طالبت “هيومن رايتس ووتش”، السلطات المغربية، أن “تعيد النظر فورا في إدانة المرتضى إعمراشا الذي حُكم عليه بالسجن 5 سنوات”، واعتبرت المنظمة أن الحكم “قد يكون انتقاما لنشاطه في حركة احتجاج اجتماعي” تقصد بذلك “حراك الريف”، ومضيفة أنه “على السلطات ضمان ألا يُستخدم كدليل أي اعتراف تم الحصول عليه تحت الإكراه”.
وتوصل “الأول” بنسخة من بيان المنظمة، اليوم، حول متابعة المرتضى، والذي يقول “أدين ابتدائيا بالتحريض والإشادة بالإرهاب في 30 نونبر 2017، بناء على بعض منشوراته في “فيسبوك” وعلى تصريحات للشرطة أنكر فحواها أياما قليلة بعد توقيعه عليها، قال أمام المحكمة إن محضر الاستماع إليه الذي أنجزته الشرطة مُزور وانتُزع منه تحت الإكراه”، ويضيف بيان هيومن رايتس ووتش أن المحكمة “رفضت ادعاءه بأن الاعتراف انتُزع منه تحت الإكراه دون إجراء تحقيق في الأمر، ومن المقرر مثوله أمام محكمة الاستئناف في 7 فبراير 2018”.
وقالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “مرة أخرى، يُزج بناشط مغربي في السجن بعد أن أُدين على أساس “اعترافات” مطعون فيها، على السلطات المغربية إجراء تحقيق كامل في زعم إعمراشا بأن محضر الشرطة أُنجز تحت الضغط، وأن تستبعد أي دليل يبدو أنه جاء نتيجة الإكراه”.
يذكر أن الشرطة الشرطة اعتقلت إعمراشا في الحسيمة، ونقلته إلى مقر “المكتب المركزي للأبحاث القضائية” في سلا، وهو جهاز أمني متخصص في مكافحة الإرهاب. وظل هناك تحت الحراسة النظرية لمدة 10 أيام، على النحو المسموح به بموجب قانون مكافحة الإرهاب في المغرب.
وحسب البيان فقد “قال دفاع اعمراشن، نعيمة الگلاف ومحمد قطاية، للمنظمة الحقوقية “إن الشرطة استجوبت إعمراشن بشكل خاص بشأن هيكلية الحراك وتفاصيله العملية. لكن بعد ذلك، قدمت الشرطة لإعمراشن محضرا مكتوبا للتوقيع قليلا ما ذُكر فيه الحراك، “اعترف” فيه بأن نيته في بعض المنشورات على فيسبوك كانت الإشادة بأعمال إرهابية وتحريض آخرين على ارتكابها”.
ويضيف البيان أن “المحضر يركز على تدوينتين لإعمراشن على فيسبوك. في الأولى، نشر خبر اغتيال سفير روسيا في تركيا في 19 دجنبر 2016 من قبل شرطي تركي يُعتقد أنه قام بهذا الفعل باسم تنظيم “الدولة الإسلامية” (المعروف أيضا بـ “داعش”). لم تكن تدوينة إعمراشن على فيسبوك، والتي اطلعت عليها هيومن رايتس ووتش، تعليقا على الخبر بل فقط إخبارا، مثلما فعلت العديد من وسائل الإعلام، بأن “القاتل صرخ: ’نحن نموت في حلب، وأنتم تموتون هنا‘”. لكنه أضاف في وقت لاحق من ذلك اليوم أن “قتل السفير الروسي جريمة إرهابية والقاتل مُجرم.. مهما كانت دوافعه”.
وفي التدوينة الثانية، بتاريخ 9 يونيو2017، كتب إعمراشن عن قوله لأحد الصحفيين إن زعيم القاعدة أيمن الظواهري، الذي زاره في تورا بورا بأفغانستان، أمره بإدخال أسلحة إلى الريف. وقال أمام المحكمة إن التدوينة كانت ساخرة بشكل واضح – لأنه، من بين أسباب أخرى، لم يسبق له أن زار أفغانستان. محمد صدقو، أحد محاميه، قال لهيومن رايتس ووتش إن “إعمراشن، في تدوينته على فيسبوك، كان يسرد كيف سخر من صحفي كان يوجه له اتهامات سخيفة، من خلال تبليغه بوقائع خيالية وتحديه بنشرها”. لم يتضمن المحضر الذي أعدته الشرطة ووقّعه إعمراشن في يونيو أي تفسير للمدعى عليه بأن التدوينة كانت ساخرة.
وقال محامو إعمراشن إنه وقع على محضر الشرطة دون قراءته لأن عناصر الشرطة هددوه بتسريب صور حميمة له مع زوجته، وجدوها على حاسوبه المحمول الذي صادروه أثناء اعتقاله. في 20 يونيو2017، استمع إليه عبد القادر الشنتوف، قاضي التحقيق بالغرفة المُكلفة بقضايا الإرهاب لدى محكمة الاستئناف بالرباط. قال صدقو، الذي حضر جلسة الاستماع، إن إعمراشن طلب من الشنتوف أن يأمر الشرطة بعدم نشر صوره.
في 30 نونبر، قال إعمراشن، أثناء محاكمته أمام المحكمة المُختصة في قضايا مكافحة الإرهاب في سلا، للقاضي إنه أُجبر على توقيع محضر الشرطة لأنهم هددوا بنشر صور خاصة لزوجته، وفقا لصدقو. وقدم ملتمسا لسحب محضر الشرطة على أساس أن المدعى عليه وقعه “تحت وطأة التهديد والإكراه”.
ورفضت المحكمة الملتمس، مبررة ذلك بقولها إنها “بعد اطلاعها على محضر الضابطة القضائية، تبين لها أن كافة الإجراءات القانونية احتُرمت، خاصة وأن المحكمة برجوعها إلى هذا المحضر، تبين لها على أن المتهم لم يوقع فقط وإنما كتب اسمه ووقع على المحضر، الأمر الذي ارتأت معه المحكمة رد هذا الدفع لعدم جديته”. لم يُقدم الحكم أي إشارة إلى أن المحكمة قد نظرت في الادعاء – ناهيك عن التحقيق فيه – بأن الاعتراف تم تحت الإكراه، بما في ذلك لماذا أو كيف أن كتابة إمعراشن اسمه بالإضافة إلى توقيعه يُثبت أن المدعى عليه وقع طوعا.
تنص المادة 293 من “قانون المسطرة الجنائية” المغربي على أنه لا يُعتدّ بأي إفادة تضعها الشرطة إذا انتُزعت بالعنف أو الإكراه. كما يتطلب القانون المغربي والقانون الدولي من القاضي رفض الاعتراف المنتزع بالإكراه. تنص “المبادئ التوجيهية بشأن الحق في المحاكمة العادلة والمساعدة القانونية في إفريقيا”، التي صاغتها “اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب”، على أنه “لا يجوز قبول أي اعتراف أو أي دليل آخر تم الحصول عليه بأي شكل من أشكال الإكراه أو العنف، أو اعتباره إثباتا لأي واقعة خلال المحاكمة أو في إصدار الحكم”. انضم المغرب إلى “الاتحاد الأفريقي” عام 2017، وهو مُلزم بتنفيذ هذه المعايير الحقوقية.
انتُقدت القوانين الجنائية المغربية بشأن التحريض مرارا وتكرارا لأنها غامضة وفضفاضة للغاية، وتُهدد بتجريم حرية التعبير. كما أنها تعسفية إلى درجة يصعب معها التنبؤ بشكل معقول بالأفعال التي ستُعتبر جرائم.
وقالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي أن تلغي إصلاحات قانونية كل ما يشير إلى مثل هذه المصطلحات الغامضة مثل “الإشادة” بالإرهاب، والتنصيص على أن التحريض الإجرامي يشترط وجود خطر فعلي بارتكاب الفعل. كما ينبغي أن تشير صراحة إلى عنصرين من النوايا – نية إيصال الرسالة، ونية أن هذه الرسالة تُحرض على ارتكاب جُرم.
وقالت ويتسن: “اختارت المحكمة عدم التطرق إلى تفسيرات إعمراشن لمنشوراته على فيسبوك، أو التحقيق في ادعاءاته باعترافه تحت الإكراه، والاعتماد فقط على تلك الاعترافات قبل الحكم عليه بالسجن 5 سنوات. قد لا تكون هذه قضية إرهاب على الإطلاق، وإنما طريقة ملتوية لمعاقبة قيادي آخر لحركة احتجاجية يبدو أن الحكومة المغربية مصممة على سحقها”.