طفى نقاش حاد على الساحة الحقوقية في الآونة الأخيرة حول محاكمة القيادي في حزب العدالة والتنمية عبد العالي حامي الدين، بعد إحالته على المحاكمة بقرار من قاضي التحقيق بمحكمة الإستئناف في فاس، بتهمة “المساهمة في القتل العمد” على خلفية مقتل الطالب اليساري محمد أيت الجيد بنعيسى.

ومن تداعيات هذا الجدل الحقوقي والقانوني، مايعيشه الإئتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان، الذي يضم عشرين جمعية ومنظمة حقوقية، خصوصا بعد رفض عشرة منها مقترح بيان متضامن مع حامي الدين باقتراح من النقيبان عبد الرحمان بنعمرو وعبد الرحيم الجامعي اللذين اعتبرا أن المحاكمة “غير قانونية”، حيث تم رفض البيان من طرف مجموعة من مكونات الإئتلاف، وبالتالي تعذر إصداره، هذا الأمر جعل العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان تعلن عن تجميد عضويتها داخل الإئتلاف ليصبح هذا الأخير معرضا “للإنهيار”.

“الأول” حاور الحقوقي عبد الرزاق بوغنبور، رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، محاولا تسليط الضوء على تفاصيل الجدل الحاصل داخل الإئتلاف الذي يعتبر أكبر تجمع للتنظيمات المدافعة عن حقوق الإنسان بالمغرب. وهذه تفاصيل الحوار:

 

– لماذا قمتم بتجميد عضويتكم داخل الإئتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان؟

* السبب الرئيسي لتجميد عضويتنا في الائتلاف يعود بالأساس : أولا احتجاجا على عملية التسريبات التي قام بها بعض الجبناء والمندسين الذين بدل أن يقدموا ما لديهم من تصورات وحلول لما يقترح من مواقف داخل الائتلاف، ابتلوا بطريقة “كوبي كولي” لبعض وسائل الإعلام المختصة في التشهير وخدمة أجندات ؟، ثانيا لان قواعد العمل المتفق عليها داخل الائتلاف لم تحترم، هناك أرضية تنظيمية يجب احترامها من طرف جميع المكونات بدون استثناء، لقد لوحظ بمجرد إبدائنا للرأي تتحرك جهة ما “خسيسة وجبانة” داخل الائتلاف لتسرب المعطيات، كانت البداية تسريب مشروع البيان المتعلق بملف مقتل أيت الجيد، في المرحلة الأولى اعتقدنا أن الأمر “شبه عاد” مادام عدد الإيميلات يتجاوز السبعين، لكن لاحظنا أن مقترحاتنا هي التي تعرضت للتسريب وطالبنا حينها بفتح تحقيق داخلي لمعرفة هذه الجهة.

كما سجلنا عدم احترام ما يصدر عن اجتماعاتنا من مواقف، حيث أن ملف مقتل الشهيد أيت الجيد طرح داخل اجتماع رسمي للكتابة التنفيذية انعقد بالمقر المركزي للجمعية يوم الأربعاء 12 دجنبر 2018 وتم الاتفاق فيه بإجماع كل الحاضرين على تشكيل لجنة من خبراء قانونيين في مقدمتهم النقيبين، عبد الرحمن بن عمرو وعبد الرحيم الجامعي، رفقة أساتذة ومحامين أكفاء على أساس أن يقدموا تقريرهم في الاجتماع المقبل، وذلك ما حدث في الاجتماع الموالي للكتابة التنفيذية يوم الأربعاء 26 دجنبر 2018 حيث قدم النقيبان باسم اللجنة خلاصة عملهما والتوصيات المقترحة في الملف، وكان نقاشا قانونيا مهما بين كل المكونات الحاضرة وأجاب الاستاذان النقيبان على معظم الأسئلة المطروحة في الملف بحيادية مطلقة مما شجع كل الحاضرين على اتخاذ موقف ومبادرة الإعلان على بيان في الموضوع على أن يتكلف بإعداد مشروعه الأخ بنعبدالسلام منسق الائتلاف، بالاعتماد على التقرير المقدم وبالتنسيق معهما وهذا ما حدث فعلا إذ بعد أسبوع عمم السيد المنسق مشروع البيان الذي أعده باسم الائتلاف ومن منطلق المسؤولية قدمنا كمنظمة حقوقية وجهة نظرنا فيه بإضافة نقط في مشروع البيان وكنت أتمنى من بعض الأصدقاء الذين ينتقدون عن بعد ويطرحون الأسئلة ويتحركون خارج الائتلاف، أن يفعلوا ذلك من الداخل خدمة لهذا الإطار الحقوقي الوحدوي ولو بوجهة نظر مختلفة ( مما يستدعي تعميق النقاش من جديد ويخدم مقاربتنا الحقوقية الجماعية لهذا الملف)، مرة أخرى يتم التسريب بدل التفاعل وبصيغ افترائية تتجه في (إطار ان منظمتنا هي التي أعد مشروع البيان وتحاول فرضه) والجميع يدرك عدم صحة ذلك، وبالتالي أتساءل من له المصلحة في التسريب ؟ ولصالح من ؟ وخاطبنا جميع مكونات الائتلاف داخليا مطالبين إياهم بالتعقل والاستمرار في معالجة قضايانا الداخلية ـ إذا كنا فعلا نرغب في الحفاظ على هذا الإطار الوحدوي، لكن تبين أن بعض ذوي النيات السيئة كانت لها وجهات نظر أخرى “غير معلنة” وبالتالي كنا مضطرين للنقاش وطرح التساؤلات التالية بصوت مرتفع وبصدق بعيدا عن النفاق، ما الجدوى من عقد الاجتماعات المتتالية والمنتظمة للكتابة التنفيذية للائتلاف إذا كانت النتائج المتمخضة عنها لا تحترم ؟ ما دور الأرضية التنظيمية لعمل الائتلاف المصادق عليها سنة 2013 إذا لم تفعل ؟، في حالات كثيرة نتخذ مواقف مرتبطة بقضايا حقوقية ( وقفات احتجاجية / ندوات فكرية / مذكرات ترافعية ……الخ ) مع الأسف لا تساهم فيها إلا فئة قليلة وقليلة جدا من مكونات الائتلاف، في حين مكونات أخرى غائبة بشكل مطلق عن كل القضايا التي يتم تداولها في الكتابة التنفيذية، ولا نجد لها حضورا إلا في بعض الملفات المنتقاة. ويعرف الجميع أننا في العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان لم يسبق لنا أن اعترضنا على أية قضية مهما كانت درجة حساسيتها ولو كانت معروضة على القضاء، وهي كثيرة جدا ولعل أشهرها الرسالة الشهيرة التي وجهناها لرئيس الحكومة آنذاك للمطالبة بفتح تحقيق في من وردت أسماؤهم في وثائق بنما، وكنت آنذاك منسقا للائتلاف حيث حملت الرسالة بيدي ووضعتها في مكتب الضبط لدى رئاسة الحكومة وكانت المفاجأة عندما وجدت تصريحا لأحد رؤساء الجمعيات الحقوقية في الصفحة الأولى للاتحاد الاشتراكي يؤكد فيه أن الرسالة وراءها بوغنبور بتنسيق مع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وأنه لا يمكن ” للائتلاف أن يحاسب المقدس ووو…” ومع ذلك تجاوزت الأمر لأني مقتنع من أن المسؤولية تتطلب منك تقبل الضربات تحت الحزام رغم عدم قانونيتها.

 

– هل انسحبتم بعد رفض مكونات الإئتلاف البيان المتضامن مع عبد العالي حامي الدين الذي قمتم بصياغته واقتراحه؟

* للتوضيح مشروع البيان صاغه مشكورا السيد المنسق بناء على التقرير المقدم من السيدين النقيبين ونحن ساهمنا في بعض مقترحاته بعد وضعه رهن إشارة الجميع ( نقطتان فقط ) وبدل إغنائه ” وفق طرق الاشتغال ” لوحظ دخول جمعيات على الخط لم نراها منذ سنوات وبتنسيق غريب من منطلق الرفض لكل الخطوات السابقة المتخذة داخل اجتماعات الكتابة التنفيذية للائتلاف، صدقوني إذا قلت لكم أن جمعيات انبعثت من تحت الرماد لم نراها ولم نسمع عنها منذ تأسيس الائتلاف إلى الآن (سبع سنوات من الغياب التام عن أشغال الائتلاف) وبالتالي اعتبرنا أن مثل هذه السلوكات لا تخدم القضايا الحقوقية المشتركة ولا تشجع مستقبلا على العمل المشترك.

– ألا يعتبر أي موقف حاليا هو مس باستقلالية القضاء الذي ينظر في ملف مقتل ايت الجيد ويحاكم فيه حامي الدين؟

* مناقشة هذا الملف نعتبره حقوقيا بامتياز لان القضاء وظف فيه بشكل واضح من أجل تصفية حسابات سياسية معروفة لدى الجميع، لكن لدى البعض ينطلق فيه من صراع قديم / جديد بين الإسلاميين وبعض اليساريين والذين فضلوا رغم درايتهم بالأمر التواجد في خندق واحد مع الجهة المعلومة من أجل الانتقام بدعوى ضرورة احترام وعدم التدخل في القضاء ( سبحان الله في هذا الملف وحده ) وهذه مفارقة غريبة كيف لا يمكن للمنظمات الحقوقية ألا تكون لديها وجهة نظر- مهما اختلفت – في القضايا المعروضة على المحاكم وبمنطق هؤلاء ستتحول الجمعيات الحقوقية إلى مراكز للدراسات والأبحاث بدل النضال الجماهيري إلى جانب ضحايا القمع والتهميش المطالبين بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.

هل تجميدكم للعضوية في الإئتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان يعتبر ضغطا على مكوناته لتبني موقف لصالح حامي الدين؟

قرار تجميد عضويتنا في الائتلاف هو قرار سيادي عندما تنتفي شروط العمل ونجد أنفسنا في وضعية – لا علاقة لها بالعمل الحقوقي الجاد والمسؤول – يتطلب منا اتخاذ موقف داخلي من اجل التصحيح وقرارنا الأولي هو التجميد في انتظار تقييم الوضعية من قبل المكتب المركزي لمنظمتنا قبل اتخاذ القرار المناسب والنهائي ولا علاقة له بالمشاورات المرتبطة بمشروع البيان المقترح لأننا كمنظمة حقوقية كان موقفنا من هذه القضية واضحا ومسؤولا وفي قضايا حقوقية أخرى كذلك، علما أنه لحد الآن لم نسمع فيها رأي البعض وتم التزام الصمت فيها من منطلق ” كم أشياء قضيناها بتركها ” نحن في العصبة ليست لنا حدود أو مناطق حمراء، في عملنا نؤمن بالمرجعية الحقوقية الكونية ونحترم الأرضية التنظيمية التي تحدد قواعد العمل بيننا ما عدا ذلك نعتبر وجودنا في الائتلاف لم يعد له مبرر وهي مناسبة لأذكر بعض المهرولين والمطبعين مع المخزن أننا خلال سنة 2013 عندما استدعى وزير الداخلية آنذاك محمد حصاد بعض مكونات الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان بشكل سري في أحد المنازل بحي الرياض بالرباط هرول الجميع إلا العصبة حيث تساءل الأخ محمد زهاري الرئيس السابق للعصبة مع الجهة الداعية له : هل وجهت الدعوة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان ؟ فقيل له لا ، فرفض الحضور لان الاجتماع كان موضوعه ” الجمعية ” وكان ما تسرب لوسائل الإعلام آنذاك من حديث سيء للوزير المذكور عن AMDH بحضور الجمعيات المعلومة دون أن ينتفض أحد من رؤسائها، العصبة واضحة في مواقفها ومناضلوها لا يبتغون شيئا ما وأذكر لمن ذاكرتهم ضعيفة أن منظمتنا لم ” يتخرج” منها الوزراء والسفراء ومسؤولوا المؤسسات الدستورية. رغم أننا في لحظات كثيرة كانت مساومتنا بالجزرة والعصا .

ماهو مستقبل الإئتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان بعد هذه الواقعة؟

أولا يجب التأكيد على أن الجمعيات الحقوقية الجادة والمسؤولة داخل الائتلاف تربطنا بها علاقات جيدة منذ مدة وعلى رأسها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ثانيا مستقبل الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان بعد هذه الأحداث يجب أن ينطلق من قراءة المرحلة السابقة ووضع تصور جديد للمرحلة الموالية اعتمادا على :

• إعادة النظر في الجمعيات المكونة له، فلا يعقل أن تتواجد فيه هيئات لا تعقد جموعها العامة واجتماعاتها العادية ولا أنشطة أو مواقف لها، جمعيات على الورق فقط، فرع إقليمي لنا بزاكورة أقوى منها بكثير.

• إعادة النظر في الأرضية التنظيمية للائتلاف مع ضرورة احترامها واعتبارها المرجع الأساس في قواعد العمل بين كافة المكونات.

• الاتفاق على القضايا والملفات التي يمكن أن تعرض على الائتلاف، مع أولوية الاهتمام بملفات المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان .

التعليقات على حوار.. بوغنبور يكشف تفاصيل “الخلاف” وسط الإئتلاف الحقوقي بسبب حامي الدين مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

ملف “إيسكوبار الصحراء”.. النيابة العامة تردّ على طلبات الدفاع بخصوص استدعاء أحمد أحمد ومسؤولين في البرلمان

في أول ردّ لها على طلبات دفاع المتهمين في ملف مابات يعرف بأسكوبار الصحراء، المعتقل على خلف…