شريف السليماني
في مقالتي الأخيرة التي كانت تحت عنوان: “لماذا التّشكيك في نزاهة انتخابات 7 أكتوبر؟”، حاولت أن أقف على الدوافع الجلية والخفية وراء حملة التشكيك في نزاهة الانتخابات القادمة، كما حاولت في نفس المقالة أن أوضح موقفي الرافض لفكرة مقاطعة الانتخابات أوالدعوة إلى ذلك. في هذه المقالة سأقف مع القارئ الكريم حول بعض الأسباب التي تجعلني أصطفّ إلى جانب الداعين إلى المشاركة بكثافة في الانتخابات وأرفض تماما الدعوة إلى مقاطعتها.
قبل ذلك أريد أن نلقي نظرة على طيف هؤلاء الذين لا يشاركون في الانتخابات لنعلم هل هم صنف واحد أم أصناف متعددة. فبالنظر السريع إلى الدوافع وراء عدم المشاركة والأهداف المتوخاة وراء ذلك، يمكن تقسيم الذين لا يصوّتون خلال الانتخابات إلى ثلاثة أصناف على الاقل:
الصنف الأول لا يشارك في الانتخابات ليس لموقف سياسي ولا لغاية معينة وإنما يفعل ذلك بدافع اللامبالاة. وهذا الصنف يمثلون الأكثرية من بين عدم المشاركين. نعرف منهم العشرات وربما المئات من أقاربنا ومعارفنا. هؤلاء في الحقيقة لا يجوز أن نصفهم بالمقاطعين للانتخابات. لأنهم لا موقف لهم من النظام ولا من السياسة. قد يتعاطفون مع هذا الحزب أو ذاك، لكن لكسلهم ولامبالاتهم وربما لقلة وعيهم أو لظروف خاصة بهم لا يصوتون. وقد لا يصوتون هذه المرة لكنهم ربما صوتوا في ما مضى وقد يصوتون في المستقبل.
الصنف الثاني لا يشارك في الانتخابات لثقته في الملك ولاطمئنانه إلى أن الملك باعتباره الحاكم الفعلي للبلاد سيقف بالمرصاد لكل من سيحاول العبث بالدولة. وبالتالي يرى هؤلاء أن تصويتهم وعدمه سيان مادام المغرب في يد الملك الآمنة. ومادام الملك يراقب ويحرس فلا حاجة لأصواتهم. عدم مشاركة هؤلاء قد يفسّرعلى أنه دليل راحة واطمئنان وليس العكس! وهؤلاء أيضا من العبث وصفهم بالمقاطعين للانتخابات بالمفهوم الذي يروج له البعض.
الصنف الثالث وهو المقصود بهذه المقالة، من يقاطعون الانتخابات مع سبق الإصرار والترصد تعبيرا عن معارضتهم للعمية الانتخابية بشكلها الحالي (كما يقولون) ولهم دوافع وأهداف يريدون تحقيقها من وراء هذه المقاطعة. هذا الصنف الثالث لا يكتفي بالمقاطعة وإنما يدعو إليها. وهم في الحقيقة لا يمثلون إلا أقلية من بين مجموع الذين لا يشاركون في العملية الانتخابية.
ومع إيماني بحرية الرأي وبالحق في الاختلاف إلا أنني لا أرتاح لدعاة المقاطعة هؤلاء( الصنف الثالث) ولا لموقفهم. وذلك للأسباب التالية:
أولا:إن الممتنعين عن التصويت كما ذكرت أصناف تختلف مطالب ودوافع كل صنف عن الآخر. وبالتالي، فمن العيب بل ومن الزور أن يتحدّث أصحاب الصنف الثالث الذين لا يمثّلون إلا أقلية باسم كل الممتنعين عن التصويت ليستكثروا بهم من قلة ويظهروا وكأن كل الذين لا يصوّتون يتبنون نفس مواقفهم. نعم كما قلت: هناك كثيرون لا يشاركون في الانتخابابت ولكنهم أيضا مختلفون تمام الاختلاف مع هؤلاء المقاطعين الداعين إلى ذلك. فمن خوّل هذه الاقلية الحديث باسم الجميع؟
ثانيا: لا ننسى أن هؤلاء أنفسهم أو في أغلبهم هم من دعوا إلى مقاطعة الاستفتاء على الدستور! وهم كذلك من شكّكوا في نزاهة ذلك الاستفتاء معتبرين الدستور الذي وافق عليه المغاربة بنسبة عالية جدا دستورا ممنوحا، وبالتالي، فلا قيمة لذلك الدستور عندهم ولا قيمة لبنوده ولا قيمة للالتزام بها. هذه هي الحقيقة والصراحة. هؤلاء من إسلاميين ويساريين على حد سواء يرون أن دستور المملكة باطل وأن نظام الملكية بشكله الحلي نظام يجب أن يزول ليحل محله نظام خلافة على منهاج النبوة حسب رؤية الإسلاميين منهم، أو نظام ملكية يسود فيه الملك ولا يحكم حسب رؤية اليساريين. وأنا هنا لا أحاكم هذه القناعات ولا أصادرها. وإنما أتساءل عن مدى صدق هؤلاء وصراحتهمفي مواجهة المغاربة. إذا كنتم تريدون المقاطعة فقاطعوا وادعوا إلى ذلك، لكن لا بد أن تذكروا الأسباب الحقيقة وراء هذه المقاطعة. قولوها بصراحة: نحن نقاطع لأننا لا نؤمن بشرعية النظام ولا نؤمن بشرعية الدستورز وهدفنا نظام مغاير ودستور جديد! هذه هي الحقيقة التي يجب أن تقال للمغاربة. أما الاحتجاج بأمور أخرى فما هو إلا التفاف على الحقيقة يصيبني شخصيا بالصداع والغثيان لأنني لا أطيق الاستماع إلى شخص وأنا أعلم أنه يضمر غير ما يظهر. لا أقول هذا رجما بالغيب ولا سوءا للظن ولكن هذا ما تنطق به أدبيات القوم ومراجعهم.
ثالثا:هؤلاء الداعون إلى مقاطعة الانتخابات من إسلاميين ويساريين هم أنفسهم من شكل نواة 20 فبراير!!!وذلك يعني أن هؤلاء يفضّلون التغيير الثوري الجذري الذي حفظ الله المغرب من تبعاته. ولولا لطف الله لكان المغرب الآن في أسفل سافلين مثل غيره من الدول العربية والإسلامية التي شهدت محاولات تغيير على طريقة 20 فبراير. والغريب أنهم لم يأخذوا الدرس من كل ما جرى. بل لازالوا يصفون الحركة التي شاركوا فيها بالمباركة ويبشرون المغاربة بحراك قادم لا محالة! كيف أطمئن إلى هذا النوع من التفكير إذا؟
رابعا: إن الذي ينظر في حال المنتمين إلى هذه الفئة على اختلافهم في الإيديولوجيات والتوجهات يرى أنهم يشتركون جميعا في شيء واحد. ألا وهو الفشل الذريع في التعامل والتعاون مع المخالف! وقد ظهر ذلك جليا أيضا في حركة 20 فبراير، حيث لم تستطع الأطياف المكونة للحركة الصبرعلى بعضهم ولو وقتا قليلا فانفضّوا وتركوا الحركة يتيمة، مع أنهم جميعا كانوا في أمس الحاجة إلى بعضهم. مما يدل على أن أصحاب هذه الرؤية وهذه المنهجية في التغيير لا يمكن أن يتفاهموا أو يتعاونوا مع غيرهم في مجال السياسة والإصلاح. فإما أن تكون الأمور على مقاسهم وحسب رؤيتهم تماما، وإما الطلاق وبغير إحسان! وهنا أتساءل : من لم يستطع التعامل مع المخالف وهو في حالة الضعف، كيف سيفعل إذا أصبح في حال القوة؟ ماذا لو قدّر لهؤلاء الذين يفكرون بهذا الأسلوب أن يقودوا حكومة المغرب مثلا؟ كيف سيواجهون مختلف التحديات وأهمها تحدي ضرورة التعامل والعمل المشترك مع المخالف؟ لا شك أن مصير البلد سيكون آنذاك كمصير الحركة لا قدر الله!
في الأخير أقول: إنني على علم بأن المشاركة في الانتخابات لا تحقق كل المطلوب. ولكن وكما يقال: ما لا يدرك كله لا يترك بعضه. ثم لنتساءل: ماذا سيحدث بالبلاد والعباد لو أن كل الصالحين تركوا الساحة خالية للمفسدين؟ لا بد أن الأمور ستكون حينها أكثر سوءا مما هي عليه الآن. لذلك لا بد من المشاركة بل والمشاركة المكثفة لجلب ما يستطاع جلبه من المصالح للبلاد والعباد ولدرء ما يستطاع درءه من الفساد. يقول الله تعالى:(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ ۗ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) التغابن:16
بنشعبون من “باريس انفرا ويك”: البنية التحتية المستدامة مجال متميز للتعاون بين المغرب وفرنسا
أكد المدير العام لصندوق محمد السادس للاستثمار، محمد بنشعبون، اليوم الاثنين بباريس، أن مجال…