عباس بيضون
لا بد أن داعش مثلها مثل انتفاضات الربيع العربي مفاجأة ساخرة. لم ننتظر بالطبع أن تنقلب الانتفاضة السورية والعراقية إلى هذه المباغتة الصارخة. بادرة تحيّر بالطبع وتلتبس بحدودنا الزمانية. تبدو داعش بالنسبة لكثيرين من ماض منبعث وعائد إلى الحياة. البعض يستذكرون الخوارج في هذا السياق، كأن الإسلام محكوم برجعة مضطردة إلى الوراء. كأن الإسلام لا يفعل سوى مزيد من التقهقر. من الواضح ان الإسلام الذي حارب في أفغانستان وفي روسيا والذي أنتج القاعدة وطالبان والشباب المسلم لم يكن في يومياتنا، ولم يحظ بتتبع لمسار متسلسل متساوق انتهى بداعش في العراق وسوريا. برغم كل ما سبق وبرغم كل هذه المقدمات لا يزال الإسلام مفاجئاً ولا يزال مساره غير ملحوظ ولا مدرك. حتى أن هبوطه على الربيع العربي بدا انحرافاً لهذا الربيع وخروجاً عليه، برغم بروز النهضة في تونس والإخوان المسلمين في مصر والإسلاميين في ليبيا والحوثيين في اليمن. لم نعرف كيف نستدخل الإسلام في تاريخنا وكيف نتمعن في تطوراته وتحولاته المعاصرة وكيف نجد أنه كان باستمرار خزاناً وقوة جاهزين للرد وقادرين على التحول وعلى المداخلة مع وقتهما وعصرهما، برغم ان ردودهما تبدو لأول وهلة غير راهنة ولا معاصرة، بل تبدو مجرد استعادة لكن للاستعادة، او ما يظهر استعادة، منطقها وزمانها وتداخلها.
أقام الصليبيون في هذه المنطقة قروناً وكان تاريخ الدولة العثمانية في عهودها الزاهرة اشتباكاً باسم الإسلام مع الغرب، الذي وجد أمامه المنطقة الإسلامية هدفاً لتمدده ومجالاً حيوياً له وركيزة استعمارية متقدمة. الأمر الذي لا شك أنه غير في المنطقة والغرب أو ترك آثاره عليهما. ثم كانت مسألة فلسطين في عز المد القومي أو في أولياته. لم يكن الإسلام في يوم غائباً عن تاريخ المنطقة، ولم يكن في يوم هامشياً أو جانبياً، كان بالتأكيد عصباً أساسياً وموقداً دائماً وقوة متحفزة جاهزة، وبالتأكيد كانت له طرائقه في التطور والتحول والمعاصرة، طرائق تستمد بالطبع من الماضي وتحمل ختمه، لكنها تستعير منه ما يناسب تحركها وما يناسب ادّعاءها السلفي، واستعادتها المعلنة للأصول وللعصر الذهبي.
شكلت أفغانستان مواجهة معاصرة من المسلمين للقوى العظمى، استعصى على الاتحاد السوفياتي أولاً أن يدحرهم واستعصى على الولايات المتحدة أن تبيدهم. من ذلك الحين صارت الحرب مع الغرب مفتوحة وممكنة وقائمة. في هذا السياق تبدو 11 أيلول خطوة جسورة ومتقدمة. كما تبدو داعش اليوم. مهما يكن من أمر هذه الحرب ومهما تكن نهاياتها فمن المؤكد أن قوى إسلامية استطاعت أن تجد لنفسها في المنطقة ركيزة تنطلق منها إلى حروب متعددة تضعها وجهاً لوجه أمام العالم كله، بدون أن يستطيع أن يكسر شوكتها، وبدون أن يقدر على دحرها وإبادتها بالكامل، كما كان متوقعاً. لنقل في هذا المجال إن داعش لا تقيم دولة الخلافة فحسب، ولا تتمدد في سوريا والعراق ولا تكشف فقط هلهلة دول المنطقة وتدهورها، لكنها تكشف بالدرجة نفسها مقدرة على تصدٍ للعالم كله. إذا كان الأمر كذلك فإن الحراك الإسلامي سيقدر مع الوقت على أن يستقطب ويستنفر، ويبدو طليعة أمامية لمواجهة مع الغرب لا تزال تخامر المسلمين، من قرون، وتدور في خواطرهم من دون أمل بتحقيقها ومن دون تصديق لإمكانها، وها هي أمام الجميع قائمة ممكنة متحققة. أي أن الإسلام يحارب من جديد ويجد في هذا العالم الذي نبذه وهمّشه موقعاً ومكاناً.
لا يكفي أن نقول إن داعش عودة مستحيلة إلى الوراء، وإرادة مستحيلة باستعادة الماضي. هذا بالتأكيد هو عصب دعوة داعش، لكن داعش لا تحارب بالسيوف ولا تحمل أفرادها على جِمال ولا تتصدى بالسهام كما فعل الهنود الحمر. داعش تحارب بأسلحة حديثة بعضها مما غنمته في حروبها، وتتاجر بالنفط، وتستعمل بجدارة ملحوظة التكنولوجيا الحديثة. حتى أن فظائعها المنقولة في اليوتيوب ومواقع الميديا الجديدة تناسب في ابتكارها وجدّتها ومسرحيتها هذه المواقع، إنها استعراضات ضخمة فيها قدر من المسرحة وقدر من الإيحاء يشعر بقوتها وتحديها، الأمر الذي يجتذب إليه الإسلاميين الذين يشعرون بغبن تاريخي وبدونية كونية، إنه يعالج كبرياءهم الجريح وكرامتهم المجروحة وشعورهم بالمؤامرة الكونية.
كانت حرب أفغانستان وراء طالبان والقاعدة، وكانت القاعدة وراء داعش ولا نعرف إلى أين تفضي هذه المسيرة لكن المؤكد أنها تتسع وتتطور. كانت القاعدة عصابات جبلية لكن داعش دولة وجيش وجغرافيا وحكم ينتسب إلى الإسلام ويدّعي شريعته. من الملاحظ أن أياً من الأطراف المسلمة المعارضة لداعش لم ينف هذه الصفة الإسلامية عن داعش ولم يكذبها. من المؤكد أن المد الإسلامي هو اليوم داعش وسيكون داعش أكثر فأكثر. هل يمكن والحال هذه أن نفكر بداعش لا كهرطقة وبربرية بل كمستقبل منظور للحراك وللجَيَشان الإسلاميين. هل داعش هي مستقبل الإسلام.
عن جريدة السفير
عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019
صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…