مصطفى الفن
ما الذي يفكر فيه، حاليا، إيريك لوران وكاترين كراسيي الصحافيان الفرنسيان المتهمان بابتزاز الملك محمد الساس في مبلغ مالي وصل إلى ثلاثة ملايير سنتيم قبل أن يخفض هذا المبلغ إلى مليارين فقط؟
أكيد أن لهذا السؤال أهميته الخاصة.
لقد مرت الآن فترة زمنية قاربت السنتين على هذه الواقعة المدوية التي تحول فيها إثنان من كبار الصحافيين الفرنسيين إلى مجرد “شناقة” استبدلوا الذي أدني بالذي هو خير.
والأدنى هنا هو أنهما طلبا مالا مقابل التراجع عن إصدار كتاب يتضمن معلومات قيل إنها “ذات حساسية خاصة”.
وبالفعل، إنها كذلك، وربما بسكر زيادة.
لكن قبل تقديم أي جواب عن هذا السؤال، دعونا نعترف ابتداء أن القضاة الفرنسيين الثلاثة الذين تكلفوا بهذا الملف المثير تعاملوا برحمة زائدة مع المشتبه فيهما لوران وكراسيي في قضية لا تتطلب ربما أي ذرة رحمة..
وليس في الأمر أي مبالغة مادام الصحافيان لوران وكراسيي اعترفا بالفم المليان بأركان هذه الجريمة ولم ينكرا أنهما استلما تسبيقا ماليا ب80 مليون سنتيم ووقعا التزاما بخط أيدهيهما يقران فيه لمحامي القصر هشام الناصري أنهما لن يصدرا هذا “الكتاب المعلوم”.
وقع كل هذا بفندق بباريس تحت أعين النائب العام الفرنسي وفرقة أمنية خاصة أسندت إليها مهمة توقيف المعنيين بالأمر وهما في حالة تلبس “طافح”.
وليس هذا فحسب، بل إن الصحافيين لوران وكراسيي خفضا من القيمة الأصلية للابتزاز.
وهكذا اقترحا في بداية الأمر ثلاثة ملايير سنتيم قبل أن ترسو “الصفقة”، بعد أخذ ورد، على ملياري سنتيم في الجلسة الثالثة من المفاوضات مع المحامي هشام الناصري.
ولا داعي إلى مزيد من التفاصيل في هذه القضية التي لم تعد اليوم سرا لأنها أصبحت قضية عابرة للحدود.
اليوم هناك ما هو أهم من كل هذا.
وأقصد هنا أن لوران وكراسيي دخلا مؤخرا في “تحركات ميدانية” وحركة “بكاء فعلي” على “مجد صحفي تليد” لم يحافظا عليه ك”الرجال”.
وطبيعي أن ينخرط المعنيان بالأمر في مثل هذه “التحركات” لأن عملية الابتزاز كادت ربما أن “تنجح” لولا سوء الحظ أو سوء الفهم، أو هما معا، بين الأطراف المتفاوضة حول ما يمكن أن نسميه ب”صفقة العمر”..
ثم إن هذه الصفقة، حسب لوران وكراسيي، تتوفر على كل مقومات النجاح لأنها لا تستند إلى “معلومات وهمية ومفبركة”، بل تستند إلى معلومات هي فعلا ذات حساسية ولها وقع خاص على النفس يشبه وقع سورة القارعة إذا ما تم ذكر بعض الشخصيات العمومية بالاسم والصفة.
كل شيء يؤكد اليوم أن لوران وكراسيي يريدان الانتقام للنفس الجريحة ويفكران جديا في رد الصاع صاعين.
الصحافيان المعنيان بالأمر دخلا في رحلة بحث شاقة عن “بطل” يلعب دور “prête-nom” يتبنى مضمون “كتابهما المعلوم” بهدف الثأر والإساءة إلى أي شيء يتحرك فوق خارطة المغرب.
بصيغة أخرى أكثر وضوحا. لوران وكراسيي يبحثان، هذه الأيام، عن تأجير رحم ينسبان إليه، من خلف الستار، هذا “الكتاب المنتظر” مقابل أن يتنازل لهما هذا الذي يلعب دور “le prête-nom” نسبة من الأرباح لمواجهة تكاليف الحياة الصعبة والمصاريف الباهظة للمحامين في “فضيحة قضائية” لم تخطر لهما على البال.
يا له من بؤس صحفي تأكد معه بما لا يدع مجالا للشك أن قضية “التخصص في الشأن المغربي” مجرد أكذوبة وادعاء.
فوحدها هذه “الورطة المزلزلة” تفضح كل شيء حول هذا “التخصص المفترى عليه” وتثبت بالأدلة الدامغة أن لوران وكراسيي ليسا مختصين في أي شيء ولا يعرفان أي شيء في أي شيء عن طبيعة النظام السياسي المغربي وعن الكيفية التي تشتغل بها هذه الماكينة التي يسميها المغاربة “المخزن”.
فأي “اختصاص” هذا الذي سيجعل صحافيين أجنبيين يؤلفان، سنة 2012، كتابا حول ملك المغرب بعنوان مسيء وعدواني جاء بهذه الصيغة: “الملك المفترس”، وفي سنة 2015، سيتصل هذان الصحافيان، بشحمهما ولحمهما، بالكتابة الخاصة للملك نفسه من أجل ابتزاز “جلالته” في مبلغ مالي بثلاثة ملايير سنتيم؟!
يا له من “اختصاص”، لكن في منتهى البلادة!
لكن لماذا اقترح لوران وكراسيي على محامي القصر رقم ثلاثة ملايير قبل يتفقا في نهاية الأمر على مليارين؟
بالطبع لم يكن اقتراح هذا الرقم اعتباطا.
هذا الرقم له “مرجعية” تسنده من واقعة مماثلة أخرى بطلها صحافي مغربي كان قاب قوسين أو أدنى من إصدار كتاب حول الملك محمد السادس قبل أن يتراجع عن هذا “الأمر الجلل” في اللحظات الأخيرة.
لكن صاحبنا هذا لم يتراجع لوجه الله ومن تلقاء نفسه.
أبدا.
بل تراجع لأنه “جهة ما” دخلت على الخط وكافأت “المتراجع” بثلاثة ملايير سنتيم لأن “الإحسان” في هذا الكتاب لا جزاء له إلا “الإحسان” في الكتاب الآخر.
ولأن الصحافية كراسيي لها علاقة بدار النشر التي كانت ستتكلف بطبع هذا الكتاب حول الملك بقلم هذا الصحافي المغربي، فقد تمكنت صاحبتنا بطرقها الخاصة من الحصول على تفاصيل صفقة التراجع وقيمتها المحددة في ثلاثة ملايير.
أقصد القول أن لوران وكراسيي اقترحا هذا المبلغ العالي لأن زميلهما في الحرفة، أي الصحافي المغربي، اقترح نفس المبلغ على الجهة التي طلبت منه التراجع عن إصدار كتاب حول العاهل المغربي.
وفعلا، تراجع صاحبنا الصحافي المغربي عن إصدار هذا الكتاب في صفقة سارت بذكرها الركبان قبل أن يتحدث عنها موقع إلكتروني مغربي مؤخرا بوضوح تام سميت فيه الأشياء بمسمياتها.
ولم يكتف الصحافي المغربي بهذا التراجع فقط، بل فاجأنا جميعا عندما ألف كتابا آخر بسرعة “التي جي في” حول الأمير مولاي هشام أو “الأمير المنبوذ” في هذا العهد الجديد الذي ما عاد جديدا بعد مرور 18 سنة عن مجيء محمد السادس إلى سدة الحكم.
وأنا هنا لا أهاجم زميلا في المهنة مشهودا له بالكفاءة وعلو الكعب في هذه الحرفة والأعمال الصحفية النوعية.
أنا هنا أروي معلومات لا استنتاجات.
وكم أتمنى أن أقرأ لآخرين معلومات أخرى مغايرة أو حتى مناقضة لما أقول في هذه القضية تحديدا حتى يتبين الخيط الأبيض من الأسود وسط هذا الظلام الصحفي الذي يطوقنا اليوم من كل جانب.
والواقع أن كل تفاصيل هذه القصة أصبحت معروفة، لكن غير المعروف هو طبيعة هذه المعلومات الحساسة التي أصبحت تساوي ثلاثة ملايير سنتيم وكيف سقطت بأيدي لوران وكراسيي؟
إنه السؤال الذي شغل، كثيرا، محامي القصر هشام الناصري في كل جلساته الباريسية مع الصحافيين الفرنسيين لوران وكراسيي.
لكن سرعان ما زال هذا الغموض عندما تبين أن هذه المعلومات ذات الحساسية الخاصة ليست إلا مضمون افتحاص داخلي أجراه مسؤول كبير في المكتب الشريف للفوسفاط تحت إشراف مكتب محاسبات أمريكي.
وأجرى هذا المسؤول الكبير في مكتب الفوسفاط هذا الافتحاص لأنه خشي على نفسه من أن تنسب إليه هذه الأطنان من الاختلالات المالية المتراكمة داخل هذة المؤسسة لعقود من الزمن.
المسؤول المعني بالأمر يعرف جيدا دواليب دار المحزن وخبر، عن قرب، “المزاج المتقلب” لهذا “الجهاز العجائبي” في تعامله حتى مع كبار خدام الدولة وكيف أكل البعض منهم بدون أي شفقة في سياق سياسي تعكر فيه هذا المزاج.
وفعلا حصن المسؤول الكبير في الفوسفاط نفسه بهذا الافتحاص الداخلي وعم بعض الصمت قبل أن يقع ما لم يكن في الحسبان.
لقد كان مجرد صمت سبق العاصفة. والعاصفة هنا هو أن نسخة من هذا الافتحاص الداخلي “غادرت”، بفعل فاعل، أروقة هذه مؤسسة المكتب الشريف للفوسفاط لتسقط بيد واحد من كبار الصحافيين المحققين الفرنسيين ألا وهو “نيكولا بو”.
فمن هو “نيكولا بو”؟
إنه خريج مدرسة صحفية مزعجة عاش بعض محطاتها مع “لوكنار اونشيني” و”لومند” وله علاقات متينة وغير شفافة مع العديد من المسؤولين المغاربة.
أما الأهم من هذا كله وهو أن “نيكولا بو” هو ليس فقط صديقا حميما للصحافية كاترين كراسيي المتورطة في فضيخة ابتزاز الملك محمد السادس.
إنه أيضا شريكها في تأليف كتاب اختارا له هذا العنوان “عندما يصبح المغرب إسلاميا”.
هل فهمتم الآن كيف تم حبك سيناريو ابتزاز الملك محمد السادس؟
صحيح أن الفاعلين صحافيون أجانب، لكن يبدو أن “امالين الدار” هم أيضا شركاء في كتابة هذا السيناريو الذي استهدف الدار وأهلها أجمعين.
عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019
صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…