“كيف أصبحت هكذا”

كل إنسان له اختيارات في الحياة، ولكل اختيار من هذه الاختيارات حكاية يتداخل فيها الذاتي والموضوعي، ويحضر فيها أشخاص ووقائع وكتب ومواقف… وتغيب تفاصيلها عن الناس حتى يعتقد بعضهم أن الكاتب أو المبدع ولد بكامل الوعي والإبداع الذي عرفه به الناس، أو أن الإسلامي ولد إسلاميا واليساري يساريا…

مع عبد الله زعزاع

إنجاز: علي جوات 

-كيف أصحت يسارياً ماركسياً ؟

أهم وأقدم حدث وقع لي في هذا السياق، والذي سيكون مؤثرا في تحولي إلى عالم النضال والسياسة، وقع في دجنبر 1952، حين قامت أمي بإلباسي حذائي وقالت لي: “سير للمدرسة بوحدك راه حتى واحد ما يقرب لك”. كان ذلك بالتزامن مع ما بلغنا عن وقوع أحداث سقط فيها قتلى وجرحى. كنا حينئذ نسكن في الحي العمالي الأوروبي بالدار البيضاء (يضحك). كنا نقيم في “براكا” بالرغم من أن الحي اسمه الحي الأوروبي، بينما الأحداث التي اندلعت كانت في الحي المحمدي، “كاريان سنطرال” أنذاك. لاحقا سأعرف أن الأمر يتعلق بالأحداث التي اندلعت احتجاجا على اغتيال النقابي التونسي فرحات حشاد.

في سنة  1953، وعندما كنت في سن الثامنة، انتقلنا من الحي الأوروبي، إلى حي درب السلطان، لكن شقيقي الأكبر ظل يعمل بالحي الأوروبي. أنا بدوري لم يتم نقلي من مدرستي الأولى. هكذا أصبحت متابعا للسياسة من دون آن أتعمق فيها، فقد كان أخي يقلني بدراجته الهوائية إلى المدرسة لمدة أربع سنوات تقريباً، كنا نتعرض خلالها للتفتيش والتوقيف أمام الحواجز الأمنية التي كان ينصبها العساكر الفرنسيون، خصوصاً وأن تلك السنة كانت سنة انطلاق المقاومة، وكانت تنتشر أخبار عن الاعتقالات والاغتيالات، وكل الأحداث التي تلت ذلك من وفاة الزرقطوني، إلى نفي محمد الخامس، وأخبار جيش التحرير، إلى توقيع “إكس ليبان”، وغيرها من الأحداث التي كنت أسجلها في ذاكرتي من دون أن أفلح في تحليلها. كنت أطلع على هذه الأخبار بحكم التصاقي بشقيقي الأكبر، الذي كان مواضبا على الاستماع للأخبار في الراديو، كما كنت أقرأ له الأخبار من الجرائد الناطقة بالفرنسية.

هناك جوانب أخرى تربوية لعبت دورا كبيرا في تكويني سياسيا وفكريا، في ما بعد، مثل ترحيل اليهود من الدار البيضاء، وكيف كانت أمي تتحسر على رحيلهم، خصوصا وأن منظرهم وهم في طابور طويل، وعلى قدر كبير من الفقر والبؤس. كان أخي يجيبني عندما أسأله عنهم: “راه ليهود غاديين لبلادهم مساكن”، وهو شيء غريب. كيف كان أخي يعتبر إسرائيل وطنا لليهود ويدافع دافع عنهم، وهذا موقف سأكتشف أنه سليم فيما بعد (حل الدولتين).

كانت هناك أشياء ساهمت على المستوى القيم في تشكيل شخصيتي، فقد كنت أزور البادية كل عطلة صيف، وأشاهد الفلاحين يكدحون فأشاركهم في العمل. ذات يوم قمت بجمع حبات القمح التي تبقى على الأرض بعد عملية “الدرس”، وتنقيته ثم حملته في”خنشة” على ظهري إلى أبي الذي باعه ونفحني ببعض النقود.

مع مرور الوقت ازداد تتبعي للسياسة خصوصا مع المشهد السياسي الذي ظهر فيه ملك شاب (الحسن الثاني) إلى جانب رموز وزعماء الحركة الوطنية. غير أنني في 1963 سوف أختار الاختيار “المفلس” (يضحك). لقد اخترت الالتحاق بـ”الفديك”. حينها لم أكن أتوفر على عمل قار وأنا في عمر 18 سنة، وعندما استقبلتني سيدة بمقر “الفديك” طلبت مني العودة في الغد، قائلا: هناك شخص يمكنه أن يجد لك عملا، وهو الشيء الذي لم أستسغه لأنني كنت أريد الالتحاق بالحزب وليس بالعمل فلم أعد بعد ذلك إلى مقر “الفديك”. كما أنني في هذه الفترة كنت معجبا بالجنرال أوفقير وتحديدا بالنظارات التي كان يضعها.

كيف انتميت لحركة “إلى الأمام” الماركسية الليلينية؟

في 1965، أصبحت عاملاً بالمكتب الوطني للماء والكهرباء. هنا أصبحت أناقش السياسة، وأتداول مع العمال في مواضيع نقابية وسياسية، حتى أن أحد أصدقائي في العمل كان يسميني بـ”الشيوعي”. في هذه المرحلة خضنا إضرابات في إطار نقابة الاتحاد المغربي للشغل، من بينها الإضراب الذي أعقب اختطاف المهدي بنبركة في 29 أكتوبر 1965، كما تأثرت بهزيمة 1967، وكذلك تابعت باهتمام أحداث ماي 1968 في فرنسا، وحضرت لقاءً حول العمل النقابي بباريس تزامنا مع أحداث ماي 68 فكان لهذه النقاشات الأثر الكبير في تبني للقكر الماركسي اللينيني.

ما هو أول كتاب ماركسي قرأته وأنت مجرد عامل بسيط؟

كان هو كتاب “الدولة والثورة” لفلاديمير لينين. في خضم العمل النقابي، التقيت بعبد الله المنصوري الذي كان مهندسا بالمكتب الوطني للماء والكهرباء، ومسؤولا نقابيا عن عمال المكتب، وقياديا في حركة إلى الأمام، الماركسية اللينينية. كان أول اجتماع سري حضرته في منزل المنصوري بحي بنجدية بالدار البيضاء، إلى مجموعة من العمال ضمنهم عبد العالي حجي. وبعد مدة استدعيت لمؤتمر سري لمنظمة “إلى الأمام” نظم بأحد المنازل بالرباط لم أعد أذكر من كان صاحبه، لأجد نفسي عضوا باللجنة الوطنية (أعلى جهاز) لهذه المنظمة الماركسية اللينينية. وصراحة، ونظرا لبساطة وعيي، لو أنني صادفت حينها أي حزب آخر في الميدان لكنت قد التحقت به.

حلقة الغد.. زعزاع: هكذا أصبحت ملحدا

التعليقات على زعزاع: هكذا أصبحت ماركسيا.. بعدما كنت معجبا بأوفقير و”الفديك” مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

تطورات مثيرة في قضية الناصيري وبعيوي.. إضافة تهمة “الاتجار بعملات أجنبية” إلى باقي التهم

في تطورات مثيرة تخصّ ملف سعيد الناصيري الرئيس السابق لفريق الوداد البيضاوي، وعبد النبي بعي…