حزب العدالة والتنمية بين التسطيح والإعراض عن المبادئ
عبد الله الجباري الحسني
بعد النكسة التي تعرض لها حزب العدالة والتنمية، وقبوله بتشكيل حكومة 8 أكتوبر، بعد أن أعان الدولة على إزاحة زعيم 7 أكتوبر، خرج قادة البيجيدي يكتبون تسويغات ومبررات بهدف امتصاص الغضب المنتشر كالنار في الهشيم بين القواعد، وبغية تقمص دور الضحية، من خلال إظهار المظلومية، وأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان، وأن المرء مضطر للاختيار بين السيئ والأسوأ، وأن المصلحة الوطنية تقتضي، وأن صلح الحديبية نصَّ على، إلخ ما قيل من قِبل القادة الذين توسلوا لغة الخشب، وأعرضوا عن المبادئ، فلم يقتنعوا بما كتبوا، بله أن يُقنعوا.
وما كتبه هؤلاء القادة تحت الصدمة، وما كتبوه في الرخاء، لا يمت بصلة إلى الوعي السياسي، ولا يدل على امتلاك الحزب لرؤية أو هوية سياسية، باستثناء كلمات مضحكة، مثل الإصلاح في ظل الاستقرار، وهي العبارة التي تبين عدم أجرأتها على أرض الواقع، ولو من خلال فعل سياسي واحد.
أقول : من خلال فعل سياسي واحد.
ومما يدل على ضحالة الفكر السياسي عند الحزب الكبير جماهيريا، أن قادته أصدروا مقولات، أو سكتوا عنها، هي بمثابة ردة سياسية، مثال ذلك، عبارة رئيس الحكومة الموقر السيد عبد الإله بنكيران، التي خاطب بها الملك، حين قال له : [واخا تديني الحبس أنا معك]، وهي عبارة تدل على ضحالة الوعي السياسي عند زعيم الحزب، فكيف بمن دونه؟
والخطير في الأمر، أن قيادة الحزب وقواعده، كثيرا ما تصدر عنهم انتقادات وتعليقات على عبارات صادرة عن سياسيين آخرين، ولم ينبس أحد منهم ببنت شفة تعليقا على ما قاله زعيمهم، واليوم، يمكن أن نزعم، أن الملك كان رحيما جدا به، لأنه لم يودعه السجن، فقط أعاده إلى بيته مرفوع الرأس، كما يدعي الأستاذ يتيم وغيره. أما بنكيران، فيعاني من جرح غائر، لمسه كل من سمع خطبة وداعه.
ما هي القراءة السياسية لتصريحات قادة هذا الحزب؟ ما هو عمقهم الفكري في قراءة الأحداث؟ ما هو حدود وَعْيهم السياسي؟ ما مدى التزامهم بالمبادئ السياسية؟ بل، ما مدى التزامهم بالمبادئ القرآنية؟
لكي نبتعد عن العموميات، أو عن إطلاق الكلام على عواهنه، يمكن أن نقارب هذه الأسئلة وغيرها، من خلال نموذج الوزير محمد نجيب بوليف، وتدوينته/مقاله الأخير.
قال الوزير المحترم: “لقد انهزمنا في الخمسة الأشهر الأخيرة، رغم أننا احتللنا صدارة الجزء الأول من الدوري!!! هو انهزام في مقابلة من مقابلات البطولة، التي تدوم لسنوات ولعقود!!! بطولة كأس الديمقراطية والشفافية والتنمية!!! لقد انهزمنا نعم، لكن ذلك لا يعني أننا أقصينا!!!
لا زلنا متقدمين في البطولة… بمبادئنا ومصداقيتنا وقربنا من الشعب”.
أهذا تنظير سياسي؟ أهذا توعية سياسية للقواعد؟ هذا كلام يعمل على تسطيح عقول القواعد، وتبسيط الشيء المعقد بطريقة هجينة.
واستمر السيد الوزير في التسطيح والتبسيط، فقال: “انهزمنا نعم، لكن ليس لأننا لم نحسن اللعب أو التدبير، بل لأن وسائل لعب الآخرين تغيرت، واستعملت أدوات للاستقواء داخل الملعب ليست معهودة في لقاءات البطولة كما هو متعارف عليها عند “الفيفا” السياسية!!!
انهزمنا نعم، لأن موازين القوى، المختلفة والمعقدة والمركبة، ليست كلها لصالحنا في هذه المحطة بالذات…
انهزمنا نعم، لكن بإمكاننا القيام ب “رومونتادا” remontada استثنائية إن نحن أحسنا تدبير المستقبل…”.
وفي هذا النص دليل إدانة للبيجيدي أكثر منه دليل تبرئة.
انهزم الحزب لأن وسائل لعب الآخرين تغيرت، معنى هذا الكلام أن المدرب غير كفؤ، مدرب دون المستوى، واللاعبون ضعفاء على مستوى التكتيك أو على مستوى البنية، أو هما معا. إذن المشكل ذاتي، وليس مرتبطا بالآخر.
لماذا لم يغير المدرب يا معالي الوزير خطته في الوقت المناسب لما أحس بتغير اللعبة من قبل الخصم؟ أم أن المدرب لا يملك سوى خطة وحيدة فريدة؟ إنه مشكل ذاتي.
أما الكلام عن الريمونتادا، فهو من قبيل النكتة، ولا يستحق الالتفات إليه.
فريق بلاعبين ضعفاء، وبمدرب فاشل، والريمونتادا !!!
نعم، إن أنزل الله تعالى ملائكة مسومين لمساندة هذا الفريق. وما كنا منزلين. انتهى الكلام الرباني.
وليت وزيرنا المحترم بقي في مستوى التسطيح، بل انتقل إلى مستوى البلادة، فقال: “بعض الإخوة- سامحهم الله- ممن أعفيت بعض أطرهم من مسؤولياتها، لم يستطيعوا القيام بأي شيء يذكر في موضوع بسيط، لكنهم يبيحون لأنفسهم الشماتة فينا ويحاولون تلقيننا الدروس!!! بل يزعمون أن بنكيران انتهى ورمي به أشد رمية!!! يخطئون الرمي بسهامهم، على عادتهم… لن نرد عليكم… لا نعتبركم خصومنا!!!”.
هنا وجه مدفعيته الثقيلة صوب العدل والإحسان، وذكّرهم ببلادة بإعفاء بعض الأطر، ونسي أنه المسؤول السياسي عن ذلك.
لأن الإعفاء صادر عن إدارة وصية، هي جزء من السلطة التنفيذية التي هو عضو فيها، وحزبه رئيس له. فمن تدين يا معالي الوزير؟ لعل هذه الإدانة كرة ضربتها في العارضة وارتدت إليك… لا عليك، مرة أخرى تصيب الهدف.
ثم استمر في الحديث عن العدل والإحسان، ومِننه عليها، “لم نشمت بهم”…. هذه عبارته… لم يشمت، ولست أدري من يقصد بنون المتكلم….. شخصيا، عرفت العدل والإحسان من طريق التوحيد والإصلاح، لم يكن بوخبزة التطواني وهو القائد الحزبي آنذاك، يذكر العدل والإحسان وزعيمها إلا في سياق السخرية والاستهزاء، والأمر ذاته عند القيادي فريد الأنصاري رحمه الله، أقصد حين كان زعيما، أما عبد الإله بنكيران، فحدث ولا حرج، وشخصيا سمعت سخريته بأذني حول قيام الليل جماعة، وآخر ما صدر عنه، هو مسألة العنوسة…. آآآه، لم يشمت. ليتك شمتت يا معالي الوزير.
لعل السؤال المحوري هنا، هو: كيف يتمكن باحث في العلوم السياسية أن يعتمد على نصوص ومكتوبات قادة البيجيدي لدراستها في إطار بحث أكاديمي؟ وكيف لهذه المكتوبات أن تطور العمل السياسي في البلاد وتجوده؟
أما مسألة المبادئ، فقضية أخرى ؟
فقط، أذكر بمسألتين اثنتين من قصة سيدنا يوسف عليه السلام، أذكرهما لأن الحزب يمتح مرجعيته من القرآن والسنة.
1 – خُيّر سيدنا يوسف عليه السلام بين الزنا وبين السجن سنوات عديدة، فآثر السجن على تلطيخ الشرف، والنأي عن المبدأ، وكان بإمكانه أن يقول مثل ما قالوا: الاختيار بين السيء والأسوأ… وتقدير المصلحة، والمصلحة الراجحة والمرجوحة، ودفع المفسدة، والمصلحة الوطنية، وغير ذلك، ويمارس الفاحشة سرا مع المرأة الراغبة، وينتهي الأمر. لا. السجن أحب إلي مما يدعونني إليه، هكذا قال، وبقي شريفا. وخلد الله شرفه. وكذلك محمد مرسي فك الله أسره، وكذلك نلسون مانديلا. الشرف أولى من الحرية. أما الخضوع والرضوخ والبكاء فليس من شيم يوسف، ولا من أخلاق القرآن.
2 – بعد سنوات عديدة في السجن، طالب الملك بإطلاق سراح يوسف عليه السلام، نعم، طالب الملكُ، ولم يطلب يوسف العفو منه. ومع ذلك، رفض يوسف مغادرة أسوار السجن حتى تثبت براءته، لأن الشرف عند الأنبياء أولى من الحرية.
الحرية وهي أعز ما يطلب، أدنى من الشرف والتشبث بالمبادئ، فأين حزب العدالة والتنمية من هذه المرجعية القرآنية.
لقد أعفي بنكيران دون حتى أن يُسمَع منه. أفي هذا شرف؟
عُيّن العثماني وقبِل مهرولا، أين موقف الحزب؟ أين مرشح الحزب؟ بل، أين الحزب؟
بعد ذلك، أسرع العثماني الخطى في تشكيل حكومة بالأشخاص ذاتهم الذين رفضهم بنكيران والحزب أمس. أإذلال أكثر من هذا؟ أين المبادئ؟
ثم ستأتي الحملة الانتخابية، وسيدعو بوليف الناخبين إلى التصويت.
قبل أن تدعوهم إلى التصويت يا حبيبي، هل لك القدرة على الحفاظ على أصواتهم؟ هل لك القدرة على أن تصون أصواتهم، أين صفتا القوة والأمانة فيكم؟ ألم تعلموا منتسبيكم “إن خير من استأجرت القوي الأمين”؟ ألم تركزوا عليها في أدبياتكم؟
نعم، ننظر إلى المسألة في نسبيتها وصعوبتها وتعقيداتها، لكن، على الأقل، لا بد من التمسك بحد أدنى من استقلال القرار الحزبي، واحترام الدستور، والالتفاف حول الشعب ومع الشعب، وإن استوجب الأمر تنازلات، فلتكن.
أما مجرد التنازلات، فلا.
والدليل، هو: ماذا فعل الحزب على المستوى السياسي من أجل تقليم أظافر الفساد والاستبداد؟
اليوم، الحزب في حاجة إلى أمرين اثنين:
الأول: إصدار قرار فوري يمنع القادة من الإسهال في الكلام التسطيحي، كما صدر عن سمية بنخلدون وسليمان العمراني ومحمد يتيم وغيرهم، والاعتكاف على إصدار ورقة سياسية، تنبني على مقاربة دستورية، وتفرز طرحا سياسيا بعيدا عن النكت والأحاجي، للإجابة عن أسئلة المرحلة.
الثاني: محاولة الرجوع إلى أحضان القرآن، ومبادئ القرآن، وقيم القرآن، والابتعاد عن مبادئ الفيفا والريمونتادا وغيرهما.
والله ولي التوفيق.
عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019
صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…