يعقد حزب الأصالة المعاصرة مؤتمره الثالث أيام 22 و23 و24 يناير ببوزنيقة، وهو مؤتمر تراهن عليه قيادات الحزب لإعطائه دفعة قوية بعد النكسة التي مُنيَ بها خلال الانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة.

وعلى عكس المؤتمَرين السابقين الأول والثاني للحزب، عرفت أجواء هذا المؤتمر محاولة خلق نوع من النقاش والديناميكية التي بإمكانهما إخراج الحزب من موقع “حزب الدولة” الذي لا يجري فيه شيء دون تخطيط مسبق، إلى حزب يختلف أعضاؤه؛ يشكلون اصطفافات، يتنابزون، وقد يتبادلون حتى النقد الجارح (نموذج سامر ابو القاسم وعبد اللطيف وهبي).

هذا “الحراك” داخل الحزب واكبته متابعة إعلامية واسعة، واستقطب مقالات تحليلية وتنبوئية تستقرئ مآل نتائج المؤتمر الثالث وما قد يترتّب عنها من إعادة تموقع الحزب في الخريطة السياسية الوطنية.

لكن السؤال المطروح، هل يحوز هذا الحزب المقومات التي تجعل منه حزباً قوياً، لا يخاف من النقاش، ويتعايش مع الديموقراطية والتداول على المسؤولية؟ أم أن ما يُروّج له هو مجرّد تمرين لتصحيح صورة الحزب الذي ظلت تطارده “خطيئة الولادة” حتى بعد ثماني سنوات؟

هزيمة 4 شتنبر شوكة في حلق البام

رغم كل التصريحات التي أدلى ويدلي بها قادة الحزب، حول أنهم لم ينهزموا في انتخابات 4 شتنبر، وأن الحزب حافظ على عدد المقاعد والأصوات التي حصل عليها في الانتخابات الجماعية 2009، إلاّ أن الواقع كان شيئاً آخر، فالحزب “طُرد” من المدن الكبرى، ولم يظفر بأي مدينة عدا الحسيمة التي ينحدر منها أهم قيادات الحزب، بينما المدن الأخرى كانت من نصيب حزب العدالة والتنمية العدو رقم 1 للبام، الذي جاء من أجل الحدّ من تقدمه الجامح.

إن رهان الحزب حول انتخابات 4 شتنبر كان أكبر بكثير مما تحقّق، فترشيح جل أعضاء المكتب السياسي للانتخابات الجهوية لم يكن جزافا بل كان وراءه طموح الهيمنة على الجهات، بوصفها مجالا بكراً لم يكن للمغرب به عهد، قبل مشروع الجهوية المتقدمة. غير أن هذا الطموح لم يكتب له النجاح كاملاً، حتى وإن استطاع الحزب أن يضع يديه على أهم جهتين في المملكة. هذا النجاح الناقص جعل الحزب يفكر في البحث عن مداخل أخرى، تجعله يتحرّر من صورة حزب “صديق الملك”، ليتحول إلى حزب عادي، مثله كباقي الأحزاب.

أنسنة العفاريت والتماسيح

إن السؤال العويص الذي واجه قادة البام بعد نكسة 4 شتنبر هو: كيف نخلص الحزب من صورة حزب التحكم التي لازمته منذ النشأة؟ هذه الصورة التي ظلّت موضوعاً أثيراً في الحملة الانتخابية للحزب المنافس (البيجيدي)، واستغلها أحسن استغلال مكنته من استرداد المدن التي قال أنها سُرقت منه في انتخابات 2009، بل ومكّنه من بسط سيطرته على جل المدن الكبرى، رغم الفشل الذي واكب الحزب في التدبير الحكومي، غير أن صورة الخصم (البام) المخيفة منحته أرضية خصبة ليداري عجزه الحكومي ويحقق انتصارا فاجأ حتى أكثر المتفائلين في حزب رئيس الحكومة أنفسهم.

ما أفرزته نتائج 4 شتنبر جعلت الساهرين على توجيه سياسة حزب البام، يفكرون في إعادة صياغة صورة الحزب لدى الرأي العام، بعيدا عن “خطيئة الولادة” التي لم تمحها ثمان سنوات من العمل الحزبي، فاهتدى هؤلاء إلى ضرورة إنقاذ الحزب بإعطائه نفساً جديداً، نفساً يجعله يخرج من دائرة الاتهام، ليتحول إلى حزب كأيها الأحزاب، حزبٌ لا تقوده التماسيح والعفاريت، كما ظلّ بنكيران يردّد، بل حزب تقوده فعاليات سياسية وصلت الى مسؤولية تدبير الحزب عبر نقاش وجدال وصراع وتنافس ديموقراطي.

من حزب صديق الملك إلى حزب الجماهير

منذ نكسة 4 شتنبر شرع حزب الأصالة والمعاصرة في محاولة تغيير جلده، وتقديم نفسه بوصفه حزباً يتبنى مطالب الجماهير، وليس حزباً نخبوياً أسسه صديق الملك. وشرع في الإقدام على بعض “الشطحات” هنا وهناك، كما فعل نائب الأمين العام إلياس العماري غداة الاحتجاجات الشعبية على أمانديس بطنجة، وكما فعل أيضاً بعض قادة الحزب مع مطلب الغاء معاشات البرلمانين والوزراء.

من جهة أخرى، يحاول صناع التوجهات السياسية للبام أن يجعلوا من محطة المؤتمر الثالث للحزب، جسراً يمكّنه من عبور صفة حزب صديق الملك ومأوى التماسيح والعفاريت، إلى حزب ديموقراطي تنافسي لا يخطئ مواعده القانونية، لذلك تجنّب تأجيل المؤتمر إلى ما بعد الانتخابات التشريعية، كما فعلت جلّ الأحزاب.

إن إقدام البام على عقد مؤتمره في هذه الظروف يروم من وراء ذلك تقديم نفسه بوصفها حزباً لا يخاف الديموقراطية الداخلية، ولا يخاف على قاعدته الشعبية كما أنه لا يخاف الاستحقاقات الانتخابية المقبلة. كما أقدم الحزب على فتح النقاش حول ورقته المرجعية من خلال الحوارات الصحافية التي أُجريت مع قادته، أو المقالات والردود التي تبادلها بعض قيادييه، وكذا وَضع مشروع وثيقة “المرجعية الفكرية والسياسية للحزب” رهن إشارة المتتبعين وعموم المواطنين على الموقع الالكتروني للحزب، وفي كل هذا اشارات يتوخى من خلالها التدليل على أنه حزب كباقي الأحزاب، وليس كما يُروّج عليه خصومه، بله حزب ديموقراطي تنافسي لا يخاف من فتح نقاش عام حول مرجعيته الفكرية والسياسية.

إن كل هذه الاخبار المتواترة حول وجود تكتلات داخل الحزب وهي على مسافة كبيرة من بعضها البعض تجاه بعض القضايا، وحول وجود صراع على الامانة العامة هي مجرّد “خدع سياسية” تستهدف بثّ روح مطبّات العمل الحزبي المغربي في جسد الحزب، ليظهر بمظهر الحزب العادي الذي يتصارع قياديوه، فتم الحديث عن أسماء وازنة لها طموح الوصول الى رئاسة الأمانة العامة (العماري، المنصوري، اخشيشن، الباكوري..)، عكس المؤتمرين الأول والثاني الذين انتخب فيهما الامين العام بالتعيين، أكثر مما كان منصب الامين العام مثار تنافس قوي بين المرشحين لرئاسة الحزب.

القول ما قاله المخزن

إنْ نظرنا إلى الصراع حول منصب الأمين العام للحزب في سياق ما قلناه سابقاً، فإننا سنفهم أن أنه مجرّد صراع فلكلوري، يزيّن الواجهة ولا يعني شيئاً في حقيقة الأمر. هو صراع تم استدعاؤه ليكمل الصورة التي يريد الحزب ترويجها على نفسه. فالديموقراطية الحزبية في المغرب علّمتنا أن الأمانة العامة للأحزاب والمكتب السياسي يتم الحسم فيهما قبل الدخول إلى المؤتمر تجنباً لأية مفاجأة غير محمودة العواقب، هذا ما يحدث في جلّ الأحزاب، حتى تلك التي تبدو أنها اكثر استقلالية عن الدولة من الآخرين، فما بالك بحزب، شاء أم أبى، هو حزب أنشأته الدولة لتنفيذ أجندة مرحلية. وحتى تصويبات حسن بنعدي تجاه العماري، هي طلقات تمويهية فقط، فكلهم يعرفون دور إلياس في الحزب وقربه من الهمة، لقد سبق للباكوري أن قال في أول تصريح بعد أن انتخب امينا عاماً للحزب سنة 2012: “إن دور العماري لم يكن من أجل إنجاح المؤتمر فقط، وإنما تعدى ذلك إلى إنجاح مشروع حزب الأصالة والمعاصرة”، فهل يصوّب بنعدي على إلياس العماري أم على مشروع الأصالة والمعاصرة؟

إن منصب الامين العام للحزب تم الحسم فيه قبل الدخول إلى المؤتمر، فالمخزن لا يترك شيئاً منذوراً للمصادفات حتى وإن تعلق الامر بخدامه ومن يثق فيهم، وتقديم هذه الأسماء مجرّد تمويه ورغبة في تسخين أجواء المؤتمر لا غير، وغالبا سيُطرح اسم اخر خارج دائرة الرباعي الذي يتم الحديث عنه (العماري، اخشيشن، المنصوري، الباكوري..)، لأن هذا الرباعي جلّه يضرّ بصورة الحزب التي يريد تقديمها.

الياس العماري: منطقياً لا يمكن لإلياس أن يصبح أميناً عاماً للحزب، فالرجل لا يتقن أدوار الواجهة، كما أن مهامه المزدوجة (رئاسته جهة طنجة تطوان الحسيمة، وعين الهمة على الحقل الحزبي والسياسي) تجعل منه من الأجدى أن يظل وراء الامين العام للحزب لا أن يتقدمه هو، وثمة احتمال وحيد قد يرفع إلياس إلى قيادة الحزب، هو وجود رغبة لدى المخزن في التخلص منه ودفعه إلى طمي الممارسة السياسية المباشرة، دون الاحتماء بأدوار الظل.

احمد أخشيشن: إن وصول اخشيشن إلى منصب الامين العام يبقى واردا جداً لقربه من الهمة ولتجربته الوزارية وقدرته التفاوضية، لكن ثمة ما يعرقل ذلك، لأنه يترأس جهة مراكش أسفي، وهو ما يعني أنه اذا انتخب أمينا عاماً للحزب، قد يبدو معه الحزب زاهداً في رئاسة الحكومة المقبلة، لوجود حالة التنافي بين رئاسة الجهة ورئاسة الحكومة، رغم الغموض الذي يشوب الفصل 47 من الدستور الذي ينص على أن الملك يعيّن رئيس الحكومة من الحزب الفائز في الانتخابات، دون تحديد هذا التعين؛ هل يخص الأمين العام وحده أم قد يذهب اختيار الملك إلى شخص آخر من الحزب غير أمينه العام. ولذلك فتقديم رئيس جهة ليكون أميناً عاماً للحزب قد يعني أن الحزب استسلم مسبقاً لعدم فوزه بالرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية المقبلة، وهذا ينسحب أيضا على إلياس العماري والباكوري.

فاطمة الزهراء المنصوري: إن ما يقوي حظوظ فاطمة الزهراء المنصوري في الوصول الى رئاسة الحزب هي الصورة الحداثية التي تروّجها عن نفسها، لكن هذه الصورة غير مجدية انتخابيا، صحيح قد تكون مجدية في التسويق الإعلامي النخبوي لصورة الحزب، لكن شعبياً لن تعني شيئاً. في المقابل فإن ما يحول دون وصول المنصوري الى رئاسة الحزب هي الهزيمة التي تلقتها في انتخابات 4 شتنبر بمراكش، ويصعب جداً أن تقدم شخصاً فشل انتخابياً لتضعه على رأس الحزب، وهو أمر يشوّه الحزب ولن يساعد عن محو صورة “خطيئة الولادة”، لذلك فحظوظ فاطمة المنصوري منعدمة في الوصول إلى رئاسة البام.

مصطفى الباكوري: يبقى الباكوري خياراً جيداً للاستمرار في رئاسة الحزب لولاية ثانية، وهو أمر وارد جداً، لكن الباكوري أيضاً تعوزه الدربة السياسية القادرة على الوقوف في وجه الخصوم، كما أن تعينه مؤخراً من طرف الملك على رأس “مازين”، وكذا رئاسته لجهة الدار البيضاء، كلها مؤشرات تضعف حظوظه في البقاء على رأس الحزب. غير أنه قد تكون حظوظه وافرة جداً، إذا كان المخزن يهيئ لحكومة تجمع البام والبيجيدي في حكومة واحدة بعد انتخابات 2016، آنذاك سيكون الباكوري هو المؤهل لقيادة هذه التجربة نظراً لصورته الوديعة التي تجعل حتى بنكيران يثني عليه ويصفه بـ”ولد الناس” وينصحه فقط بأن يبتعد عن التماسيح والعفاريت.

من خلال هذا المعطيات، تبدو كفة أخشيشن راجحة إذا ما كان الزمن السياسي المخزني يقتضي استمرار البام في المعارضة، وقيادة الحكومة المقبلة من طرف البيجيدي، لكن في المقابل تبدو كفة الباكوري راجحة إذا ما كانت إرادة المخزن هي تسيير الحكومة المقبلة ما بعد انتخابات 2016 من طرف البيجيدي والبام معاً، بينما تبدو حظوظ فاطمة الزهراء المنصوري جد منعدمة، مع وجود احتمال وحيد قد يجعل إلياس العماري أميناً عاماً للحزب، هو أن تكون رغبة المخزن هي إخراج الرجل من الظل إلى الواجهة. بغير هذا فقد يصرّ إلياس العماري على تقديم ترشيحه، ولما لا انهزامه أمام منافس له، حتى يُظهر نفسه أنه كباقي الفاعلين الحزبين، ينجح ويفشل، يشرب ويأكل ويمشي في الأسواق ولا تسنده أية خوارق تجعل منه تمساحاً او عفريتاً كما يحلو لبنكيران أن يردّد دون كلل.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التعليقات على الأصالة والمعاصرة.. هل يتحول من حزب صديق الملك إلى حزب الجماهير؟ مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

أخنوش من قمة الرياض: المغرب يتوفر على تصور متكامل ومبتكر لتدبير ندرة المياه يرتكز على 5 محاور رئيسية منها الطرق السيارة للماء ومحطات التحلية