عن “ألف بوست”
وأخيرا، تشكلت الحكومة المغربية برئاسة سعد الدين العثماني، وذهبت التحاليل الى مدى سيطرة المخزن على الحكومة ومدى انبطاح حزب العدالة والتنمية للمخزن. لكن بغض النظر عن هذه المعادلة السياسية، هل الحكومة سواء بوزراءها الذين يدعون الانتماء الى الشعب أو أولئك المحسوبين على الدولة قادرين على التقليص من الديون، إنقاذ شرف المرأة المغربية وصيانة الوحدة الترابية للبلاد.
لقد انتهت حكومة عبد الإله ابن كيران بأسوأ النتائج في تاريخ المغرب منذ الاستقلال، وهي نتائج تغيب عن جزء من الرأي العام بسبب غياب الوعي لدى نسبة هامة من الاعلام. ولا يتحمل وحده مسؤوليتها بل كذلك الدولة المغربية بكل مؤسساتها ابتداء من القصر الى آخر مؤسسة صغيرة في البلاد وكذلك الشعب.
في هذا الصدد، انتهت حكومة ابن كيران بأعلى نسبة في تاريخ المديونية في المغرب، وهي 83% من الناتج القومي الخام، وخدمة هذا الدين تجعل المغرب في وضع شبيه بما حدث له بعد حرب تطوان سنة 1860، حيث سقط في حلقة الديون الى أن انتهت البلاد الى التفكك ثم تحت الاستعمار. إن الدين الحالي سيتطلب عقودا من الزمن خاصة في أنه لم يتم استثماره في تطوير البلاد. فهل ستنجح حكومة العثماني بشقها الحزبي والمخزني في التقليص من الديون؟
وعلاقة بالديون والوضع الاجتماعي، ترتب عن الأزمة الاقتصادية التي يعيشها المغرب مظاهر سلبية للغاية منها استمرار الهجرة نحو الخارج، حيث ينافس المغاربة السوريون في تقديم اللجوء السياسي في دول مثل المانيا والنمسا مع فارق الوضع بين البلدين. في الوقت ذاته، هناك مظاهر تدعو الى الحزن وهي ارتباط جزء من الهجرة وإن كان هامشيا للغاية، ولكن لم يكن ملفتا في الماضي مثل حاليا، بالدعارة في دول الخليج وأوروبا. إن موضوع الدعارة في الخارج أصبح يتطلب شجاعة سياسية واجتماعية للحديث عنه ومعالجته بعدما استفحل بشكل خطير.
ودائما في علاقة بالوضع الاجتماعي، سجل المغرب خلال السنوات الأخيرة أكبر الجرائم في تاريخ البلاد وهو ترك مئات الآلاف من الأطفال بدون تمدرس، فالدولة المغربية اعترفت الشهر الماضي بوجود 650 ألف طفل بدون مدرس، وهي بالتالي تنافس دولا مثل الصومال في هذا الشأن. كما تراجع التعليم الأساسي والجامعي رغم أنه أساس كل نهضة. إن استمرار الأمية يحدث في وقت ينتقل فيه العالم الى ما هو رقمي، الأمر الذي سيحكم على فئة من المغاربة بالجهل طيلة حياتهم.
وتفاجئ الرأي العام بالنسبة التي بدأت تحتلها المخدرات في اقتصاد البلاد، فهي بين 8% وفق تقديرات محلية الى 23% وفق تقديرات أمريكية، ولا توجد دولة في الوقت الراهن تشكل المخدرات هذه النسبة من اقتصادها، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول الهوية الاقتصادية للبلاد بعدما تجاوز نسبة المخدرات الفوسفاط في اقتصاد البلاد. وحدث هذا في ظل حكومة يرأسها إسلامي، وهو ابن كيران. فهل ستبدأ عملية تخليص المغرب من هيمنة المخدرات في ظل الحكومة الحالية برئاسة العثماني أم ستتعمق صفة “دولة المخدرات” مستقبلا.
وعلى شاكلة الدول الفاسدة اقتصاديا، رغم غرق البلاد في الديون الخارجية، استطاع مستثمرون مغاربة الرفع من حساباتهم البنكية وضمان مقعد مريح في مجلة فوربس للأغنياء، ولا يمكن تفسير هذا سوى بالاحتكار والفساد المالي الذي يميز البلاد.
خلال السنوات الأخيرة، تعرضت الوحدة الوطنية للبلاد لضربات موجعة رغم الشعارات التي يرددها الحاكمون. فقد اعتبرت هذه الحكومة ملف سبتة ومليلية بمثابة “الجذام” الذي لا يمكن الحديث عنه، وكم من مرة تفادى المسؤولون ومنهم رئيس الحكومة السابق ابن كيران ذكر سبتة ومليلية وكأنها أصبحت من المحرمات، وكل ذلك بمبرر البرغماتية، أي ربح اسبانيا الى جانب المغرب في الصحراء. وكيف أصبحت حدود سبتة ومليلية يهان فيها شرف المرأة المغربية بسبب التهريب دون أن يحرك ذلك ضمير من يراكمون الأموال في حساباتهم. وعلاقة بالصحراء، فقد سيطر البوليساريو عل الكركرات كما يسيطر على نسبة تقترب من 25% من الصحراء وراء الجدار، وانفردت موريتانيا بمنطقة لكويرة ليتبين مدى خرافة “من طنجة الى لكويرة” وفي وقت توزع فيه السلطات صكوك الوطنية وهي ليست بقادرة على ذكر كلمة لكويرة أو سبتة ومليلية.
إن هذه الظواهر السلبية كانت موجودة كما هي موجودة في دول أخرى، لكنه كان مسيطر عليها في الماضي، أما خلال السنوات الأخيرة فقد ارتفعت بشكل ملفت على شاكلة ارتفاع ديون المغرب بشكل صاروخي. وبعيدا عن لغة المعارضة والمزايدة، فالتقارير الدولية الصادرة عن المؤسسات الدولية التي يعتبر المغرب عضوا نشيطا فيها هي التي تصدر أحكامها باستمرار الفساد في المغرب، واستمرار احتلاله مرتبة غير مشرفة نهائيا في التنمية البشرية، واستمرار تصدره للعالم في إنتاج مخدر القنب الهندي (الحشيش)، ويكفي استفتاء المغاربة حول الأوضاع الحالية. نعم، لقد بدأ المغرب يحقق الاستثناء، ولكن في كل ما هو سلبي.
إن الأمة بمكوناتها الكاملة وخاصة الدولة والشعب، التي ترغب في ضمان المجتمع، ووفق كل الدراسات المستقبلية، عليها النظر الى المائة سنة الأخيرة وما وقع فيها للتفادى ذلك مستقبلا. إن المغرب يعيش طلاقا بين المؤسسات والشعب، ويشهد جبنا خطيرا للنخبة المثقفة، وهو ما يؤدي الى الوضع الحالي والذي سيتفاقم مستقبلا.
وبعيدا عن العناوين السطحية لبعض السياسيين والاعلاميين من هيمنة المخزن على الحكومة أو انتقام أنصار ابن كيران من العثماني، والغليان وسط الاتحاد الاشتراكي، يبقى الأساسي هل الحكومة الحالية بما فيها الدولة والشعب قادرين على ما يلي:
-هل الأمة المغربية بكل مكوناتها قادرة على تطبيق شعار من طنجة الى لكويرة واستحضار سبتة ومليلية؟
-هل الأمة المغربية قادرة على التطور الاقتصادي ودفع شبهات هيمنة المخدرات على جزء من اقتصاد البلاد؟
-هل الأمة المغربية بكل مكوناتها قادرة على تحقيق التكافل الحقيقي بعيدا عن الفوارق الطبقية المفزعة لمواجهة الديون الداخلية والخارجية وبناء مستقل الغد بعدما حكمت على جزء من جيل الغد بالأمية ومنها 650 ألف طفل بدون تمدرس، فهل من جريمة أكبر من هذه الجريمة؟ لا تنسوا أن أمثالهم من الأطفال المغاربة الذين لم توفر لهم الدولة شروط العيش هم الآن في عواصم أوروبا مدمنين وعرضة لمختلف الاستغلال ومنها الاستفلا الجنسي، طالعوا الأخبار حول الموضوع.
بعيدا عن الصبيانات في التحليل هل ربح المخزن أم العدالة والتنمية، هل من نهضة جماعية لتفادي هذا التدهور المبرمج أمام أعين الجميع.
عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019
صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…