سفيان خيرات*
لغة التدريس من الدارجة إلى اللغات الأجنبية و ما أثارته من لغط و بوليميك ( آخرها تسمية جبهة في إحالة لا واعية عن وجود حرب) لم تستنبط بعد المسار المركب الذي خطاه المغرب و لازال يخطوه لإدراك هويته المتعددة. يؤكد التاريخ أن التجارب التي تنحو إلى اعتماد بعد واحد في مكونات هوية الأوطان تستحيل إلى التطرّف و الإنغلاق و العنف.
ما الذي يجري حتى يحتل النقاش حول لغة التدريس كل هذه المساحة من التجاذب السياسي؟
هل تختزل الهوية في اللغة؟ و متى كانت كذلك؟
هناك تلاث مستويات وجب رصدها للإحاطة بهذه الإشكالية المعقدة.
المستوى الأول: اللغة و الهوية
في الإدراك الفلسفي لمفهوم الهوية تحضر لغة القرآن كلغة مقدسة فننتقل من نسبية السياسة العمومية إلى إطلاقية الإنغلاق حول الذات مبرزين هذا الخوف المستشري جراء قرون من النكوص من الآخر. لكن لم ينفك فكر الإختلاف طيلة القرن العشرين أن يعلمنا أن لا هوية بدون وجود الآخر. لا هوية لذاتها أبدا. هي كذلك لأن الآخر موجود. كذلك هي الأندلس، بانفتاحها على الفلسفة اليونانية و الثقافة الفارسية و غيرهما شكلت منارة التعايش على مر العصور.
لا يمكن للغة أن تختزل الهوية. أولى منطلقات النقاش أن نميز بينهما.
المستوى الثاني: اللغة و الإديولوجيا.
تعبر الإديولوجيا عن نفسها بالحركة و ليس باللسان. هي مرتبطة بالمصالح و ليس باللغة. لهذا نجح الفرس حيث فشل الإخوان المسلمين بعيد ماسمي بالربيع العربي. كل بحث عن الربط بين الإديولوجيا و اللغة يؤخر مصالح الأوطان. بعد انهزام الروس أمام نابوليون أصبحت اللغة الفرنسية هي المرجع الأساس في تحديد مفهوم النخبة لدى الروس. و لن تتأخر روسيا في تحقيق الثورة و تجاوز العقدة. كذلك الصينيون مع اليابانيين و الهنود مع الإنجليز و هلم جرا. كل حديث عن لغة التدريس عليه أن يستحضر المصلحة لا الهوية. فالهوية لا تموت لكن المصالح تتعطل أو تتأخر.
المستوى التالث: لغة التدريس و لغة العلم.
تطورت لغة العلم (بمفهومه الإبستمولوجي الضيق) حسب تطور الحضارات و قوتها ونفوذها. اللغة العربية اليوم ليست لغة علم و لا يمكن أن تكون كذلك في الوقت الراهن. يعلمنا طوماس كون في بنية الثورات العلمية، أن العلم ليس وليد البحث أو المختبر هو سيرورة تتحكم فيها عوامل أخرى سوسيولوجية و تاريخية و غيرها. وراء العلم هناك الجماعة. و مالك تكن الجماعة قوية و نافذة فعلمها لا ينفع. أهم الباحثين و العلماء الفرنسيين يدرسون باللغة الفرنسية لكنهم لا يصلون إلى العالمية دون التحول إلى الإنجليزية في مرحلة من مراحل بحوثهم العلمية. كذلك الألمانيون و اليابانيون و غيرهم. العلم لا لغة له هو إرادة للتقدم و الظهور أمام الآخر.
خلاصات لا بد منها.
١- الدفاع عن اللغة العربية كلغة للتدريس هو تموقع إديولوجي ليس دفاعا عن هوية جامعة بل عن هوية منغلقة داخل الهوية الكبرى.
٢- اختزال النقاش حول هذا الموضوع يعمق أزمة منظومة التربية و التكوين و مؤشر على الهوة الفاصلة بين النخب الظاهرة و واقع الأزمة.
٣- أزمة منظومة التربية و التكوين هي أزمة سياسة و لن نلامسها في غياب قنوات شفافة للحوار و النقاش. كل مقاربة بيروقراطية مآلها الفشل و كل مقاربة “هوياتية” مآلها النكوص.
* فاعل سياسي، خريج المدرسة الوطنية للإدارة – فرنسا ستراسبورغ
بايتاس “كلاشا” المعارضة: أين حكومة 2012 من محاربة الفساد؟
وجه مصطفى بايتاس، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة، والوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان، ا…