شهدت الأشهر الأخيرة هجرة جماعية لعدد كبير من فوج مهندسي المدرسة الوطنية العليا للمعلوماتية وتحليل النظم -موسم 2018-، وهو ما أثار أسئلة كبيرة حول هذا النزيف الذي يعرفه المغرب على مستوى الأدمغة، وما الذي يجعل الأطر تغادر البلد، وهل ضاق الوطن بأبنائه إلى هذه الدرجة. هذه الأسئلة حملناها إلى المهندس عثمان أيت عمي، أحد خريجي هذا الفوج الذي رفض مغادرة البلد، في محاولة لفهم أسباب هذا الهروب الجماعي!

أنت خريج فوج المهندسين، الذي هاجر أغلبه إلى خارج المغرب. لماذا في نظرك هذه الهجرة الجماعية؟

  • أبدء بالإشارة إلى أمر مهم: وهو أن هذه الهجرة قد بدأت معالمها في الظهور منذ فوج 2012، وتصاعدت الوثيرة سنة بعد سنة، وهي مرشحة إلى التصاعد أكثر فأكثر. أما بخصوص الدوافع، فقد تختلف، ولكن يبقى القاسم المشترك بينها هو “البحث عن حياة كريمة”، ونقسم هذه الدوافع إلى ثلاثة أصناف: أولا، المسار المهني: إذ يرى بعض المهاجرين أن فرصهم في الحصول على مسار مهني مشرف ومراكمة التجارب أكبر خارج المغرب، خاصة وأن كم الخبرات المتوفرة في أوروبا أو كندا مثلا لا تقارن بمثيلاتها في المغرب، علاوة على الفرص المتعددة المتاحة للتطور السريع من طرف مشغلين يحترمون -على العموم- إنسانيته ويقدرون كفاءته ويشجعون إبداعه. ثانيا: الراتب أو المقابل المادي: ويعتبر هذا الدافع من الدوافع الشائعة لدى المهاجرين، إذ أن ما يجنيه مهندس حديث التخرج بالمغرب قد يصل إلى 4000 درهم شهريا في بعض الحالات، ويبقى الأجر على العموم أجرا زهيدا لا يتجاوز في متوسطه 7000 درهم، وهذا لا يليق بالمسار التكويني والدراسي الشاق الذي خاضه هذا المهندس، ولا يليق كذلك بقدر وحجم المهام المسندة إليه أثناء عمله، في حين أن الأجور المتوسطة في المهجر تبلغ 4 أضعاف نظيراتها في المغرب. ثالثا: السخط على الأوضاع الاجتماعية: خلال المسار التكويني للمهندس يكون قد عايش مجموعة من الأحداث ويكون قد كون بناءً عليها صورة قاتمة على ماهية مستقبله بالمغرب في ظل هذه الأوضاع. وأسرد هنا مثالا عن سبب من أسباب تولد هذا السخط، وهذا فقط غيض من فيض: سنة 2017 قاد هذا الفوج واحدة من أشرس المعارك النضالية دفاعا عن حقوقه الطبيعية والعادية، والتي تتجلى أساسا في توفير مطعم وتخفيض ثمن الكراء بالإقامة، إضافة إلى مجموعة من الأمور البديهية الأخرى التي تضمن تكوينا هندسيا جيدا في ظروف كريمة، بعد حوالي شهر ونصف من النضال المستمر والإضراب المفتوح ووقفات أمام الجامعة ووزارة التعليم العالي ومراسلات للإعلام.. إلخ. قوبل هؤلاء الطلبة بآذان صماء من طرف المسؤولين الفعليين عن معاناتهم، فاضطروا على مضض إلى توقيف معركتهم، إنقاذا لموسمهم الدراسي. وأؤكد أن هذا التوقيف نتج عنه تدمر كبير، وسخط على المؤسسات الرسمية، بل وكفر بالسياسة التعليمية بالوطن.. ولازلت أذكر بيانا أصدره الطلبة حال توقيفهم للمعركة آنذاك، يحذرون فيه من كمية السخط الذي تولد لديهم نتيجة ما لاقوه من تعامل ولا مبالاة.

 

– لماذا أنت والقليلون غيرك فضلتم البقاء في المغرب ولم تغادروه إلى الخارج مثل باقي زملائكم؟

  • هناك مجموعة من الأسباب لهذا الاختيار، هناك من فضل البقاء بسبب ظروف عائلية خاصة، وهناك من لم تتح له بعد الفرصة المناسبة للمغادرة، وهناك من هو مقتنع بالظروف التي يعيشها، وهناك من فضل البقاء لاقتناعه -وأنا منهم- بأن الوطن مهما كانت ظروفه يبقى وطنا ويجب السعي إلى خدمته وتطويره، ولإيمانه أنه مهما بدت الأفق منسدة لازال هناك أمل وجب الكفاح من أجل بزوغه، وأن على هذا الوطن ما يستحق الحياة.

 

ألا تعتقد أن هؤلاء المهندسين الذين اختارو مغادرة المغرب، رغم أنه هو الذي كونهم من ميزانية الدولة التي تعتبر الضرائب التي يدفعها الشعب موردها الرئيسي. خيانة للوطن؟

  • إن تبسيط الأمر بهذا الشكل فيه الكثير من التهوين من حقيقة الأمر، أتكلم عن زملائي بحكم أنني أعرف الكثير منهم معرفة دقيقة، وأؤكد لك أن العديد منهم أكثر وطنية من بعض ممن يتصدون للشأن العام ويسيرونه، وأكثر استعدادا للتضحية لأجل وطنهم وخدمته بكل تفان وصدق ونكران للذات. فالموضوع هنا لا يتعلق -قطعا- بخيانة للوطن، بل هي مسألة اختيارات نتجت عن ظروف معينة تسبب فيها للأسف من يسيرون هذا الوطن، فاللوم يقع بالأساس على من أدى إلى هكذا ظروف. إذ لا يمكن رهن الكفاءات وإجبارهم على الاشتغال في ظروف غير ملائمة، ولا يمكن لأحد أن يتصور ذلك ولا أن يقبل به. وحال توفير فرص ملائمة يكون احترام الانسان محورها وتقديره أساسها، أؤكد لك أن العديد ممن غادرو سيسرعون بالعودة إلى حضن وطنهم خدمةً له ومساهمةً في نهضته.

هل في نظرك، الهجرة هي الحل؟

  • الهجرة بالتأكيد ليست هي الحل بالنسبة للوطن، فهو أكبر الخاسرين من هذه الظاهرة المتنامية بخسارة كفاءاته وأدمغته، وهي -على خلاف ما يروج رسميا- ليست دليلا على جودة التكوين الهندسي، بل هي أساسا دليل على أن الأوضاع غير ملائمة وأن هناك خشية من مستقبل قاتم، وهي كذلك صرخة صامتة من أجل إنقاذ هذا القطاع قبل فوات الأوان. أما بالنسبة للمهندس الذي قرر الهجرة، فهي حل قد يكون مثاليا أحيانا، و إن كان مؤقتا، فهو بهذا القرار يكون قد ضمن مستقبلا كريماومسارا مهنيا مشرفا، وخبرة عالية قد يفيد بها وطنه حال رجوعه يوما ما. إذا قدر له ذلك!
التعليقات على المهندس أيت عمي أحد خريجي فوج المهندسين الذي هاجر جماعيا: السخط الذي تولد لدى المهندسين والبحث عن حياة كريمة هو الذي دفعهم إلى الهجرة مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

كأس أمم إفريقيا 2025 بالمغرب.. الجزائر تحجز بطاقتها إلى النهائيات رفقة الكاميرون وبوركينافاسو

لم يتأخر المنتخب الجزائري في حسم تأهله إلى نهائيات كأس الأمم الإفريقية لكرة القدم المقررة …