مع بدء العد العكسي لانتخابات 7 أكتوبر المقبل، وما تعرفه الساحة السياسة من تراشق بين حزبي الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية، باتهام الأول بالتحكم والثاني بإقحام الدين في السياسة، خرج سعد الدين العثماني موضحا العلاقة بين الدعوي (حركة التوحيد والاصلاح) بالسياسي (حزب العدالة والتنمية) الذي كان أمانا عاما له.

وقال العثماني، في مقال نُشر بموقع “العدالة والتنمية”، إن التمايز بين الحزب السياسي والحركة الدعوية بدأ “بوصفه إجراء عمليا في إطار التوجه نحو التخصص. وكان هناك منذ البداية إصرار على المضي فيه وتطويره. وساعد على ذلك وجود أعضاء قدماء أو جدد داخل الحزب ليسوا أعضاء في الحركة، وبالتالي لن يقبلوا هيمنة الحركة على قرارات الحزب”.

وأضاف العثماني: “في سنة 1996عندما بدأ لأول مرة انخراط قيادات من الحركة في الأمانة العامة للحزب طرح السؤال هل يتعلق الأمر بتحالف أو باندماج بينهما، فقام المكتب التنفيذي للحركة بإصدار بيان ينص على أن الأمر “ليس انضماما من الأولى إلى الثانية، ولا تحالفا بين هيئتين”، وكل ما هنالك أن الأعضاء المهتمين بالعمل السياسي للحركة “سيمارسونه في إطار الحزب”، بينما ستستمر الحركة “قائمة بذاتها تقوم بمهامها كما كانت من قبل”.”.

وذكر الرجل الثاني في العدالة والتنمية بورقة أصدرتها حركة التوحيد والإصلاح في 1998 حول “علاقة الحزب بالحركة” أكدت فيها أن “كلا من حركة التوحيد والإصلاح وحزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية (الذي سيصبح فيما بعد حزب العدالة والتنمية) هيئة مستقلة عن الأخرى استقلالا قانونيا وفعليا، وليس لأي منهما وصاية على الأخرى، ويجمعهما التشاور والتعاون والتنسيق”.

مضيفا: “ثم تطور هذا التوجه ليصبح خطا مرسوما متفقا عليه، صدرت حوله قرارات مؤطرة عن مجلس شورى الحركة، قاضية بالتمايز بين الحركة والحزب في مجالات العمل والرموز والخطاب، ثم أضحى من المراجعات الجوهرية والخيارات الإستراتيجية في مسار الحركة”.

ومحاولة منه لوضيح التحول الذي عرفه إسلاميو التوحيد والإصلاح، أورد العثماني “أهم ثلاث سمات تميزه”، حيث قال إن “السمة الأولى: هي الاستقلالية التامة للمؤسسات المسؤولة عن الحزب عن المؤسسات المسؤولة عن الحركة، في إطار الشراكة بين الهيئتين. وهي شراكة تتميز بانتفاء تبعية أي منهما إلى الآخر أو الهيمنة عليه، مع الالتقاء العام في خدمة المشروع الإصلاحي للمجتمع واعتماد الحركة لحزب العدالة والتنمية إطارا للعمل السياسي لأعضائها”.

مضيفا: “وهكذا أقرت الحركة منظومة كاملة للتنافي في المسؤوليات التنفيذية وفي بعض الأعمال ذات الطبيعة الخاصة بين الهيئتين، فإضافة إلى التمايز التدريجي في القيادات المركزية، اعتمدت سلسلة من القرارات المتتالية تمنع مسؤولي الحركة في الهيئات التنفيذية من القمة إلى القاعدة وفي الأجهزة المكلفة بالوظائف الأساسية من الترشح ضمن لوائح الحزب أو من تولي مسؤوليات في مؤسساته، مع الإبقاء على السماح الأولي في الانتماء العادي له على أساس أنه حق دستوري حر مكفول لكل مواطن”.

أما السمة الثانية، حسب العثماني، فـ “هي أن الحركة لا تهتم بالعمل السياسي المباشر واليومي المتعلق بالانتخابات والتنافس لعضوية المؤسسات، لكنها معنية بالأهداف العامة للعمل السياسي من رفع مستوى المشاركة في الانتخابات وحث الناس على التصويت على المرشحين الذي يقتنعون بهم، وحثهم على الدفاع عن قيم النزاهة والشفافية. وهي أدوار تقوم بها عديد من مؤسسات المجتمع المدني في جميع أنحاء العالم”.

والسمة الثالثة، يتابع العثماني هي أن “الشراكة بين الحركة وحزب العدالة والتنمية لا تحول دون اختلافها معه أحيانا في بعض مواقفه السياسية، وقد تنتقد بعضا منها، وذلك كما هو الشأن بالنسبة لمؤسسات المجتمع المدني التي تتعاون عادة مع الهيئات السياسية التي تشترك معها في أهداف أو برامج”.

واعتبر القيادي الإسلامي أن أهم تأثيرات هذا التمايز تكمن في “تمكين العمل الدعوي من أن يسير دون أن يخضع بشكل مباشر لتقلبات العمل السياسي أو إكراهاته أو حاجاته، وأن يمضي العمل السياسي في طريقه دون أن يؤثر -في المجمل- على العمل الدعوي، وهو ما جعل حركة التوحيد والإصلاح تمضي في طريقها وتنفيذ برامجها، ولا تتأثر سلبا -على العموم- بالنشاط السياسي رغم حيويته وكثرة المعارك التي يخوضها حزب العدالة والتنمية باستمرار. وبذلك أضحى الجزء الأكبر من عمل حركة التوحيد والإصلاح مركزا جهوده على العمل الدعوي والتربوي والتكويني”.

مضيفا أن “من ثمرات ذلك التمايز -الذي بدأ عمليا تنظيميا- أن رافقه نقاش فكري لا يزال -في رأينا- في بداياته حول علاقة الدين عموما بالسياسة، وحول نقاط الالتقاء والافتراق بينهما، وهو النقاش الذي وجد تطبيقات متفرقة على مستويات أثارت جدلا في المجتمع المغربي. فعمدت الحركة إلى العمل تدريجيا على إبعاد أي خلط بين منابر الدعوة ومنابر السياسية”.

ومن جملة ما قامت به حركة التوحيد والاصلاح في هذا الصدد، يضيف العثماني، أنها “منعت مبكرا أي عضو من أعضائها له مهمة الخطابة أو الوعظ والإرشاد في المساجد، من الانتماء لحزب العدالة والتنمية أو الترشح في الانتخابات باسمه أو باسم غيره من الأحزاب، أو المشاركة في مهرجانات حزبية، انتخابية أو غير انتخابية. وهذا لا يمنعه بطبيعة الحال من القيام بإسداء النصح والمشاركة برأيه في السياسة بمفهومها العام وفقا للمقتضيات الشرعية والضوابط القانونية دون التحيز لحزب دون آخر. وهذا يسهم في إبعاد المنابر العامة للتوجيه الديني والدعوي عن التنافس الحزبي ويجعلها مؤطرة لجميع المواطنين دون أي ميز أو تفريق”.

ولم ينف العثماني بقاء “إشكالات عديدة في العلاقة بين الحزب والحركة” مؤكدا أن هذه الإشكالات “تخضع للنقاش والتطوير المستمر مثل تغطية إعلام الحركة للعمل السياسي والحزبي، وتداخل الكفاءات بين الهيئتين، وحدود العلاقة في الخطاب بين الدعوي والحزبي وهي القضايا التي سيظل التفاعل فيها مستمرا نحو الصيغ الأفضل لتحقيق المقاصد العامة للإصلاح، وفي الوقت نفسه الحفاظ على التمايز بين الحركة والحزب”.

وأنهى العثماني مقاله بالقول بالقول إن “هذه هي أهم التحولات والمراجعات التي عرفتها حركة التوحيد والإصلاح في موضوع تمييز العمل الدعوي عن العمل الحزبي، في إطار عمل تراكمي منهجي، وهي تجربة خطت خطوات مهمة لحد الساعة، وأثبتت نجاعة ونجاحا مقدرين في الواقع المغربي، وأضحت مفتوحة للدراسة والنقد، وربما للاستفادة والاستلهام من قبل حركات إسلامية عبر العالم”.

التعليقات على العثماني يشرح علاقة “البيجيدي” بالدين مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019

صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…