عن حميش وشيخوخة شطحاته
تمجيد الذات المنهدمة على صخرة الواقع
خالد الريسوني
من دواعي الاستغراب أن يُنَصِّبَ السيد بن سالم حميش نفسه حكيما يعطي الدروس للوزراء المغاربة الذين تحملوا مسؤولية الوزارة، وأن يدعوهم إلى اقتفاء أثره في الكتابة عن تجاربهم في الاستوزار، لأنه إذا كان ثمة وزير من الوزراء المغاربة الذين تعاقبوا على تسيير الشأن العام من موقع الوزارة أن يخجل من فترة استوزاره، فذاك بالتحديد هو وزير “مجنون الحكم”، لأنه الوحيد الذي وقع عليه الإجماع بأنه وزير ثقافة فاشل، وهذا ليس من باب التحامل على الرجل ولا هو محاولة لتصيُّدِهِ أو تصفية حسابات معه، فكاتب هذه السطور لا يعمل لفائدة أحد كما ينعتُ حميش منتقديه، مُجردُ قلمٍ حرٍّ لا يُوَجَّه ولا يُستأجرُ لأحد، ولطالما اعتبر الفساد كارثة ابتلي بها مغرب ما بعد الاستقلال، نزلت كالصاعقة على البلاد والعباد، ولا مفرَّ منها إلا بتحصين المثقفين والكتاب المغاربة لذواتهم من غواية اللهاث وراء سراب اسمه الارتقاء الاجتماعي، بل وحتى الثقافي، عبر الركض خلف أوهام السياسة والساسة، أو وراء مجدٍ زائفٍ تحققه أوهام الشهرة واقتناص الهبات والجوائز من باب الريع، وهذا الأمر واضح في ممارسة الأساتذة الكبار في إعطاء درس العفة والرقي الفكري، يمكن أن نلمسه عند كتاب كبار من مثل جوزيه ساراماغو ورفائيل ألبيرتي وغابرييل غارسيا ماركيث وخوان غويتيسولو وأنطونيو غامونيدا ومحمود درويش وعبدالله العروي… الذين عرفوا كيف يقيمون حدودا بين ذواتهم والمؤسسات الرسمية للدولة على مستوى المواقف والتصورات والممارسات للفعل الثقافي. وبالمقابل نجد الكثير من مثقفينا في العالم العربي وفي المغرب الحديث على وجه الخصوص، يركضون بشكل مرهق ومتهافت ينشدون الريع وظلال السلطة يحتمون بها، ويلمعون صورتها في بشاعة لا يتصورها إنسان يدافع عن استقلاليته في الموقف والرأي. وهو أمرٌ يدعو إلى الاستغراب مثلما يدعو إلى الشفقة، فكيف يمكن أن يدعي بنسالم حميش في شطحاته المترهلة أو أستاذه سيء الذكر جابر عصفور أو غيرهما والقائمة طويلة في المحافل الدولية أنهما مفكران أو كاتبان مستقلان عن السلطة… ويتبجحان بأنهما يمثلان التفرد كصوتين وما يصلنا منهما إلا التثاؤب والهرولة وإهانة الذات قبل إهانة الآخر، عوض التموضع عن مسافة من المؤسسة الرسمية في الوقت الذي يكشف فيه الواقع أنهما كانا مجرد شبحين باهتين قاما بأفعالٍ أساءت لهما أولا، وللمجتمع وللثقافة والمثقفين قاطبة…
كتبت هذه السطور لأذكر الوزير الخارج بنسالم حميش، مجنون الوزارة، أنه لا يستطيع أن يعطي درسا لأحد، وأنه لا يستطيع أن يمجد ذاته التي تشتتت شظايا على صخرة الواقع الانتهازي الذي انعكست صورته في مراياه، وسآتي هنا على ذكر بعض الأسباب لأقول له أن للمغاربة ذاكرة، وأنهم لن ينسوا إساءاته للمغرب الثقافي وللمثقفين والكتاب المغاربة، وأنا هنا لا أريد أن أتجاوز الحدود التي يسمح بها الرد لأذكره بشيء من باب المكاشفات، إذا كنت شجاعا حقا، فانشر الرسالة التي وجهها إليك عميد الشعر المغربي الشاعر عبدالكريم الطبال إثر مشاركته في معرض الدارالبيضاء الكتاب والنشر أثناء فترة استوزارك، أتحداك أن تكون قادرا على فعل ذلك، علما بأن الرسالة وصلت إلى كل المثقفين المغاربة، وأحتفظ شخصيا بنسخة منها، لا أريد أن أعممها هنا لأنني أخلاقيا لا أستطيع فعل ذلك احتراما للشاعر الكبير، ثم أتحداك أن تصرح بالتعويض الذي تلقاه أصدقاؤك من الكتاب المصريين في المعرض ذاته الذي ألغيت فيه فتات تعويض الكتاب المغاربة عن التنقل والمشاركة في التظاهرة ذاتها، لا تنس أنك وزير الثقافة الوحيد في تاريخ بلادنا الذي تظاهرت أمام أبواب وزارته كل المؤسسات الثقافية والنقابات الحرفية المرتبطة بهذا الحقل في سابقة لم يشهدها من قبل مغربنا الحديث، وأنك وزير الثقافة الوحيد الذي تحول إلى مهرج في معرض الدولي للكتاب والنشر بالدارالبيضاء حينما هيمنت على مختلف الندوات وأصبحت تتدخل في كل لقاء يحضر فيه أجنبي بينما حجبت نفسك عن كل اللقاءات التي يبرمج فيها كتاب مغاربة، وهو سلوك المتملقين الذين يستعملون الأنشطة الرسمية لتلميع صورتهم أمام الأجنبي، تلك عقدتك التي ليست المرة الأولى التي تكشف عنها… ولست أنسى هنا أن أذكرك أيضا بتدخلك الشنيع في قرارات لجان تحكيم جائزة المغرب، يوم أمرت مدير الكتاب بإصدار بلاغ عن حجب جائزة المغرب للكتاب للسرديات والتي حصل عليها الروائي والناقد المغربي الأستاذ محمد برادة، علما بأنك أنت الذي قمت بتشكيل لجان التحكيم لمختلف فروع الجائزة في فعل لا يقوم به إلا الصغار، فكنت صغيرا في كل شيء حتى في قرارك بالتماس إقالة مدير الكتاب لأنه لم يكن يطاوعك فيما لا جواز له من حيث القانون، ولأنك بإقالته صفيت حسابا قديما حينما تم اختيار الرجل من طرف المكتب المركزي الذي كنت أنت عضوا منتخبا فيه على رأس اتحاد كتاب المغرب رئيسا، فلم تستطع أن تبتلع غيظك لأنك كنت راغبا في الرئاسة وانسحبت من المكتب المركزي بصمت محتقرا من صوتوا عليك، ومن شاركوك العضوية في المكتب، فأبنت عن ضيق صدرك وعن كبرياء فارغ لا يمت بصلة للدماثة والتواضع والأخلاق العالية للكتاب الكبار. وإذا كان من حادثة لا تليق بالوزارة أودُّ أن أذكرك بها فهي ترشحك لجائزة البوكر وأنت تشغل منصب وزير الثقافة بالمغرب، إذ جرت العادة ألا يترشح وزير لجائزة وقت استوزاره تجنبا للمحاباة والتملق والنفاق، ولعدم تلويث المنصب الرسمي للوزارة، إلا أنك كنت أنت الوزير الوحيد الذي تطاول على الوزارة وترشح، ولما فشل في نيل الجائزة رفض أن ينزل من غرفة الفندق لحضور الحفل الذي كان سيتوج فيه روائي وشاعر مغربي، ووزير استحق احترام المغاربة جميعا بالمشاريع التي دُشِّنَتْ في عهده بالوزارة واقترنت باسمه، وحاولت أنت جاهدا إسكاتها وإجهاضها وإلغاءها، ولما تم الإلحاح عليك لحضور حفل تسليم الجائزة، نزلت إلى القاعة صاغرا وحين أعلن عن نيل الروائي المغربي محمد الأشعري جائزة البوكر انسحبت من القاعة احتجاجا على قرار لجنة التحكيم أمام الملأ، ولم تمارس حتى أعراف وعادات اللباقة في مثل هذه المواقف، بتهنئته وأنت وزير الثقافة، باعتباره كاتبا مغربيا يتوج في جائزة عربية كبرى، فأبنت مرة أخرى عن الصغر، لتؤكد أن الصغير لا يكون إلا صغيرا، وسيبقى دوما صغيرا.
لكل هذا ولأسباب أخرى أنت غير مؤهل لإعطاء الدروس لأحد، ردهات الوزارة عرفت خلال مرحلتك أبشع صور الإهانة والتحرش والتبخيس والاحتفاء بالذات المنتصرة والحقارة في منتهى سفالتها، بالله عليك كيف تجرؤ على الإشارة بأصبع الاتهام إلى الآخرين؟ كيف تتجرأ على أن تطعن في كفاءة وزراء للثقافة، فتقول عن واحد بأنه لا حول له ولا كفاءة، علما بأن الوزيرة ثريا كانت محصنة بخبراء ذوي تجربة وممارسة طويلة، عملوا معها على ملفات أساسية لصالح الثقافة والعاملين فيها، لأن الثقافة دون العناية بحقوق المنتجين الفعليين لها، ودون تطوير وتأهيل الرأسمال البشري لا معنى لها.
إن من دواعي الفخر بالنسبة لثريا جبران اهتمامها الإنساني بأمور كل العاملين معها في الحقل الثقافي، وتكريمها لرجالات الثقافة قاطبة وهذا يُحسَب لها، كما شهدتها تطويرا لكل المشاريع الثقافية التي بدأها الوزير الشاعر محمد الأشعري، وهذا أيضا يُحسَبُ لها كوزيرة… أما عن وزير الثقافة محمد الصبيحي، الوزير الآخر الذي نعتته بأنه أتى بصهره وولي نعمته يوم تسليم السلط، نقول لك السيد حميش أننا نعرف حجم تأسيك على المنصب الذي سلب منك حد أنك كان يمكن أن تمتشق سيفا، وتجندل الجميع على فداحة السلب بالنسبة لك، كنت تعرف أن الخروج من الوزارة يعني نهايتك وعزلتك الأبدية، لأنك أسأت لكل الكتاب والمثقفين، نهمس في أذنك السيد حميش، أولى أن يكون وليُّ النعمة رجلا سياسيا ووزيرا يحظى باحترام جميع من عمل معه، وزعيما يشهد له التاريخ بالشرف والاستقامة ونقاء اليد، من أن يكون الوزير دونكيشوتيا مثلك، يحارب طواحين الهواء في كل اتجاه، ويتصور الجميع أعداء أتوا لسلبه المنصب، وزير يشبه أسودَ من محرري البحوث الجامعية بالاستئجار الوزيري، ووليُّ النعمةِ وليُّ المستفيد من الخدمة، غمزة تفهمها ونفهمها ولا نرغب في التفاصيل، من كان بيته من زجاج لا يضربَنَّ الناسَ بالحجارة.
عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019
صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…