سليمان الريسوني
حصل موقع “الأول” على وثيقة (شهادة) مهمة بخط يد المقاوم والزعيم اليساري محمد بنسعيد آيت يدر، يؤكد فيها أن الحسن الثاني تدخل شخصيا لمنع نشر كتاب المؤرخ المعطي منجب “الملكية المغربية والصراع على السلطة”على صفحات جريدة “أنوال” لسان حال منظمة العمل الديمقراطي الشعبي التي كان بنسعيد أمينا عاما لها.
في هذه الشهادة يقول بنسعيد، بعدما نشرت “أنوال” خمس حلقات من كتاب المؤرخ منجب، خلال شهر رمضان سنة 1996: “كلمني وزير الداخلية ادريس البصري متسائلا بشكل فج: ما هذا الشيء الذي تنشره جريدتكم أنوال، إنه يمس جلالة الملك، وقد أجبته بهدوء: بأن ما يُنشر في الجريدة يتعلق بتاريخ قديم ومتداول بشكل واسع في الجامعات-وقال الوزير بأن الجامعات فضاء محدود بينما الجريدة يقرؤها ويطلع عليها رأي عام بشكل واسع، ولهذا أطلب منك أن تأمر هيئة التحرير بإيقاف نشر الكتاب، وكان ردي له بأنني لن أتحمل مسؤولية هذا الأمر”.
ويضيف بنسعيد، في نفس الشهادة، أنه “بعد أسبوع تقريبا ويتضح فيه بأن أجهزة الوزارة راجعت الكتاب كله وأعطوه خلاصة محتواه وإذ ذاك استدعاني (البصري) إلى منزله حيث طرح علي الموضوع باسم الملك الحسن الثاني وقال بأنه طلب منك أن لا تثير الجروح القديمة، ولكنني حافظت على موقفي بعدم التدخل، وقد أصدرت الوزارة الأمر بمنع نشره، وهذا الذي حصل في هذا الموضوع”.
المثير في هذه الشهادة هو حديث بنسعيد عن أن أعضاء في هيئة تحرير الجريدة، أبدوا تحفظهم عن نشر الكتاب في حلقات؛ يقول بنسعيد: “ارتأيت العمل على نشر الكتاب بالجريدة بعد موافقة المؤلف، وقد أخبرني الرفيق مصطفى بوعزيز باتصالات له مع كل من مؤلف الكتاب المعطي منجب والمرحوم محمد البارودي حول ترجمته وفي نفس المدة كلمني البارودي هاتفيا معبرا عن استعداده لترجمة الكتاب كاملا، ولديه موافقة مؤلفه على النشر بالعربية- وفي حلقات متتابعة. إذ ذاك قررنا نشر الحلقات بالتوالي رغم تحفظات من بعض المحررين”.
في شهادته هاته، الموقعة في الدار البيضاء بتاريخ: 3-3-2008، يبدأ محمد بنسعيد آيت يدر بسرد تفاصيل حصوله على الكتاب، كما يثني على مؤلِفه الذي اقترب من موضوع وصفه بـ”الفضاء الممنوع والذي يحتاج إلى إرادة قوية”، يقول بنسعيد: “الأخ العزيز الأستاذ المعطي منجب تقديراتي وتحياتي الخالصة. أكتب هذه الشهادة بكل اطمئنان عن أسباب منع جريدة أنوال من الاستمرار في نشر الترجمة الكاملة لكتابكم “الملكية المغربية والصراع على السلطة” طبعا لقد كانت الصدفة هي التي أدت بي إلى شراء الكتاب بدار صغيرة للكتاب قريبة من شارع سان جيرمان (…) أثناء زيارتي لباريز، وقد أفادني الكتاب في تقييمه لأحداث عشت جزءا كبيرا منها من سنوات 55- 1965، لم تكن معروفة لدى شرائح مهمة من جيل الاستقلال، وعديد من المؤرخين لم يتجرؤوا على اختراق هذا الفضاء الممنوع والذي يحتاج إلى إرادة قوية”.
قيمة هذه الشهادة لا تنحصر فقط في تمكيننا من فهم آليات المراقبة والمنع لدى الحسن الثاني ووزير داخليته ادريس البصري، بل تسعفنا أيضا لفهم الصراع السياسي الدائر حينئذ داخل “منظمة العمل الديمقراطي الشعبي” ولسان حالها جريدة “أنوال”، بين مجموعتين؛ واحدة يمثلها محمد بنسعيد آيت يدر، والثانية يمثلها عبد الله ساعف والحبيب الطالب وعبد الصمد بلكبير وطالع سعود الأطلسي… وهي التي انتهى بها الأمر، في سنة 1996 (نفس السنة التي منع فيها كتاب منجب) إلى تأسيس “الحزب الاشتراكي الديمقراطي” الذي وُصف، قدحا، بـ”حزب السي ادريس”، وما نقله الصحفي بوبكر الجامعي عن أن ادريس البصري أخبره بأنه هو من موّل الحملة الانتخابية للأمين العام للحزب،عيسى الودغيري، في الخميسات وأعطى أوامرى بإنجاحه بتزوير الانتخابات لصالحه.
في شهادة بنسعيد هاته يتضح أن الصراع، أو جزء منه، داخل منظمة العمل وإعلامها، كان حول استقلالية القرار الحزبي، ولا علاقة له بالتقديرات السياسية، أو المراجعات الايديولوجية؛ إذ نجد أن ما وصفه بنسعيد بـ”تحفظات من بعض المحررين” ستكون هي نفسها تحفظات ادريس البصري والحسن الثاني من كتاب المعطي منجب.
أما إذا أضفنا إلى هذا كون أن الحلقات الخمس التي نشرتها “أنوال” من كتاب “الملكية المغربية والصراع على السلطة” لم يكن يشار فيها إلى اسم الكاتب، فسنفهم أن الأمر لم يكن يتعلق بالتحفظ على الأفكار بل على الأشخاص، إذ أن المعطي منجب كان حتى ذلك الحين ممنوعا من دخول المغرب، وبالتالي فإن “تحفظات بعض المحررين”على نشر الكتاب، ثم قرارهم “منع” إضافة اسم الكاتب إلى الحلقات يلتقي مع قرار الحسن الثاني الذي نفذه ادريس البصري بمنع الكتاب.
هذا الأمر سيؤكده منجب لـ”الأول” إذ يقول: “ما يثير استغرابي هو استهداف النظام لاسمي أحيانا أكثر من استهدافه لمحتوى النص المنشور”. مضيفا أن “ما حدث مع جريدة “أنوال” سيتكرر، في نهاية سنة 1996 أو بداية سنة 1997، وكنت آنذاك مازلت بالمنفى، لما قررت دار نشر بالدار البيضاء إصدار الترجمة العربية لسيرة حياة المهدي بن بركة التي ألفتُها مع الكاتبة المقتدرة زكية داود. فتبعا لعوائد ذلك الوقت استشارت دار النشر مع وزارة الإعلام التي كانت آنذاك خاضعة لإدريس البصري فأجابها المسؤول عن “الترخيص” بالوزارة أن الكتاب يمكن أن ينشر إذا أُهمل اسم منجب أو إذا نُشر الكتاب باسم مستعار. لكن السيدة زكية داود أبت ذلك، تضامنا معي، ورفضت الخضوع لهذا الشرط “البصروي” البئيس فلم ينشر الكتاب”.
ويتابع منجب أنه”بالعودة إلى ما سبق نُدرك أن المتابعة القضائية التي أتعرض لها حاليا بتهمة المس بالأمن الداخلي للدولة ترجع أساسا ولاشك لكتاباتي حول الملكية وأساليبها في الصراع مع المعارضة، أو حسب تعبير السلطان مولاي عبد الحفيظ فإن (داء العطب قديم)”.
عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019
صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…