاب الحرب، في وقت ما كان الإدمان على المسلسلات المكسيكية وغيرها.
وهذا الإقبال يفسره أيضا سهولة الولوج، عبر الهواتف الذكية، ثانيا لأنه ليس هناك بدائل لبناء الذات، يعني الإنسان لما يعيش حالة من الفراغ لا يكون عنده طموح أن يخرج من الفراغ وأن يتوجه للأشياء المؤسسة للمواطن وللإنسان الفعال والناشط، فيصبح إنسانا مدمنا على الفراغ ميالا للكسل، ويصعب عليه أن يبذل مجهودا وأن يدخل لمواقع من أجل المطالعة وتكوين الذات، لأن هذا يتطلب طاقة، وهذه مخاطرة كبيرة جدا أي أننا نوطئ للفراغ وننشر الفراغ، وبالتالي خطاباتنا تكون فارغة ولغتنا فارغة وليس لنا أهداف.
* ما مدى تأثير هذه الفيديوهات على المجتمع؟
- الطامة الكبرى هي على الأجيال الجديدة، الذي يرى ذويه، والدته أو أخته وأكبرهم سنا يقوم بهدا الفعل، فيعطيه مبررا، أن يقلد، ونحن نعلم أن الطفل لا يتعلم إلا من خلال النموذج الذي قلت، وهذه هي الخطورة الثالثة.
الخطورة الرابعة هي أنه ليس هناك ندوات أو قراءة علمية رزينة لمثل هذه الأمور، كي يجد المجتمع المغربي الرأي والرأي الآخر، وكي يسمع الإنسان العادي ويرى أشياء تنمي فيه الحس النقدي، كي لا يظل متلقيا سلبيا.
هذه كلها مخاطر يمكن أن تكون بهذه الطريقة، ولكن ليست بهذه القوة، لأن الأشياء الفارغة تأتي كموجة وكموضة، يمر الوقت فينساها الإنسان ويمر لشيء آخر، وخطورتها ليست بذلك العمق، غير أن الثمن الغالي الذي نؤديه هو الزمن يفقد قيمته ولا يُستثمر.
*ماهي البدائل الممكنة التي يمكن أن تساهم في سدّ هذا الفراغ الحاصل؟
- هناك فكرة بسيطة، وبدأ الانتباه لها مؤخرا، وهي أن العلماء كذلك ينشؤون قنوات، وألا تكون بتلك الرتابة، تكون مثيرة وتخاطب العقول البسيطة، أو كما نسميها “تبسيط العلم”، فبعض القنوات في أمريكا وأوروبا نجحت في هذا المجال، وتتحدث على الوسائل التكنلوجية الحديثة مع التبسيط، وربما العالم الذي يهتم بالمجال النفسي ينشئ قناة عادية وبلغة مفهومة، كذلك الطبيب..، فتصبح الساحة غير فارغة، ويصبح للإنسان ميول للاستفادة، فبعد المقارنة سيميل إلى ما هو مفيد أكثر.
هناك مسألة ثانية وهي أن تُدخل المؤسسات التعليمية دروسا خاصة حول الأنترنيت، وكيفية التعامل معها، فهنا سيصبح هناك نوعا من النقد للمضامين، وسيصبح التلميذ أكثر احتياطا وقدرة على التمييز والاختيار، ومادام هذا الفراغ موجود فسيدفع بالتلميذ بعد انتهاءه من المدرسة للتوجه إلى ذلك الفراغ، لأنه ليس هناك بديل، وبالتالي إذا تكون في هذا الجانب وعرف خطورته وكيفية التعامل معه، فربما حتى التلاميذ سيمكنهم إنتاج فيديوهات تظهر كفاءاتهم منذ الصغر، فلا يمكن أن نسكت عن هذه الأمور وننتظر أن تتغير وحدها، يستحيل ذلك.
بالإضافة إلى ذلك، نجد أن “يوتوب” يضع رقابة على الفيديوهات التي تحتوي على مشاهد عنف، فبالتالي ربما يكون هناك أن يلعب الجانب التشريعي دورا للحد من مثل هذه الأشياء.
لفتيت يزف بشرى للمغاربة.. الداخلية تستعد لإخراج مشروع لتجديد جواز السفر عن بعد
تستعد وزارة الداخلية لإخراج مشروع ينتظر منه تسهيل تجديد جوازات السفر للمغاربة، دون اللجوء …