سليمان الريسوني
تعتبر الأماكن المقدسة التي يؤمها مسلمون ويهود للتبرك والعبادة، حالة مغربية بامتياز. فإذا ما استثنينا مزار ” أبو حصيرة المغربي ” بالإسكندرية، والذي وصل التنازع حوله، إلى أعلى الدوائر في مصر واسرائيل، فإن الظاهرة المغربية تظل نموذجا فريدا، ودالا، ليس فحسب على مدى تعايش يهود المغرب ومسلميه، والذي قيل عنه الكثير، بل عن تمايز الإسلام المغربي واليهودية المغربية، بصرف النظر عما يجمع الديانتين “فاليهودية والإسلام في كثير من الوجوه يقتربان تقاربا كاملا” يقول المؤرخ المغربي اليهودي حاييم الزعفراني.
فالإسلام واليهودية الذَين فعلا فعلهما في الإنسان المغربي، وشكلا هويته الروحية، سوف يتأثران وينفعلان، بدورهما، بهذا الإنسان، “فإذا كانت الأديان تغير الشعوب، فإن الشعوب، أيضا، تغير الأديان” كما علق المؤرخ عالم الاجتماع الفرنسي،ميشو بلير، عندما اصطدم بهذه الحالة المغربية التي انبرى الإنسان المغربي فيها إلى تشكيل ملامح تدينه وفق حاجته الوجودية والاجتماعية، وهو ما سيوضحه حاييم الزعفراني، بقوله: “يشمل فضاء اللقاء بين التصوف اليهودي والإسلامي مجالات متعددة… فالنصوص المقدسة التي فهمها العامة بما يتميزون به من معتقدات تصدر عن المجتمع بالطريقة التي يرى، تصرفوا فيها على هواهم أو أفسدوها إفسادا، فاضطر الأحبار المحافظون أحيانا إلى التسامح معها بل تبنيها”.
فالتقارب بين المسلمين واليهود لم يقتصر على العادات والتقاليد المشتركة، المتعلقة بالمأكل والمشرب والموسيقى واللباس، بل تعداها إلى ماهو روحي وعقائدي، وماهو مرتبط بممارسة السحر وكتابة الرقى؛ لطرد الشرور واستجلاب الأمن و البركة “فصاحب المعجزة اليهودي أو المسلم ” الحزان” أو “الطالب” الخطاط يعملان بمقتضى نفس المبادئ، ويستعملان نفس الممارسات باسم الله… بنفس اللغة أو باللغتين معا، العربية بالنسبة للطالب المسلم والعبرية والعربية مكتوبة بالحرف العبري بالنسبة للحزان، يقدمانها للملتجئ إليهما من اليهود أو المسلمين، فيتوجه المسلم إلى معارف “الحزان” اليهودي، ويتوجه اليهودي راجيا البركة أو متشفعا بكرامة “الطالب” المسلم على حد سواء، حسب ” حاييم الزعفراني”.
في المغرب “كان اليهود مثل المسلمين يتعاطون للشعوذة ويؤمنون بالخرافات ويقدسون الشخصيات التي ثبتت قداستها” يقول الاسطوغرافي الفرنسي الكولونيل “ل.فوانو”، الذي يضيف: “لم يتردد المسلمون الذين يحتكرون عن طواعية الشخصيات المقدسة سواء كانت مسلمة أو غير مسلمة، في توجيه دعواتهم للأولياء اليهود، عندما يسمعون بأن هؤلاء كانوا أقوياء. ويقدس اليهود بدورهم أولياء المسلمين وإن كان ذلك ناذرا، فقبل الاحتلال الفرنسي احتمى يهود مراكش بمولاي علي الشريف بباب غيلان، وبسيدي بلعباس أو بمول القصور”.
إن ظاهرة المزارات المشتركة بين المسلمين واليهود بالمغرب لم تنل ما تستحق من الدراسة والاهتمام، فباستثناء منشور الكولونيل “فوانو” والمعنون ب”Pélerinages Judio-Musulmans du Maroc: . VOINOTL” والصادر سنة 1948 عن معهد الدراسات العليا المغربية، وكذا الكتاب الصادر عن “المركز الوطني للآداب” بفرنسا للكاتب “اساشار بن عمي: ” Culte Des SAINTS et Pélerinages Judio-Musulmans au Maroc” فلا أحد من الباحثين ،أو المؤسسات المغربية فكر في تناول هذه الظاهرة المغربية بالبحث والدراسة.
سيدي يحي بنيونس – ربي يحي بن دوسة:
يعتقد المسلمون أن سيدي يحي بن يونس كان معاصرا للمسيح، وقد تنبأ بميلاد الرسول. ومن تم وجب اعتباره مسلما… وحسب الرواية الشعبية، فقد قضى الولي حياته قرب بيت المقدس وبعد أن أصابه المرض امتطى ناقة وأوصى بأن يكون مدفنه حيثما وقفت الناقة، إلا أن مريديه عملوا على إخفاء قبره لئلا يتم تدنيسه أو تنقل رفاته إلى المشرق، واتخذوا لهم مسكنا في غار يسمى “غار الحريات” حتى يتمكنوا من البقاء جواره والصلاة لأجله.
يزار “سيدي يحي” مول وجدة، أيام الخميس والجمعة. أما بالنسبة لليهود فضريح سيدي يحي يتعلق ب”ربي يحي بن دوسة” من يهود قشتالة الذين قصدوا مدينة وجدة بعدما اضطهدهم الاسبان عام 1391، فبعد وصوله إلى المنطقة ذات مساء احتاج إلى ماء للوضوء، فشق الأرض عن عين جارية، ثم استدعى يهود وادي تايغيت ليكونوا شهودا على معجزته، إلا أنهم صدوا عنه فدعا الله أن يشتت شملهم.
بعد ذلك، تقول الرواية اليهودية، عاش”ربي يحي بن دوسة” جنب العين المباركة إلى أن حضره الموت فقام بحفر قبره بنفسه، حيث وجد مغمورا بالتراب بالقدرة الإلهية. ولا يستطيع اليهود أن يزوروا الولي، الذي خُص ببركة شفاء العقم، إلا متنكرين، أو يتوسطون أفرادا مسلمين لتقديم هداياهم، أو يقدمون الزيت للبيعة، إكراما للولي الربي يحي بن دوسة.
سيدي أبار – ربي يحي للو:
يوجد ضريح “سيدي أبار” على مقربة من المقبرتين اليهودية والإسلامية بالراشيدية، ورغم أن المسلمين ينسبون هذا الولي إليهم فلا دليل لديهم على أصله أو نسبه المسلم، على عكس اليهود الذين ينادونه ب” الحاخام يحي للو” ويقومون بزيارته خلال شهر يونيو.
تحكي الرواية اليهودية أن “ربي يحي للو” قدم قبل أزيد من أربعمائة سنة من أورشليم، حيث استقر بقصر السوق وكان عالما، يزوره الناس للأخذ بتوجيهاته ونصائحه. وذات يوم قصده يهوديان ليحكمانه في نزاع قائم بينهما، وعندما أصدر “ربي يحي للو” حكمه في المنازعة، غضب الرجل الذي لم يكن الحكم لصالحه وجرّح في حكم “الحاخام”، وهكذا عثر عليه في الصباح ميتا في داره، وهو الأمر الذي أحزن “ربي يحي للو” حيث لزم الفراش إلى أن مات.
بعد ذلك، تضيف الرواية اليهودية، وبينما الزوار يتوسلون بركاته، رأوه خارجا من قبره صاعدا إلى السماء. مما دفعهم لنبش قبره طمعا في العثور على كنز، إلا أنهم اصطدموا بجمل ثائر يدافع عن مرقد الربي.
وحسب المعتقد اليهودي المغربي فإن “ربي يحي للو” يختص ببركة معاقبة اللصوص بالشلل، ولا يرفع عن مرتكب فعل السرقة العقاب حتى يقدم أقاربه “جرة” من الزيت للولي.
مول الجبل لخضر – ربي عمران بن ديان:
يوجد ضريحه قرب صفرو، على امتداد الطريق المؤدية إلى فاس، والضريح عبارة عن مغارة. لا وجود فيها لأثر أي قبر، ماعدا لوحة رخامية مخطوطة بالعبرية، عثر عليها قديما. ويذهب بعض اليهود إلى أنه يوجد داخل المغارة قبر النبي دانييل، فيما تؤكد الغالبية منهم أن الأمر يتعلق بالحاخام “عمران بن ديبان” الذي قدم من أورشليم إلى وزان، حيث ظل يستقبل الزوار في حياته وبعد موته.
ولما كان السفر طويلا وشاقا بالنسبة ليهود صفرو، فقد تجلى الولي، ذات ليلة، لأحد المؤمنين، ليخبره بأنه بإمكانهم الاكتفاء بالذهاب إلى منطقة “كيف” للدعاء والتضرع.
تنظم الزيارة إلى الربي بن ديان خلال العاشر من كل شهر عبري، ويقام الموسم في الثامن عشر من شهر ماي، الذي يتوافق مع مولد “ربي سمهون ولاد يوهان” دفين القدس. حيث تضاء المغارة خلال الاحتفالات وتقام الشعائر داخلها.
أما المسلمون فيطلقون على هذا المكان اسم “كهف ليهودي” ويقومون بزيارته، خصوصا بعدما أكد لهم الشريف محمد الكتاني، حسب الأسطوغرافي الفرنسي، الكولونيل “فوانو”، بأن بالمغارة قبر النبي دانييل، ودعاهم إلى تسمية المكان ب”كهف المومن” وليس “كهف ليهودي” وتزور الولي النساء المسلمات، اللواتي يغتسلن داخل المغارة طلبا للحمل والإنجاب. وقد كان مقدم “السيد” مسلما يعينه اليهود، حسب ما أورده الكولونيل “فوانو” .
ربي يحي بن يحي- سيدي قاضي حاجة:
يوجد ضريح سيدي قاضي حاجة بقصبة تادلة على الضفة اليمنى لنهر أم الربيع. ويحكي يهود ملاح بني ملال أنه قبل عدة قرون خلت كان هناك حاخام واسع العلم، وصاحب كرامات، يُدرس طلبة كثيرين، وكان عشرة منهم هم الأقرب إليه والمفضلون لديه، وفي يوم من الأيام اتفق هؤلاء الطلبة العشرة أن يمتحنوا أستاذهم، حيث بتروا، أثناء تلاوتهم لأحد النصوص المقدسة، فقرة بكاملها، وهو ما فطن له أستاذهم، حيث طردهم وتنبأ لهم بعيشة منبوذة، وأنهم لن يحملوا شرف الانتساب لليهود، كما أنهم سوف يدفنون في رض بعيدة. وسيكون سيدي قاضي حاجة واحدا من هؤلاء المشتتين الذين ظهر منهم ستة بالمغرب هم: “مولا تامران” و”مول البيت” و”مولاي أنكََريد” و”مولاي التوابيت” و”مول البرج” و”سيدي خيرة “.
ويقصد اليهود “ربي يحي بن يحي” لأجل الشفاء من الأمراض. وعندما يخشون على أنفسهم من زيارة الولي، يقومون بذلك في الخفاء أثناء الليل، كما يؤكد “فوانو” أو يتوسطون بعض المسلمين لمرافقتهم إلى المزار. أما بالنسبة للمسلمين فهم يقدسون الولي “سيدي قاضي حاجة” دون أن ينفوا يهوديته، فالولي حسب “فوانو” يوزع بركاته على زواره من الديانتين دون تمييز.
ربي يهودا الجبلي – سيدي بلعباس:
في ماي من كل سنة تقام “الهيلولة” على ضريح ربي يهودا الجبلي الولي الذي عاش رفقة دجاجته التي كانت تمنحه، كل صباح، بيضة، إلى أن مات سنة 1780 ودفن حيث عاش بمدينة القصر الكبير، حسب ما يذهب إليه “أساشار بن عمي”.
وحسب المصادر اليهودية فإن الأمر يتعلق بأحد الحاخامات الأتقياء الذي نسبت إليه عدد من الكرامات، الشيء الذي حدا بالمسلمين، بعد وفاته، إلى القول أن مثل هذا الرجل الورع لا يمكن أن يكون إلا أخا لنا في الدين، وبذلك أسموه “سيدي بلعباس” تيمانا بأحد أولياء المغرب الكبار.
وفي رواية يهودية أخرى ، فإن “يهودا الجبلي” كان ينتعل بلغة، عكس اليهود الذين نذروا أنفسهم للمشي حفاة، وقد أراد المسلمون قتله، وعندما حاصروه، لجأ إلى مكان الحصن، حيث ضريحه الآن، وهناك ارتفع إلى أعلى بطريقة خارقة، ليجد نفسه في بيته.
إلا أن الرواية الشعبية التي مازال المسلمون يرونها إلى الآن في مدينة القصر الكبير، هي أن “سيدي بلعباس” ولي صالح من المسلمين اضطروا، في إحدى سنوات الجوع، لبيعه لليهود الذين كانوا في حاجة إلى شرعية دينية بالمدينة.
عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019
صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…