“كيف أصبحت هكذا”

كل إنسان له اختيارات في الحياة، ولكل اختيار من هذه الاختيارات حكاية يتداخل فيها الذاتي والموضوعي، ويحضر فيها أشخاص ووقائع وكتب ومواقف… وتغيب تفاصيلها عن الناس حتى يعتقد بعضهم أن الكاتب أو المبدع ولد بكامل الوعي والإبداع الذي عرفه به الناس، أو أن الإسلامي ولد إسلاميا واليساري يساريا…

مع القيادي بحزب العدالة والتنمية عبد العالي حامي الدين

إعداد: علي جوات

اسمحوا لي منذ البداية أن أعبر عن تحفظي على مصطلح “إسلامي” لعدة أسباب لا مجال للتوسع في شرحها، ومن أهمها أنني لم أقم باختيار هذا المصطلح وإنما هو صفة تلصق بمن يتبنون العمل السياسي انطلاقا من المرجعية الإسلامية.. أنا أرفض هذه الصفة وأفضل بدلا عنها “مسلم ديموقراطي”..
أما بالنسبة لمساري فقد نشأت داخل أسرة محافظة تنتمي إلى الطبقة الوسطى في المجتمع خلال سبعينيات القرن الماضي، والدي كان رجل تعليم ثانوي، أب لسبعة أطفال وهو من خريجي جامعة القرويين وحاصل على دبلوم الدراسات العليا من دار الحديث الحسنية، وكان واعظا في مساجد مدينة فاس، ومن خلاله تعرفنا على أبرز علماء مدينة فاس..
وهكذا فتحت عيني على أمهات الكتب في التفسير والحديث والفقه والسيرة النبوية والفكر الإسلامي، فتفاسير القرآن الكريم للطبري والقرطبي وابن كثير وسيد قطب كانت جزءا من مكتبة الوالد حفظه الله وشافاه،
فتحت عيني على جلسات مدارسة القرآن والأحاديث النبوية التي كانت تنظم بصفة أسبوعية داخل بيتنا بين الوالد وأصدقائه الذين كان معظمهم من الدعاة والوعاظ والباحثين في العلوم الشرعية، وكان من الطبيعي أن أسترق السمع لأتابع ما يجري داخل هذه الجلسات من نقاشات..
نشأت داخل بيت يتوصل فيه الوالد بصفة منتظمة بجريدة “النور” التي كانت تصدرها إحدى الجمعيات الإسلامية، كما كان حريصا على اقتناء مجلة “الأمة” القطرية وغيرها من المجلات الإسلامية، دون أن أنسى مجلة “ماجد” الخاصة بِنَا كأطفال آنذاك.. نشأت داخل بيت حيث يحرص السيد الوالد والسيد الوالدة حفظهما الله على مراقبة التزام أبنائهما بأداء الصلاة في وقتها وتلقينهم مكارم الأخلاق، وحفظ ما تيسر من القوآن الكريم..
نشأت داخل بيت حيث يحرص فيه الأبوان على إشراك أبنائهم في مناقشة كل ما يجري ويدور من أحداث، وعلى تحليل الأخبار التي كنّا نتابعها جميعا بواسطة الراديو أساسا، وفِي ظل هذه الأجواء تلقيت المبادئ الأولية لقيمة الحرية وقبول الاختلاف..
وفِي ظل هذه الأجواء أيضا تعلمت كيف ينبغي أن نتعامل مع صعوبة الحياة وتعقيداتها من خلال ما كان يتقاسمه معنا الوالد من معلومات تتعلق براتبه الشهري وما يستلزمه حسن التدبير من اقتصاد وتضامن بين أفراد الأسرة الواحدة لتجاوز صعوبات الحياة اليومية، وأنا أفتخر بأنني نشأت في حضن دافئ ووسط إخوة يجتهد كل واحد منهم في التزام التعاليم الإسلامية، في جو أيضا من المرح والحريّة..
أما انخراطي في العمل التنظيمي فكان بدوره عن طريق بعض أصدقاء الوالد، الذين أخذت على يدهم مبادئ العمل الدعوي في البداية، حيث كنّا ونحن تلاميذ نعقد جلسات تربوية تتمحور حول آيات من القرآن والحديث في بيت أحد الأساتذة، أذكر من بينهم المرحوم علي العلمي أحد شيوخ مدينة فاس الذي أثر في كثيرا بطيبوبته، كما استفدت من دروس الدكتور الشاهد البوشيخي في القرآن الكريم، ودروس المرحوم المفضل الفلواتي في السيرة النبوية..
وكان مخيم صيف سنة 1990 بنواحي مدينة أصيلا وأنا أستعد لدخول الجامعة، محطة مفصلية في تجربتي، تعرفت خلاله على الاتحاد الوطني لطلبة المغرب وعلى مبادئ العمل النقابي الطلابي وكان أخي الذي يكبرني سنا سباقا إلى هذه التجربة، فتعرفت من خلاله على الفصائل الطلابية وعلى الاختلافات الإيديولوجية فيما بينها، وكان همنا هو توحيد العمل الطلابي من خلال فصيل غير معلن هو “فعاليات طلابية” الذي كان يشكل امتدادا لرابطة المستقبل الإسلامي آنذاك، قبل أن تتوحد سنة 1995 مع حركة الإصلاح والتجديد، ليتم الإعلان عن حركة التوحيد والإصلاح صيف سنة 1996، لكن قبل ذلك وفِي سنة 1992 سأخوض تجربة الحملة الانتخابية لفائدة أحد الإخوة الذي ترشح كمستقل في الانتخابات الجماعية في دائرة حي الأدارسة بمدينة فاس وهو الدكتور علي الغزيوي رحمه الله، وخلال الحملة سأتعرف عن قرب على الدكتور لحسن الداودي الذي كان سباقا إلى المطالبة بتأسيس حزب الوحدة والتنمية سنة 1991 غير أن هذه التجربة لم يكتب لها النجاح.
بين سنة 1993 و1995 سأعيش تجربة الاعتقال التعسفي، خلالها سأكتشف عالما آخر، مكنني من معرفة جزء من المجتمع هو ضحية للتهميش والحرمان، ومكنني من معرفة أدوات البطش التي تمتلكها الدولة من خلال جهاز الأمن والقضاء..
بعد الوحدة الاندماجية لسنة 1996 كان الانخراط في حزب الحركة الشعبية الدستورية الديموقراطية، ووجدت نفسي منذ سنة 1998 في قلب العمل السياسي، حيث كنت عضوا في هيئة تحرير جريدة الحزب “العصر” آنذاك، ثم انخرطنا في تأسيس شبيبة العدالة والتنمية وتحملت مسؤولية نائب الكاتب الوطني للشبيبة، ثم بعد ذلك عضوا في المجلس الوطني للحزب، قبل أن أنتخب سنة 2008 عضوا بالأمانة العامة للحزب إلى حدود اليوم.

التعليقات على حامي الدين: أنا لست إسلاميا مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

انتهاء “أزمة” إضراب المحامين.. فرضوا على وهبي “التنازل” في مجموعة من النقط وهذه أهم الاتفاقات

أعلن مكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب رسمياً، أمس الاثنين، إنهاء مقاطعة الجلسات في مختلف …