سرية الاتصالات الشخصية: حق دستوري يحميه القانون من أي انتهاك
خالد أوباعمر
يعد انتهاك مراسلات البريد الالكتروني والمكالمات الهاتفية للمواطنين من التصرفات الجرمية الجديرة بالاهتمام القانوني والحقوقي على اعتبار أن هذا النوع من الانتهاك يتصل بالمعطيات الشخصية التي تندرج ضمن الحريات الضرورية لكل إنسان.
ويتم تنفيذ هذا النوع من الجرائم التي أصبحت شائعة في عدد من البلدان بواسطة وسائل تقنية المعلومات (الحاسوب أو غيره). وتنفيذها بهذا الشكل يعد من الظواهر الإجرامية المستجدة والتي تتطلب أشخاص يتمتعون بمؤهلات معينة ويمتلكون وسائل تقنية جد متطورة لارتكابها.
جريمة من هذا النوع، تكون لها أضرار كبيرة في المستقبل، وذلك بفعل زيادة مستعملي شبكة الانترنت في الدول العربية، فضلا عن كون عدد من هذه البلدان لا تمتلك الوسائل التقنية والتشريعية الكفيلة بمجابهة هذه الجريمة.
المراسلة عبر البريد الالكتروني تعد من حاجات المجتمع الجديدة ومن المصالح الجديرة بالحماية القانونية التي ينبغي على المشرع معالجتها في تشريعاته الجزائية من أجل سد الطريق أمام كل من تسول له نفسه الاعتداء على حرية المواطنين في الحق في التواصل عبر الإنترنيت أو بواسطة وسائل اتصال أخرى كالهاتف النقال الذي أصبح بدوره عرضة للتجسس على المكالمات الهاتفية لمستعمليه خصوصا في الدول غير الديمقراطية التي لا تبالي بحقوق وحريات المواطنين فيها.
الاعتداء على مراسلات المواطنين واتصالاتهم سلوك ينطوي على خطورة كبيرة فيما يتعلق بسرية المعطيات والحياة السرية للأشخاص داخل المجتمع الذي يعيشون فيه خصوصا وأن هذه الظاهرة الإجرامية المستجدة لا زالت غير مشمولة بالحماية الدستورية والقانونية اللازمة في عدد من البلدان.
الحماية الدستورية لسرية الاتصالات الشخصية في المغرب
تعد حرية المراسلات من الحريات الأساسية والضرورية لكل شخص، وبالنظر إلى أهميتها البالغة، فقد أوردتها دساتير عدة بلدان في صلبها، مثل الدستور المغربي لسنة 2011 الذي أشار إلى حرية الاتصالات الشخصية وعدم جواز انتهاك سريتها في الفقرة الثانية من الفصل 24 من الباب الخاص بالحريات والحقوق والتي جاء فيها ” لا تنتهك سرية الاتصالات الشخصية كيفما كان شكلها. ولا يمكن الترخيص بالإطلاع على مضمونها أو نشرها، كلا أو بعضا، أو باستعمالها ضد أي كان، إلا بأمر قضائي، ووفق الشروط والكيفيات التي ينص عليها القانون”
يستشف من خلال هذه الفقرة أن الدستور المغربي وفر الحماية اللازمة لسرية الاتصالات الشخصية، كيفما كان شكلها، ومنع الترخيص بالإطلاع على مضمونها أو نشرها، كلا أو بعضا، إلا بأمر قضائي.
من هذا المنطلق نتساءل: كيف يتعامل القضاء المغربي مع جريمة انتهاك سرية الاتصالات الشخصية للأشخاص دون وجود إذن قضائي بالإطلاع عليها؟ كيف يتم التعامل مع الشكايات ذات الصلة بهذا النوع من الجرائم التي تضرب في العمق حرية الإنسان؟
الصحافة وحرمة الاتصالات الشخصية
لقد سبق لبعض المواقع الالكترونية نشر مقالات تضمنت معطيات صادمة، تفيد بأن بعض المواقع الإلكترونية القريبة من السلطة تنشر أخبار مصدرها مكالمات هاتفية لنشطاء سياسيين وفاعلين حقوقيين يصنفون كمعارضين للدولة، مما يفيد، أن سرية الاتصالات الشخصية لهؤلاء يتم انتهاكها وترويجها دون مراعاة حقوقهم القانونية والدستورية؟
أن تصل الأمور إلى حد انتهاك سرية المراسلات الشخصية للمواطنين، مهما كان تموقعهم السياسي ومهما كانت خلفيتهم الفكرية أو الاديلوجية، والقيام بعد ذلك بنشر تفاصيلها “كلا أو بعضا” في مواقع الكترونية على شكل أخبار، فهذا الأمر يشكل للأسف الشديد انتهاكا جسيما لحق مكفول للمواطنين بموجب الدستور والقانون.
كيف سيتعامل القضاء مع هذا النوع من التقارير الإخبارية؟ أي دور للنيابة العامة في حماية سرية الاتصالات الشخصية للمواطنين؟ هل ما تقوم به المواقع أمر مشروع أم أنه ينطوي على انتهاك فظيع لحق الإنسان وحريته؟ أي قانون هذا الذي يسمح لموقع الكتروني، مهما كانت الجهة التي تديره أو ترعاه، بنشر مضمون مكالمات هاتفية أو رسائل خاصة بالغير؟
مما لاشك فيه، أن دستور فاتح يوليوز 2011، وضع في الفصل 24 استثناء عن قاعدة عدم جواز انتهاك الاتصالات الشخصية كيفما كان شكلها. وقد ربط الدستور هذا الاستثناء بوجود أمر قضائي وفق الشروط والكيفيات التي ينص عليها القانون. الأمر الذي يعني أن أي انتهاك لحرية الاتصالات الشخصية للمواطنين، خارج إطار ما ينص عليه الدستور والقانون، ينبغي التعامل معها وفق الأصول الدستورية والقانونية، حتى لا يقع أي انزلاق حقوقي، يزرع الريبة والشك في نفوس المواطنين، ويدفعهم إلى التساؤل عن جدوى الحقوق الدستورية والقانونية إذا كانت تنتهك بطريقة غير قانونية ولا مهنية ولا أخلاقية ولا مسؤولة في المواقع الإلكترونية أو في غيرها من وسائل الصحافة والنشر.
أركان جريمة انتهاك الاتصالات الشخصية
1 الركن المادي في هذه الجريمة يرتبط بــــ”النشاط المادي الذي يصدر عن الجاني متخذا مظهرا خارجيا يستهدف الاعتداء على مصلحة يحميها القانون”
2 الركن المعنوي: لا يمكن تصور وجود جريمة ما دون توافر الركن المعنوي إلى جانب الركن المادي ،لذا يعد الركن المعنوي من العناصر الضرورية واللازمة لتحقق الجريمة، ويراد بالركن المعنوي الإرادة الجرمية أو الإرادة الآثمة المقترنة بالفعل سواء اتخذت صورة القصد الجرمي وعندئذٍ توصف الجريمة بالعمدية أم اتخذت صورة الخطأ غير العمدي حينئذ تكون الجريمة غير عمدية.
3 الركن القانوني: يعتبر تواجده في أي جريمة أمر بديهي فلا وجود لجريمة بدون وجود نص قانوني يجرمها ” لا جريمة ولا عقوبة من دون نص” وفي حالة انتفائه تنتفي الجريمة. والنصوص التي تجرم انتهاك حرية الاتصالات الشخصية موجودة سواء تعلق الأمر بالدستور أو القانون.
عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019
صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…