مراد بورجى

انتظرت مرور أكثر من أسبوعين على الخطاب الذي وجهه الملك محمد السادس إلى ممثلي الأمة بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية الحالية لعلي أطلع على مختلف ردود الفعل التي خلفها هذا الخطاب وسط الرأي العام.

وما كان لافتا للانتباه وسط هذه الردود كلها، هي واقعة “الحلوى” التي احتلت الحيز الهام من انشغالات الناس أكثر من انشغالهم بالخطاب الملكي نفسِه.

أكثر من هذا، لقد كان السؤال الذي طفا إلى السطح وشغل البلاد والعباد ومعهما الرأي العام الوطني هو ذلك الذى تردد على الألسنة: من هرّب الحلوى مباشرة بعد مغادرة الملك لقبة البرلمان؟

وكم هو مؤسف أن يمر كل هذا الوقت دون أن يخرج المعنيون ليردوا الناس إلى جادة الصواب في هذه القضية التي تحولت إلى “فضيحة” عابرة للحدود. بل  تركوا الناس في ترهات الحلوى يعمهون، حتى أصبح الكل يتحدث عن الحلوى ولا شيء غير الحلوى ومن أكل الحلوى ومن هرب الحلوى دون أي اعتبار للمضامين التي حملها خطاب ملكي في هذه الظرفية الحساسة جدا.

أي أن الناس انشغلت بالحواشي ونسيت أن تنشغل بالمَتْن وهو هذه الظروف والأوضاع التي أقل ما يقال عنها إنها صعبة والتي تجتازها حاليا بلادنا.

وهذا له معنى واحد لا ثاني له وهو أن هناك من “يستهتر” بالمواطنين وبدافعي الضرائب حتى أن هذا الاستهتار بلغ منتهاه.

صحيح أن الملك محمد السادس رد بقوة على دعاة “التيئيس والعدمية” بعد أن تناسلت مثل هذه الأسئلة:

هل فعلاً خرج قطار المغرب عن سكة التنمية واصطدم بالحائط في رحلة ذهاب بلا إياب أصبحت معها الأوضاع قابلة للاشتعال في أي وقت؟

وهل صحيح أيضا أن كل الشباب المغاربة أصيبوا بالإحباط وضاق بهم جلباب الوطن وباتوا مستعدين لركوب قوارب الموت؟

وماذا عن أولئك المزاليط من المواطنين الذين هدمت السلطة أكواخهم القصديرية وتركتهم في العراء يواجهون المجهول؟

ثم ما صحة الأنباء التي نشرتها جريدة “لافي إيكو” المملوكة للملياردير عزيز أخنوش، والتي تحدثت عن شلل تام في قطاع التجارة والصناعة الذي يشرف عليه زميله في الحزب مولاي حفيظ العلمي؟

وماذا عن الأخبار التي راجت بخصوص اختفاء مفاجئ للسيولة وما يمكن أن يرافق ذلك من تساؤلات حول مستقبل الاستثمار وانعكاسات كل هذا على القدرة الشرائية للمواطن المغلوب على أمره؟

كل هذه الأسئلة وغيرها ظلت عالقة وغامضة في الوقت الذي كان الناس يعلقون آمالا عريضة على الخطاب الملكي أمام البرلمان لينير لهم الطريق بأجوبة مطمئنة للقلوب.

لكن بالموازاة مع هذه الأسئلة الحارقة التي ظلت بلا أجوبة مقنعة لغاية اليوم، دعونا نسمي الأشياء بمسمياتها في قضية تهريب “الحلوى الشريفة” وهوية مهربيها.

وبالطبع، لا يحتاج الأمر هنا إلى كثير من البحث والتقصي لأن الذي هرب الحلوى، في تلك المشاهد التي بدا فيها البلد كما لو أنه يمر بمجاعة، ليس البرلمانيون وإنما خدام القصر الذين يرافقون الملك إلى البرلمان في مثل هذه المناسبات.

أما برلمانيونا “الموقرون” فيبدو أننا نقلل من شأنهم عندما ننسب إليهم “تهمة” تهريب الحلوى وننسى أن ممثلي الأمة لم يأتوا إلى البرلمان من أجل الحلوى.

برلمانيونا لهم طموحات لا حدود لها وهي أكبر بكثير من أن تختزل في قطعة حلوى. بل إن جوهر ما يطمح إليه برلمانيونا هو أن يظلوا بالقرب من “امالين الحلوى” أنفسهم حتى لا يتعرضوا إلى لعنة “التتريك” والإبعاد من رحمة المخزن الذي يعرف كل شيء عن أسرار ثرواتهم الغامضة.

وليس سرا اليوم أن ممثلي الأمة تحولوا إلى عبء مالي ثقيل يؤديه المواطنون الفقراء من جيوبهم في شكل ضرائب تقتطع تلقائيا من أجورهم المتواضعة جدا.

يقع كل هذا في الوقت الذي تسامحت كل الحكومات السابقة مع تقنيات التلاعب والاحتيال لمراكمة الثروات عبر تجاوزات مالية خطيرة أبطالها مسؤولون وبرلمانيون من الأثرياء، قدامى وجددا، كانوا يقدمون، طيلة الخمسين سنة الماضية، بيانات شركاتهم الضريبية المزورة إلى مصالح الضرائب. إلا من رحم ربي.

وهي بيانات غالبا تفيد أن الحصيلة السنوية سلبية وأن شركاتهم لم تحقق أي أرباح حتى لا يؤدون أي سنتيم إلى الدولة.

وما على مصالح الضرائب إلا أن تراجع الأبناك التي لازالت، إلى اليوم، تحتفظ بالنسخ من هذه البيانات الحسابية للشركات المزورة لأكثر من أربعين سنة لفضح مدى فظاعة هذه التلاعبات الضريبية وهذا الاحتيال الذي مارسه أرباب هذه الشركات.

وتجد هؤلاء الأثرياء الجدد هم السباقين إلى انتقاد الدولة وفي نفس الوقت ينهبون أموالها ليصرفوها في إنعاش إقتصادات الدول الأوربية والغربية.

دعونا نطرح الآن السؤال الأهم: ما هو الحل لهذه الأزمة المالية التي تعانيها البلاد حتى وإن كنا نعتقد أن جزءا هاما من هذه الأزمة هو مفتعل وليس قدرا من السماء؟

ويقيناً أن حل نسبة كبيرة من أزمات البلاد يمر، في نظري، بالضرورة عبر “تتريك” العديد من من ذوي الغنى الفاحش والثراء المفاجئ الذين راكموا ثروات طائلة غير مشروعة من الفساد والريع والنهب والتزوير والتلاعب الضريبي والرشوة والاحتيال على القانون والإدارة والسطو على المال العام وعلى أموال الغير وأراضي الغير…. واللائحة طويلة.

وربما لهذا السبب اضطر  الملك محمد السادس إلى التساؤل وباستغراب مع المغاربة: أين الثروة ومن نهبها ولماذا لم يستفد باقي المغاربة منها؟

أربع سنوات، إذن، مرت على سؤال الثروة الذي طرحه الملك، لكن لا زال الحال دون تغيير إلى غاية اليوم. ولازالت هذه الحفنة المحظوظة من علية القوم تواصل مسلسل نهب جيوب المواطنين.

ولازال الانتهازيون أيضا ينعمون بالغنى الفاحش. ومقابل ذلك، لازال الفقر المدقع يطارد باقي السواد الأعظم من المغاربة.

ويجب أن نعترف هنا بأن السيل وصل الزبى خاصة بعد أن توارت النخب المعروفة بمصداقيتها إلى الخلف وتركت الساحة فارغة ليملأها الجهلة والجهال ومحترفوا تسكيح الوعي.

في رأيي المتواضع لوقف هذا النزيف  وإخراج البلاد من الأزمة الخانقة والمرور إلى بر الأمان الحل إذا في شقين:

أولها:  – أوامر ملكية صارمة تحتاج لها البلاد في هذا الوقت العصيب بالذات لإخراج البلاد من الأزمة المذكورة، سواءاً حقيقية كانت أم مفتعلة بفتح تحقيقات فورية وإسناد هذه المهمة لبعض رجالات هذا الوطن الحقيقيين المعروفين بنزاهة ذمتهم كي يشرفوا على حملة محاربة الإثراء غير المشروع، يطلق عليها إسم “هيئة تتريك المفسدين واسترجاع المال العام المنهوب للشعب”.

أما بخصوص البرلمان والحكومة فإن الجالس على العرش كان قاسيا إلى حد بعيد حتى أنه استعمل، في أكثر من خطاب ملكي، عبارات قوية في حق الساسة والسياسيين والوزراء والبرلمانيين ومعهم مسؤولون سامون وموظفون وإداريون كبار في هرم الدولة.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن الملك طرد وزراء شر طردة واتهمهم بعدم الكفاءة وحملهم مسؤولية الاحتجاجات التي اندلعت في عدة جهات بالمغرب قبل أن يقول قولته الشهيرة: “أنا لم أعد أثق في الطبقة السياسية”.

لكن، وعوض أن يدافع هؤلاء السياسيون وأحزابهم عن أنفسهم ونزاهتهم ومصداقيتهم بعد هذه الخطابات الملكية التي مسحت بهم الأرض، فإنهم بلعوا ألسنتهم وفضلوا الصمت  إلاَّ إلياس أبى واستكبر وكان من “المنتفضين” وقال إنه مقصود بهذا الغضب الملكي.

لكن إلياس لم يمض بعيدا في هذه “الانتفاضة” الصغيرة، بل استقال فلم يتبعه أحد فخرج منها وكان من المبعدين”.

بقي فقط أن أختم بهذه الفقرة الدالة من آخر خطاب ملكي قال فيها محمد السادس: “المغرب يجب أن يكون بلدا للفرص، لا بلدا للانتهازيين. والمغرب يحتاج، أكثر من أي وقت مضى، إلى وطنيين حقيقيين”.

من يعني الملك بالانتهازيين مادام كان يوجه كلامه لنواب الأمه وللحكومة معاً؟ ومع كل ما كاله الملك لسنوات لهؤلاء الساسه ولم يتغير شيئ، ولازال الملك  يبحث عن الوطنيين الحقيقيين؟

ولهذا السبب ضاع الحل لهذه الأزمة التي تنخر البلد حتى مع وجود حكومة ووزراء وبرلمان وبرلمانيبن تعرضوا أكثر من مرة للتقريع الملكي لكن بلا دور سوى تبديد المال العام بلا منفعة عامة لفائدة المواطن البسيط.

لكن إذا كنا قد فشلنا في بناء نموذجنا التنموي مع حكومات سياسية طيلة عقدين من الزمن.

إذا ثاني حل هو:

لماذا لا نجرب حل البرلمان وحل هذه الحكومة وتشكيل حكومة تكنوقراطية من 10 وزراء برئاسة الملك انسجاما مع قراءة دستورية تفرض على رئيس الدولة أن يتدخل عندما تصبح مصالح الوطن والمواطنين عرضة للضياع ؟

دعونا نجرب هذا الصنف من الحكومات ولو لولاية واحدة من خمس سنوات، تصلح فيها الأحزاب حالها، وبعدها لكل حادث حديث ما دام هناك دستور جديد يربط المسؤولية بالمحاسبة.

التعليقات على هل تدفع الأزمة الإقتصادية والسياسية الملك إلى حل الحكومة والبرلمان وتتريك الإنتهازيين مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

مجلس المستشارين يصادق على مشروع القانون المتعلق بإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار

صادق مجلس المستشارين، في جلسة تشريعية عقدها اليوم الثلاثاء، بالأغلبية، على مشروع القانون ر…