محمد كرم (محام بهيئة الدار البيضاء)
أنا واحد من العالقين بالأندلس منذ القرار المفاجئ المتخذ من طرف السلطات المعنية بإغلاق الحدود البرية والبحرية والجوية في منتصف شهر مارس 2020 لأجل غير مسمى بسبب فيروس (كورونا)، وكنت أتأهب وأسرتي الصغيرة للسفر صبيحة اليوم الموالي.
ومنذ أول خرجة لوزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، في لقائه بممثلي الأمة في منتصف أبريل 2020، سمعت ككل المغاربة، في الداخل والخارج، أن حق التنقل هو حق دستوري لا يقبل المزايدة من أحد، وأن التحاق العالقين في مختلف أقطار العالم الذين لم يكن يزيد عددهم عن 30.000 سيتم في “القريب العاجل”، والذي تحول في الواقع إلى مسلسل “هيتشكوكي” ممل كذب جميع وعود الوزير العتيد، وعاش العالقون المغاربة الذين كان غالبيتهم يوجدون في أوضاع إنسانية وإجتماعية ومالية متردية، على الأمل الضعيف في كل صباح يدركونه، مثلهم في ذلك مثل من كان موقوفا بدون أمر بالمتابعة، لا يدري متى سيمثل أمام المحكمة، أو متى سيفرج عنه بكفالة أو بدونها، بالرغم من الجهود الجبارة والمحمودة التي بذلتها سفاراتنا وقنصلياتنا، ماديا ومعنويا، لحل الإشكالات المستعصية لهؤلاء العالقين.
وقبل حلول عيد الفطر، سمعنا الدعوات الصالحة لسعد الدين العثماني رئيس الحكومة بالفرج القريب، وتطمينات الخارجية والداخلية والصحة بأن الفرج على الأبواب، وأن 20 ماي سيكون تاريخا حاسما لاتخاذ القرار المناسب الذي سيضع نهاية سعيدة لمعاناتنا.
لكن “عرقوب” اللعين كان يترصدنا، ويلقي على أسماعنا أن القريب بات قصيا، وأن العاجل تحول إلى سراب في صحراء رمضاء.
وفي إحدى الليالي، وأمام نفس المؤسسة الدستورية، وعدنا وزير الصحة بمخطط يستوعب تنظيم رحلات برية وجوية بمعدل 300 عالق في الأسبوع، وبعد أن اكتشف أن ترحيل العالقين بهذا المعدل لن ينتهي قبل سنتين، علق أن المغرضين حرفوا كلامه وأن الترحيل سيتم بسرعة أكبر، واستبشرنا بالتحاق العالقين بإقامات الحجر الصحي بشمال وشرق المغرب. وكنا ننتظر أن تفي الحكومة بالعهد الذي قطعته على نفسها، على لسان وزير الخارجية والجالية المغربية، بأن العالقين بإسبانيا أصحاب السيارات هم الأولى بالترحيل قبل بقية الخلق. وعوض ذلك، عاملتنا الحكومة معاملة “سيزيف” وخيرتنا بين أمرين أحلاهما مر.
الإختيار الأول أن نتخلى عن سياراتنا في أي مكان، ونلتحق بأرض الوطن جوا على أن نتحمل مصاريف السفر والتحاليل الطبية لمن يستطيع إلى ذلك سبيلا، دون أن نملك أي ضمانة على إمكانية استرجاع سياراتنا في الأفق القريب، وهل سيسمح لنا بالخروج من أرض الوطن وخاصة أمام صعوبات الحصول على تأشيرات جديدة؟
والإختيار الثاني أن ننتقل إما إلى ميناء (SÈTE) بجنوب فرنسا أو إلى ميناء (GENOVA) بجنوب إيطاليا، مع العلم أن العالق مثلي عليه أن يقطع مسافة 2000 كلم عبر الطرق السيارة المؤدى عنها، وأن يحجز تذكرة السفر بثمن لا يقل عن 1000 أورو للفرد الواحد، فضلا عن مصاريف التحاليل الطبية ليعود بالباخرة إلى نقطة الصفر التي انطلق منها تقريبا.
أليس هذا هو العبث بعينه؟؟
ما الذي يمنع الحكومة المغربية التي ألغت عملية “مرحبا” لهذه السنة، وهي قد تكون معذورة لعدة اعتبارات نتفهمها جميعا، أن تخصص في إطار نفس التعامل الإستثنائي لفتح الحدود البحرية لمدة معينة في الزمن بمعدل أربع بواخر على أكثر تقدير لترحيل جميع العالقين المغاربة بسياراتهم بالجزيرة الإيبيرية من أحد الموانئ الأندلسية (طريفة، الخزيرات، ملقا) إلى ميناء “طنجة/المتوسط” أو ميناء “طنجة/المدينة”، مع الإنضباط الصارم للشروط الصحية المعلن عنها، مع العلم أن هذه الموانئ تستقبل يوميا البواخر المنطلقة من “طنجة/المتوسط” المحملة بالركاب أو الشاحنات وترجع شبه فارغة!!! على أن يتم الإحتفاظ بموانئ الإنطلاق من فرنسا وإيطاليا بالنسبة للجالية المغربية المقيمة بمحيطهما للفترة التي تنطلق ابتداء من منتصف ليلة 14 يوليوز 2020.
أعتقد أن لا شيء يمنع من ذلك، بل هو عين العقل، فقنصلياتنا العامة بإسبانيا تتوفر منذ شهور على الإحصائيات الدقيقة للعالقين (وثائقهم الثبوتية، البطاقات الرمادية، عناوين الإقامة بالمغرب…)، وهنا يمكن الفصل بسهولة بين السيارات التي تحمل لوحات تسجيل أجنبية، وتلك التي تحمل لوحات تسجيل وطنية، ولن يسمح إلا لهذه الأخيرة بالصعود للبواخر المنطلقة من الموانئ الإسبانية نحو المغرب.
فهل من متفهم؟
إستيبونا (إسبانيا)، في 11 يوليوز 2020
معهد “بروميثيوس” يدعو مندوبية التخطيط إلى تحديث البيانات المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة على على منصتها
دعا معهد بروميثيوس للديمقراطية وحقوق الإنسان المندوبية السامية للتخطيط إلى تحديث البيانات …