أفادت مصادر مطلعة أن أصل الصراع بين عبد الحكيم بنشماش، رئيس مجلس المستشارين والقيادي في حزب الأصالة والمعاصرة، من جهة، وعبد الصمد قيوح، الوزير السابق وعضو اللجنة التنفيذية لحزب الإستقلال، من جهة أخرى، داخل مجلس المستشارين، لا يعود فقط إلى سياق تداعيات التنافس بين الغريمين التقليدين على حسم معركة رئاسة مجلس المستشارين خلال إنتخابات تجديد هياكل الغرفة الثانية للبرلمان المرتقبة في أكتوبر 2018، وهو ما بدا جليا مع حالة الاصطفاف التي يعيشها مكتب مجلس المستشارين بين جهة تساند الرئيس الحالي وطرف آخر بات يدعم بشكل صريح المرشح المحتمل عبد الصمد قيوح، فإن مصادر جيدة الاطلاع تذهب أبعد من ذلك في تفسيرها لجذور وأبعاد هذا الصراع الذي بات مفتوحا على جميع الاحتمالات.
فوفقا لرواية المصادر، فإن خلفية الصراع بين الرجلين، ترتبط بصراع بين حزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال يمتد للولاية التشريعية السابقة التي كان فيها محمد الشيخ بيد الله رئيسا لمجلس المستشارين وكان فيها عبد الحكيم بنشماش رئيسا لفريق الأصالة والمعاصرة. فقد كانت مطالبة عبد الحكيم بنشماش بصفته رئيس فريق “البام” مدعوما ببعض فرق المعارضة بتشكيل “لجنة العشرين” لافتحاص بناية مجلس المستشارين التي استهلكت ميزانية قدرت بـ 24 مليار سنتيم، وهو ما تم اعتباره بمثابة صك إتهام للنائب الأول لرئيس مجلس المستشارين آنذاك فوزي بنعلال وكذا وزير التجهيز كريم غلاب، القياديين بحزب الإستقلال.
لكن النقطة التي أججت هذا الصراع، دائما حسب المصادر، هو الطلب الذي كان وراءه عبد الحكيم بنشماش والذي وجهه لمكتب المجلس والرامي إلى تشكيل لجنة تقصي الحقائق حول “مكتب التسويق والتصدير”، وذلك في عهد الوزير الاستقلالي عبد اللطيف معزوز، الوزير المكلف بالتجارة الخارجية. والذي كان يديره الاستقلالي نجيب ميكو.
وقد عرضت هذه اللجنة تقريرها يوم 13 غشت 2012 أمام مجلس المستشارين، وهو التقرير الذي أوصى بتحريك المتابعة القضائية في حق جميع الأشخاص الذين استفادوا من التسبيقات والتفضيلات والامتيازات خارج القانون، وكذا المسؤولين وأعضاء المجلس الإداري الذين استغلوا صفاتهم من أجل الاستفادة من خدمات مكتب التسويق والتصدير دون وجه حق، وكذلك المسؤولين السياسيين والإداريين الذين تساهلوا في تقديم التسبيقات خارج القانون وتلكؤوا في اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة من أجل استرداد هذه التسبيقات.
وقد سجلت اللجنة في تقريرها العديد من الاختلالات والخروقات التي وصفتها بالخطيرة والتي اعتبرت أنها تستوجب فتح تحقيق قضائي بشأنها، كغياب الأجهزة المقررة للمجلس الإداري وعدم عقدها لأي اجتماع منذ يوليوز 2002 إلى غاية سنة 2008، ووجود عدد كبير من أعضاء المجلس في حالة التنافي عوض دفاعهم عن المصالح العامة للمؤسسة استفادوا بشكل كبير من التسبيقات دون إرجاعها.
ومن جملة الاختلالات التي وقفت عليها اللجنة عدم استرداد جزء كبير من التسبيقات التي استفاد منها بعض أعضاء المجلس الإداري، ويتعلق الأمر بكل من القيادي الاستقلالي علي قيوح 11.574.364,95 درهم، وبولكيد لحسن 1.222.100,41 درهم، ومحمد لفحل 4.558.403,20 درهم، والزاهيدي بوشعيب 348.596,35 درهم، واسماعيل قيوح 495.072,76، وهو ما أدى إلى تراكم الديون في ذمة الزبناء إلى 415,4 مليون درهم، لتشكل بذلك 73% من مجموع أصول المكتب، هذا المبلغ تمت إعادة تحديده في 255,5 مليون درهم على شكل ديون مريبة، حسب تقرير اللجنة.
لقد شكل هذا التقرير إعلان حرب بين حزبي الإستقلال والأصالة والمعاصرة، وأدى ذلك إلى رجة كبرى داخل حزب الإستقلال الذي تلقى ضربات موجعة وفضل التراجع إلى الخلف في إنتظار فرصة مواتية للانتقام، حسب هذه المصادر.
وقد شكل ترشيح الشاب عبد الصمد قيوح لخوض غمار الانتخابات المتعلقة برئاسة مجلس المستشارين في أكتوبر 2015 فرصة لحزب الإستقلال لتصفية حسابات سياسية مع غريمه الأصالة والمعاصرة في شخص مرشحه عبد الحكيم بنشماش، هذا الأخير تمكن من حسم المعركة بفارق صوت واحد. واليوم حزب الاستقلال يريد استعادة ما يعتبره كرسيا من حقه وانتزع منه.
هذه المواجهة، تقول المصادر، قد تعرف فصولا تراجيدية في غضون الأسابيع المقبلة لا سيما مع تداعيات “الزلزال السياسي” الذي يفترض أن يطال العديد من المؤسسات المنتخبة والهيئات السياسية.